وتابع: "أعلنت منظمة العفو الدولية في لندن أن العراق بعد خمس سنوات من الاحتلال هو من البلدان الأكثر خطرا في العالم، حيث يقتل المئات إلى جانب ارتفاع معدلات الفقر والنقص في الخدمات، وتصاعد الاعتداءات ذات الطابع المذهبي، وصولا إلى عمليات النزوح التي بلغت أربعة ملايين مع ارتفاع كبير في معدلات البطالة، ما يدل على أن الاحتلال كان سببا في تدمير كل الأوضاع المدنية والاقتصادية والعسكرية في العراق. ومع كل ذلك فإن الإدارة الأمريكية لا تزال تخطط لتأسيس قواعد عسكرية كبرى في العراق للابقاء على احتلالها، وهو ما عبر عنه نائب الرئيس الأمريكي "تشيني" في زيارته الأخيرة. وهكذا نلاحظ أن أمريكا تريد التفاوض مع الحكومة العراقية تحت عنوان المسألة الأمنية لضمان استمرار وجودها الاحتلالي، ولحماية مشاريعها ومصالحها من خلال استخدام العراق كجسر تعبر عليه للضغط على الدول المجاورة. إن على الشعب العراقي، الذي كانت الحرية جزءا من تاريخه وشخصيته الإسلامية والوطنية، أن يتحرك من أجل إلحاق الهزيمة بالاحتلال من خلال مقاومة شريفة رشيدة ضد الوجود الأميركي والبريطاني، للوصول إلى الوطن الحر المستقل الذي يحكم نفسه بنفسه ويحل مشاكله بطريقته الخاصة".
أضاف: "أما في المشهد الإسرائيلي، فتستعد الدولة العبرية للاحتفال بمرور ستين عاما على تأسيسها واغتصابها لفلسطين، في مهرجان تجتمع فيه دول العالم، التي لا تزال الأكثرية فيها تؤيد الدولة اليهودية وترى في حركة المقاومة إرهابا، وهذا هو الذي دفع المستشارة الألمانية، ميركل، لزيارة هذه الدولة الغاصبة، التي كانت ولا تزال تبتز ألمانيا، بحجة تاريخها الهتلري النازي، الذي أدخل اليهود في محرقة حاولت الصهيونية أن تعمل على تضخيم أعدادها في شكل خيالي، مع إهمال الشعوب الأخرى التي أدخلها النازي في محرقته. وقد وصل الضغط اليهودي الصهيوني المدعوم أمريكيا إلى مستوى محاكمة كل من يشكك بأرقام هذه المحرقة، كما حصل مع المفكر الفرنسي، روجيه غارودي، وغيره.وقد وقفت هذه المسؤولة الألمانية ـ بخشوع ـ أمام النصب التذكاري للمحرقة، لتتحدث عن شعورها بالعار، ولتؤكد تصميمها على بناء مستقبل إسرائيل، ولكنها لم تتحدث عن المحرقة الصهيونية التي احترق بها الشعب الفلسطيني في مدى ستين سنة، بالإضافة إلى الشعب اللبناني، والمحارق الأخرى التي قامت بها إسرائيل ضد العرب والمسلمين، لأن هذا الغرب لا يملك أي إحساس إنساني بما يحدث للشعوب العربية والإسلامية بسبب حقده التاريخي، والتزامه بالأمن الإسرائيلي، وإعطائه الشرعية لهذا الاحتلال الذي يعمل على تعطيل أية محاولة لقيام دولة فلسطينية قابلة للحياة".
وإذ رأى "إن مشكلة الإدارات الغربية تكمن في أنها أسقطت كل منظومة القيم لحساب سياستها النفعية وأطماعها السياسية، ثم عملت على إخضاع الشعوب لمنطق القوة على حساب منطق الحق، وخصوصا أنها وجدت أنظمة عربية لا تفكر إلا بمصالحها الرسمية، ولا تكترث لما يصيب الفلسطينيين واللبنانيين وغيرهم، أكد "أن اللقاءات بين العدو والسلطة الفلسطينية، تثير المزيد من سخرية العدو لواقع أسقط من يده سلاح المقاومة، ولم يجد قوة يستند إليها في عملية التفاوض، فبقي ضعيفا ومتساقطا أمام شروط العدو المعقدة".
وتابع: "أما في الواقع العربي على مستوى قضية القمة المقبلة، فهناك جدل تاريخي يسيطر على ذهنية الأنظمة في اجتماعاتها الرسمية في إثارة التعقيدات الثنائية أو الثلاثية في داخلها، بحيث يصادرون القضايا المصيرية في خلافاتهم ليهربوا إلى الأساليب الإنشائية في قراراتهم التي لا تمثل أي نتيجة.. وقد بدأت السجالات حول حضور القمة المقبلة في دمشق في مقاطعة البعض لها أو خفض مستوى التمثيل أو فرض الشروط غير الواقعية، بالإضافة إلى التعليمات الأمريكية الصريحة بالمقاطعة العربية لحضورها عقابا لدمشق، التي يلتقي الكثيرون من قادة الأنظمة بأمريكا في مواجهتها. وقد امتد هذا الجدل إلى لبنان لترتفع الأصوات من فريق معين بالامتناع عن حضورها، بالرغم من أنها قمة عربية وليست سورية، وربما تبحث فيها القضايا المهمة كالأزمة اللبنانية والفلسطينية.. إننا نلاحظ أولا أن هذه القمة كغيرها من القمم العربية لا تستطيع تحقيق أي هدف عربي في حل أي مشكلة عربية أمام الوضع المنهار في الجامعة، وثانيا إن بحث القضية الفلسطينية قد يحرج بعض الدول التي تقف موقفا سلبيا من المجازر التي قامت بها إسرائيل في غزة والضفة، بينما عملت على استنكار عملية المقاومة في القدس، هذا بالإضافة إلى الحصار المفروض على غزة الذي يقفون منه موقف المتفرج ولا يقدمون للشعب الفلسطيني أية مساعدة فاعلة في متاهات الخلافات العربية التي سلكت طرقا شخصية وعرة لا علاقة لها بالعروبة أو بالمبادرة العربية في مفرداتها وأساليبها الواقعية، ما يجعل من الحضور العربي أو اللبناني مسألة غير فاعلة، بحيث يكون الحضور وعدمه على حد سواء، بل ربما يكون العدم أفضل، لأن الحضور قد يؤدي إلى بعض التعقيدات الجديدة على الواقع العربي".
وختم: "يبقى اللبنانيون في حيرة قاتلة، لأن الوسط السياسي الداخلي في خلفياته الخارجية لا يزال يشغلهم بالتجاذبات الشخصية والمذهبية والطائفية، ويثير في وجدانهم الوطني الكثير من اللاأخلاقية في القرار الحزبي والكلام السلبي والاتهام التخويني، ما يجعل من لبنان المثقف المنفتح على القيم الكبرى في ثقافته الواسعة وطنا تتحرك بعض رموزه القيادية بعقلية جاهلية، وذهنية بدوية لا تملك شيئا من قيم البداوة. إننا نريد لبنان السيد الحر في واقعية الحركة والممارسة والانفتاح، ولا نريد لبنان العبد الذي ينتظر تلقي التعليمات من القوى التي تفكر في مصالح أوطانها وليس للبنان شيء من ذلك، ولعل النكتة الساذجة أن البعض يتحدث عن المجتمع الدولي كما لو كان عنوانا مقدسا، ونحن نعرف أن هذا المجتمع يخضع للضغط الأمريكي الذي يمتنع عن التنديد بمجرزتي قانا ومجازر غزة والعراق وأفغانستان والصومال والسودان وأفريقيا، إلا بالطريقة التي تخدم مصالح الاستكبار. والسؤال: أين هي العبقرية اللبنانية التي منحت العالم الكثير من الإبداعات وهل ستواصل الغرق في الوحول الطائفية السوداء؟!