الخط الثاني يتمثل في الاستمرار في الضغط لمنع أي وحدة فلسطينية، عبر التهديدات المتنوعة في حال التوصل إلى نتيجة إيجابية، ولذلك فشلت المبادرة اليمنية لتحقيق وفاق سياسي بين فتح وحماس.
وأما الخط الثالث، فيتمثل في ضرب أي موقع للتلاقي العربي والإسلامي على أساس اتخاذ قرارات تصب في مصالح الشعوب العربية والإسلامية، وهذا ما لمحناه في زيارة نائب الرئيس الأميركي تشيني، واستكملته وزيرة خارجيته في زيارتها إلى بعض البلدان العربية المسماة دول الاعتدال، ولا سيما فيما يتصل بمستوى الحضور العربي في القمة العربية التي تأتي في أخطر المنعطفات التاريخية التي تمر بها منطقتنا وأكثرها حساسية.
اضاف: "وفي هذا السياق، لا تزال الدول العربية في حال جمود سياسي وحصار اقتصادي أمام الشعب الفلسطيني، حيث لم تجرؤ أي دولة عربية على معاقبة إسرائيل في علاقاتها الاقتصادية معها أو في التزاماتها السياسية تجاهها، أقله، لتشعر تلك الدولة المغتصبة بأن مواقفها الظالمة الغاصبة سوف تكلفها بعض مصالحها مع الدول التي عقدت صلحا رسميا معها، أو التي أبرمت معها اتفاقات سرية في حركتها الاقتصادية، أو التي وصلت إلى درجة التطبيع السياسي، وهذا هو الذي لاحظناه في ترديد القادة في الجامعة العربية كلمة "السلام" أو "قرارات قمة بيروت"، أو في الوقوف الباهت مع الشعب الفلسطيني أمام المجازر الصهيونية الوحشية بحقه والاستباحة العدوانية لمدنه في الضفة الغربية وغزة، إضافة إلى قضية القدس التي تتحرك الخطة الإسرائيلية في استكمال تهويدها، وطرد الكثيرين من مواطنيها، لتحقيق الهدف الصهيوني بأن تصبح عاصمة للكيان الغاصب، وإسقاط الشعار الفلسطيني الذي تردده السلطة بأنها "العاصمة الأبدية لفلسطين"..
وتابع:" أما مسألة التضامن العربي التي كانت عنوان القمة العربية في دمشق، فإنها تبقى شعارا ما لم ترتكز على قاعدة قومية أو أخوية، وما لم تتحرك ضمن آليات واضحة وثابتة لحماية الواقع العربي من التأثير السلبي للخصوصيات الإقليمية، أو للعناصر الشخصية، أو للخلفيات الدولية ولا سيما الأميركية. إننا نتمنى أن ينجح مشروع التضامن العربي، ولكننا نتصور أن العالم العربي قد فقد وجوده القومي، وتحول إلى مزق متناثرة يلعب بها اللاعبون، ويعبث فيها العابثون، وتموت فيها القرارات قبل أن تولد".
اضاف: "ويبقى العراق الجرح النازف الذي لا يزال يعاني من مفاعيل الاحتلال الذي يغطي حركة الفوضى الأمنية والسياسية والاقتصادية، ويحرك ألاعيبه السياسية والأمنية، ومخابراته المركزية، وخططه التقسيمية والتفتيتية، ولصوصيته الاقتصادية، ولا سيما تجاه النفط، انطلاقا من استراتيجيته في العالم في السيطرة على بترول أي بلد من بلدان العالم الثالث، لأن ذلك هو الذي يمنحه قوة الضغط على أوروبا وروسيا والصين واليابان في مشاريعها السياسية والاقتصادية".
وتابع: "وفي هذا الجو، يواجه الإسلام في الغرب حربا عنصرية من خلال العمل على تشويه صورته، والإساءة إلى مقدساته. ومن اللافت أن وزراء خارجية دول الاتحاد الأوروبي الذين نددوا بالفيلم الذي أنتجه نائب يميني هولندي، لأنه يساوي الإسلام بالعنف واعتبروا هذا الرأي مرفوضا، أقروا بأن لمؤلفه الحق في إنتاجه انسجاما مع مقولتهم بحرية التعبير، من دون أن يحاول هؤلاء وغيرهم في الغرب إصدار قرار برفض معاداة الإسلام والأديان الأخرى، لأنهم لا يحترمون المسلمين بل ولا المسيحيين في العالم، ولأن حرية التعبير عندهم باتت مسألة استنسابية تخضع للحسابات السياسية لا للقيم الديموقراطية وحقوق الإنسان. وإننا نعتقد أن على المسلمين هناك أن يرتفعوا إلى المستوى الأعلى في حماية الإسلام، وفي تعريف الآخرين بالقيم الأخلاقية والإنسانية والروحية التي يمثلها في مفاهيمه التشريعية، ويخططوا للانفتاح على الأصول الحضارية الإسلامية في حركة الدعوة في العالم كله، ويفضحوا المخططات التي تستهدف المفاهيم الإسلامية بطريقة عدوانية".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال: "اما في لبنان، فإن آذان السياسيين قد أصابها الصمم عن أنات الجائعين، وتنهدات الكادحين الذين باتت رواتبهم المعيشية مجرد أوراق لا تسد حاجاتهم الأساسية في المأكل والملبس، فضلا عن أعباء التعليم لأولادهم، وأصبح اللبنانيون جائعين في بلد الخصب، وعطاشى في بلد المياه، وعراة في بلد القز والحرير، ونخشى أن نقول أميين في بلد المطابع والعلم. إننا نعرف أن المشكلة الاقتصادية معقدة ومتداخلة، إلا أننا لا نزال نلمح قصورا في علاجها، لا تقصيرا فحسب، لأن كثيرا من الطبقة السياسية التي ـ وللأسف ـ أدمنها الشعب اللبناني نفسه، تنتج نفس الوجوه، ونفس الذهنيات التي لم تؤمن بقوة شعبها ولا بكوادره ولا بآماله وتطلعاته، ولذلك لم تسمح للشعب أن ينتج طبقة سياسية ترتقي إلى طموحه وآماله، وتقفز فوق الأطماع الشخصية، والعصبيات الطائفية، والأنانيات الفئوية، من أجل الوحدة والتكامل لخير الجميع ومستقبل أفضل للأجيال الآتية".
وتوجه الى اللبنانيين بالقول: "إن قيمة لبنان بقيمة إنسانه، فلا تسمحوا لكل الذين يذبحون قيمه على مذبح شيطنتهم، وإن لبنان غني بتنوعه فلا تعطوا أصواتكم لكل الذين يخنقونه بعصبياتهم، وإن لبنان ثابت بقوته فلا تعيروا وجها لكل الذين يريدون أن يفرضوا عليه الضعف، وإن لبنان كان، ولا يزال، معطاء في ثقافته وحريته فلا تسمحوا للعابثين أن يغلقوه عن قضايا أمته ويبقى لكم أن تقرروا صورة بلدكم وموطن أبنائكم".