المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

فضل الله: الإدارة الأمريكية تستمرّ بزيادة الضغط على الدول المسمّاة بالمعتدلة لتنفيذ استراتيجيته في المنطقة

وطنية- 25/4/2008
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، بحضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:


تستمرّ حركة الإدارة الأمريكية، لزيادة الضغط على الدول العربية المسمّاة بالدول المعتدلة لتنفيذ استراتيجيتها في المنطقة، في محاولة للتعويض عن فشلها السياسي والأمني في للعراق، بما كبّد الاحتلال ـ إلى الآن ـ ما يزيد عن أربعة آلاف قتيل وعشرين ألف جريح، إلى غيرهم من المضطربين عصبيّاً.
ولذلك، فإن المطلوب أمريكياً هو مساعدة الاحتلال الأمريكي في استراتيجيته في العراق، ليبقى طويلاً في إدارة الوضع العراقي، والسيطرة على ثرواته الطبيعية ولا سيما البترول، ولتمتد حركته في تشجيع ما يسمّى بـالفوضى الخلاّقة التي حوّلت حياة الشعب العراقي الى جحيم يحترق بناره أطفاله ونساؤه وشيوخه وشبابه، الذين تقصفهم الطائرات الأمريكية بحجة أنهم أهداف معادية، لتبرر جريمتها بعد ذلك بأنها أخطأت في تحديد الهدف، في الوقت الذي يعرف الجميع أن القنابل والصواريخ لا تصيب إلا العوائل الآمنة في بيوتها، ولا سيما في مدينة الصدر التي عاشت الحرمان في أبشع صوره، حتى فَقَدَ سكان هذه المدينة من المستضعفين أبسط شروط الحياة.

وإننا نخشى أن يكون في خلفيات مؤتمر جوار العراق الذي عُقد في الكويت، حصول أمريكا على موقف داعم من الدول العربية والأوروبية والمنظمات الدولية، من أجل إنقاذ الاحتلال الأمريكي من الورطة التي وضع نفسه فيها، والرمال المتحركة التي غرقت أقدام جنوده فيها، مما ترك تأثيره على الرأي العام الأمريكي الداخلي الذي فَقَدَ الثقة بإدارته، وقد بدأنا نسمع بقوة الأصوات الأمريكية الشعبية المطالبة بانسحاب الجيش الأمريكي من العراق.


وبهذه المناسبة، فإننا كنا نأمل أن يكون مؤتمر الكويت مناسبة للمطالبة بانسحاب الاحتلال من العراق، ودعوة بعض الدول العربية لمنع المتطرفين والإرهابيين من الدخول الى العراق واستباحته بمجازر وحشية ضد شعبه باسم الإسلام، والامتناع عن إثارة الجدل التاريخي في عناصر الفتنة المذهبية تنفيساً لتعقيدات قد تختفي خلف بعض الأنظمة العربية المغلّفة بعناوين دينية في الإطار المذهبي، ولكنها تتحرك ــ من خلالها ــ لأهداف سياسية، وخصوصاً أن الخطة الأمريكية التي استهدفت احتلال العراق كانت تتحرك من أجل إضعاف هذا البلد، بقطع النظر عن رأينا الثابت في نظامه الطاغي البائد، حتى لا تبقى هناك أية قوة في أية دولة عربية كبرى توازن قوة إسرائيل، تحت تأثير التلويح بانقسامات طائفية وعرقية نخشى أن تتحوّل الى انقسامات دستورية مما لم تعترض عليه أكثر من دولة من الدول المسمّاة بدول الاعتدال العربي.


وفي السياق نفسه، يتأكّد السعي الأمريكي لتطبيع العلاقات العربية مع إسرائيل، باسم مشروع السلام الذي يتحدث عن دولة فلسطينية الى جانب دولة إسرائيل، لاستكمال خطوط مؤتمر أنابوليس الفاشل الذي لم يحقق للعرب وللفلسطينيين أية نتيجة إيجابية في حقوقهم المشروعة، لأن المطلوب أمريكياً هو إبراز إسرائيل بصورة الدولة الباحثة عن السلام..


ومن هنا، فإننا نؤكد بأن أمريكا تكذب عندما تتحدث عن السلام العادل للشعب الفلسطيني، أو الدولة الفلسطينية القابلة للحياة، لأنها في كل تاريخها تبيع العرب بعض التصريحات الضبابية بطريقة استهلاكية مخادعة لا تعني شيئاً، لأن كل القضية عندها هي المحافظة على تفوق إسرائيل العسكري والسياسي والاقتصادي والأمني، على أساس تأكيد الدولة اليهودية التي يلتزم بها كل يهود العالم، في الوقت الذي تقف فيه بوجه القرارات الدولية التي أقرّت حق العودة للشعب الفلسطيني الى أرضه.


وفي هذا الجوّ، تأتي زيارة وزيرة الخارجيّة الأمريكية لبعض الدول العربية لتأكيد المصلحة الإسرائيلية حتى على حساب مصلحة العرب؛ لأن الإدارة الأمريكية ليست في وارد الضغط على إسرائيل للحد من الغطرسة الإسرائيلية ووحشيتها التي تواجه بها الشعب الفلسطيني، في مصادرة أراضيه وإقامة الجدار العازل وبناء المستوطنات، وخصوصاً في مرحلة الانتخابات الرئاسية الأمريكية التي يتنافس فيها الحزبان الأمريكيان، الديمقراطي والجمهوري، بشكل هستيري للحصول على تأييد اللوبي اليهودي في أمريكا، من غير أن يحسب الفريقان حساب المسلمين والعرب، في أمريكا وخارجها، الذين لم يستطيعوا أن يصنعوا من وجودهم قوة فاعلة ومؤثرة على قرارات الإدارات الأمريكية المتعاقبة، وعلى الرأي العام الأمريكي، في الحقوق الشرعية للعالم العربي والإسلامي..


ومن جانبٍ آخر، فقد طالعنا إعلان المنامة بحديثه عن الخشية من التسلّح النووي الإيراني الذي نفته إيران، من دون أن يذكر ولو ببضع كلمات المجازر الإسرائيلية الوحشية ضد الشعب الفلسطيني، ومن دون أن يتوقف عند الترسانة النووية الإسرائيلية الهائلة التي تحظى بحماية غربية، في الوقت الذي لم توقّع إسرائيل معاهدة حظر التجارب النووية التي وقّعتها إيران.

وبالمناسبة، فقد أعلنت وزيرة الخارجية الأمريكية مؤخراً أنه يتوجب على حركة حماس أن تتخلى عن العنف، وأن توقف إطلاق الصواريخ على جنوب إسرائيل لكي تبرهن أنها مستعدة للسلام، وكأنها تبرر للعدو أية مجزرة جديدة قد يرتكبها ضد الشعب الفلسطيني.. من دون أن توجِّه هذا النداء الى حليفتها إسرائيل التي تقوم بالاغتيالات والاجتياحات للمدن والقرى والمخيمات الفلسطينية، حتى في الضفة الغربية التي تخضع للسلطة الفلسطينيّة، والتي لم ينطلق منها أي صاروخ على العدو.. ولم تطلب رايس من إسرائيل الامتناع عن العنف التجويعي الغذائي والدوائي والحصار للخدمات الحيوية للمواطنين في غزة، ومحاولة إذلال الفلسطينيين على المعابر وأبواب الجدار العازل، والقصف الوحشي بالطائرات الأمريكية التي لا تفرّق بين مقاوم ومدني!!

إننا ـ أمام هذا الواقع ـ نهيب بالعرب والمسلمين أن يتحمّلوا مسؤوليتهم ضد إسرائيل وأمريكا، في الدفاع عن الشعب الفلسطيني الذي يواجه أكثر الوسائل وحشية في القصف والحصار، وعلى المسؤولين جميعاً أن يتقوا الله في هذا الشعب فلا يمتنعوا عن مدّ يد المساعدة لهذا الشعب المنكوب بالاحتلال وبالحرب المتنقلة بين موقع وموقع في كل فلسطين، حتى لا يكون موقفهم منسجماً مع الموقف الصهيوني، لذلك فإن عليهم أن يتمرّدوا على التعليمات الأمريكية التي تمنع فريقها من المسؤولين العرب والمسلمين من مساعدة الشعب الفلسطيني، لإبقائه وحيداً في مواجهة النازية الدولية التي تدعم إسرائيل في كل محارقها الفلسطينية.

وليس بعيداً عن ذلك، تتحرك زيارات المندوبين الأمريكيين الذين يؤكدون على الخط السياسي لإدارتهم، في إبقاء الأزمات الداخلية في أكثر من بلد عربي رهينة مصالحها الاستراتيجية في حركة إدارة أزمة المنطقة، في ضغوطها على لبنان وفلسطين وسوريا وإيران، بما تثيره من عناصر الفرقة بين اللبنانيين، أو تعقيد العلاقات مع سوريا وإيران باتهامهما بأنهما تمثلان المشكلة في أوضاع لبنان من جهة وفي العراق من جهة أخرى..

وقد كانت زيارة مساعد وزير الخارجية الأمريكية ولش الى لبنان إحدى وسائل إرباك الوضع السياسي الداخلي، من خلال أنها أظهرت وكأنّ هناك علاقة عضوية بين بعض القيادات السياسية اللبنانية والإدارة الأمريكية، التي وعدتهم ببذل كل جهودها في دعمهم لأجل حصولهم على القوة التي تتوازن مع قوة الفريق الآخر، حتى بات اللبنانيون يشعرون بأن هذه الإدارة قد تحوّلت الى فريق لبناني يتدخّل في أدق تفاصيل السياسة اللبنانية الداخلية، وهو ما ظهر جليّاً في تبشير هذا المسؤول الأمريكي اللبنانيين بأنهم سيواجهون صيفاً حاراً من خلال الطريق المسدود الذي وصلت إليه الأزمة وسقطت فيه المبادرات، بما في ذلك المبادرة العربية التي يعرف الجميع أن أمريكا لم تعترف بها بشكل فاعل، ولذلك فقد ضغطت على أكثر من دولة عربية في عدم حضور القمة العربية، أو في إضعاف مستوى التمثيل، إضافة الى المقاطعة اللبنانية للقمة التي كان من جدول أعمالها دراسة المبادرة العربية، في محاولة للوصول الى آلية موضوعية تضمن تحقيق نقاطها، من خلال إجماع عربي على تفسيرها.

أما لبنان، فإن الانقسام السياسي بين معارضة وموالاة وصل الى درجة لا يُسمح فيها للقاء والحوار حول القضايا المختلَف عليها، وهو ما يوحي بأن لبنان لم يعد موحَّداً على أساس المواطنة، بل إن الخلفيات الكامنة وراء كثير من الخطوط السياسية تنطلق من لبنان الذي يستسلم لذهنيّة الضعف العربي، فيسقط تحت تأثير السياسة الأمريكية التي تدفعه باتّجاه المزيد من التأزّمات الداخليّة، والانشقاق الوطني، والمزيد من الانخراط في الواقع العربي المنفتح على الصداقة الإسرائيلية من جهة أخرى، مع التصريحات العنترية التي توحي بالفتنة والعنف والنفاق الطائفي، ويبقى الشعب يعاني من آلامه وجوعه وحرمانه وفقدانه للخدمات الحيوية التي يتجمّد الواقع عندها بشكل مجنون..

والسؤال: أما آن لشمس هذا البلد أن تشرق، أم أنه مكتوب عليه ان يبقى في الليل الذي يغني له كل المطربين في عالمنا العربي؟ أما آن لنا أن ننادي الفجر ليطل بنوره على واقعنا؟.

25-نيسان-2008

تعليقات الزوار

استبيان