آية الله فضل الله: على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تخرج من نطاق الضغوط الأمريكية والدولية وتدافع عن الإسلام وقيمه
16/3/2008
أبدى آية الله السيد محمد حسين فضل الله أسفه من أن تتحول القمة الإسلامية إلى مجرد حركة في ملء الفراغ السياسي على المستوى الإسلامي العام، ولتكتمل الصورة المشهدية في أن القمم الإسلامية والعربية لا تستطيع أن تحلّ مشكلة عربية وإسلامية واحدة، ولتتحول إلى ظاهرة صوتية تثير سخرية العالم لا احترامه.
ونبّه إلى أنّ منظّمة المؤتمر الإسلامي التي انطلقت من رحم تحدّيات خطيرة واجهت القضيّة الفلسطينيّة، والتي تمثّلت بإحراق المسجد الأقصى، أصبحت ـ في بياناتها وخطاباتها ـ تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كأمر واقع وشرعي؛ لتثير الحديث في التفاصيل، وكأنّ القضيّة الفلسطينية أصبحت قضيّة "الحملة العسكريّة" التي تنتهك فيها إسرائيل "حقوق الإنسان" وترتكب فيها "جرائم حرب"، وكأنّ الاحتلال نفسه لا يمثّل انتهاكاً لحقوق الإنسان أو جريمة كُبرى ضدّ الإسلام وضدّ الإنسانيّة كلّها.
وأكد أن المطلوب من منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتحول إلى تجمع إسلامي فاعل يضع الخطط والآليات لحماية القضيّة الفلسطينيّة من الإبادة من كلّ الحسابات الإسلاميّة، بعدما تفرّج العالم كلّه على الإبادة التدريجيّة للشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستّين عاماً، ولتأكيد حقّ العودة لهذا الشعب بعدما تنكّر العالم كلّه لذلك، حتّى لقراراته الدولية التي أصدرها بهذا الخصوص. ودعا الدول الغنية في المنظّمة إلى دعم دولها الفقيرة، بدلاً من أن تذهب مقدّراتها إلى جيوب المتخمين، أو إلى الدوائر الغربية ومصانع السلاح لديها أو لمعالجة أزمات البطالة في الاقتصاديات الغربية على حساب أرقام البطالة المتصاعدة عندنا، ومشدداً على أن تتحمل المنظمة مسؤولياتها اتجاه العدوان على مقدّسات المسلمين ووحدتهم وواقعهم.
أدلى آية الله فضل الله بتصريح تناول فيه واقع منظمة المؤتمر الإسلامي وقمتها الأخيرة، وجاء فيه: "لعلّ من الأمور التي تبعث على الأسف والأسى، أن التجمعات أو اللقاءات الإسلامية تحولت إلى لقاءات شكلية وإلى ما يشبه المناسبات الخطابية التي يتنافس فيها المحاضرون على استخدام الكلمات الرنّانة والتعابير ذات النبرة التوجيهية الخطابية من دون أن يفضي ذلك إلى تحقيق نتائج عملية تخدم القضايا الإسلامية في العمق.
ومن هنا، وجدنا أن قمة منظمة المؤتمر الإسلامي أخذت شكل القمم العربية؛ لتغدو مجرد حركة في ملء الفراغ السياسي على المستوى الإسلامي العام، أو محاولة إيحائية للجمهور الإسلامي بأنّ ثمة من يسهر على قضاياهم وأوضاعهم، بينما تؤكد الوقائع الثابتة أن المنظّمة ـ في كلّ تاريخها ـ لم تستطع أن تحلّ مشكلة إسلامية واحدة، أو أن ترفع الظلم والحيف عن شعب مسلم أو عربي، تماماً كما هي الجامعة العربية، ولتكتمل الصورة المشهدية التي تثير سخرية العالم وهو ينظر إليها حيال هذا الكمّ الإسلامي، الذي يصل إلى مستوى المليار والنصف؛ لتتحول هذه القمم إلى ظاهرة صوتية لا تختلف في الأداء عن كثير من الظواهر الصوتية التي يضجّ بها عالمنا العربي والإسلامي، ولا تثير لدى الآخرين أيّة ردود فعل ذات قيمة، بل تعكس مزيداً من اللامبالاة العالمية حيال هذا السُبات المطبق على واقعنا وأنظمتنا. وبذلك كفّت منظمة المؤتمر الإسلامي عن أن تتحول إلى شيء يُذكر حيث تعقد القمم ثم ترفع بيانها الختامي من دون أن تثير انتباه شعوبها الإسلامية فضلاً عن انتباه شعوب العالم، أو أن تخلق حركةً أو واقعاً جديداً.
ولعلّ من اللافت أن يُثار الحديث في القمة عن أن واحداً من التحديات التي تواجهها الأمة يكمن في الملف النووي الإيراني، بينما يغفل هؤلاء عن التحدي الإسرائيلي الذي يمثّل خطراً وجودياً على العرب والمسلمين. ولعلّ من المضحك المبكي أن هذه الإثارات في القمة تتزامن مع إعلان وزير حرب العدو بأن إسرائيل هي الأقوى في المنطقة كلها، وبشعاع يزيد عن الألف وخمسمائة كيلو متر من محيط القدس الشريف، وكأن الخطر الإسرائيلي الداهم يُراد له أن يتحول إلى ما يشبه الوجود الطبيعي في جسم الأمة لتغدو المشكلة هي في المكوّنات العربية والإسلامية نفسها.
وممّا تلاحظه الشعوب الإسلاميّة، أنّ منظّمة المؤتمر الإسلامي التي انطلقت من رحم تحدّيات خطيرة واجهت القضيّة الفلسطينيّة، والتي تمثّلت بإحراق المسجد الأقصى، أصبحت ـ في بياناتها وخطاباتها ـ تتعامل مع الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين كأمر واقع وشرعي؛ لتثير الحديث في التفاصيل، وكأنّ القضيّة الفلسطينية أصبحت قضيّة "الحملة العسكريّة" التي تنتهك فيها إسرائيل "حقوق الإنسان" وترتكب فيها "جرائم حرب"، وكأنّ الاحتلال نفسه لا يمثّل انتهاكاً لحقوق الإنسان أو جريمة كُبرى ضدّ الإسلام وضدّ الإنسانيّة كلّها.
إن المطلوب من منظمة المؤتمر الإسلامي أن تتحول إلى تجمّع إسلامي فاعل يعمل على وضع الخطط وإيجاد الآليات لحماية القضيّة الفلسطينيّة من الإبادة من كلّ الحسابات الإسلاميّة، بعدما تفرّج العالم كلّه على الإبادة التدريجيّة للشعب الفلسطيني منذ أكثر من ستّين عاماً، ولتأكيد حقّ العودة لهذا الشعب بعدما تنكّر العالم كلّه لذلك، حتّى لقراراته الدولية التي أصدرها بهذا الخصوص.
لم يعد من الطبيعي إزاء ما يواجهه المسلمون من تحدّيات كُبرى أن تبقى هذه المنظّمة مجرد مسرح خطابي تتردد في فضاءاته أصداء الكلمات أو المواقف الأمريكية، أو أن تنطلق فيه المناشدات لما يسمى "المجتمع الدولي" كي يتحمل مسؤولياته حيال شعوبنا؛ لأنّه ليس في العالم من يتحمّل مسؤوليّة قضايا أحد، بل إنّ هذا المجتمع الدولي يتحرّك وفقاً لحساب مصالحه الكُبرى والاستراتيجية التي يظهر أنّها تصطدم دائماً بمصالح الشعوب.. وقد تبيّن للجميع أنّ هذا المجتمع الدولي، الملحق بأمريكا، والذي بات مجلس الأمن يمثل فيه صورة عن مجلس الأمن القومي الأمريكي، هو المسؤول المباشر عن المآسي والويلات وعن واقع الاحتلال الذي يجثم
على أرضنا، من فلسطين إلى العراق وإلى أفغانستان.
ومن جهة أخرى، فإن على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تخرج من نطاق الضغوط الأمريكية والدولية لتفكر جدياً في كيف يمكن أن يتحول العالم الإسلامي إلى كتلة اقتصادية موحدة تذهب أموالها إلى سدّ حاجات شعوبها، وتدعم فيها دولها الغنية دولها الفقيرة، بدلاً من أن تذهب مقدّراتها إلى جيوب المتخمين، أو إلى الدوائر الغربية ومصانع السلاح لديها التي لا تعمل إلا لما يخدم مصلحة إسرائيل، أو أن تتوجّه لمعالجة أزمات اقتصاديات البلدان الغربيّة لتسقط أرقام البطالة فيها في الوقت الذي تسجّل أعلى أرقام البطالة والفقر والأمية عندنا.. كما أن عليها أن تتحرك في نطاق معالجة قضايا خطيرة تهدّد بنية مجتمعاتنا الإسلامية من الداخل، كظاهرة التكفير الذي يؤسّس للقتل والإجرام على أساس طائفيّ أو مذهبيّ، وخصوصاً أن بعض التعقيدات دفعت بمن يتمثلون في القمة إلى احتضان هذه الظاهرة الخطيرة، والتي تضرب الإسلام في الداخل وتشوّه صورته في الخارج.
إن على منظمة المؤتمر الإسلامي أن تخرج من نطاق هذا الصمم السياسي والاقتصادي والحضاري وأن تقوم بمسؤولياتها في الدفاع عن الإسلام وقيمه، وفي صون الوحدة الإسلامية داخل المجتمعات الإسلامية، والتي يتهددها عدو أمريكي وإسرائيلي خارجي يعمل على تفتيت الكيانات وتقسيم المسلمين بالتعامل معهم ككيانات مذهبية وعرقية وسياسية، وأن تستخدم عناصر القوة الذاتية الموجودة في الواقع الإسلامي، سواء على مستوى الثروات أو حتى على مستوى حركات الممانعة والمقاومة، للتأكيد للآخرين بأن اللعب بمصائر شعوبنا أو التطاول على مقدّساتنا لا يمكن أن يمر مرور الكرام، ولتؤكد للعالم بأن الإسلام يمثل حركة تسامح وحوار وانفتاح، ولكنه في الوقت عينه يمثل حركة للقيم السامية والمبادىء الراقية التي لا تقبل الظلم والذلّ والاستفراد بالشعوب".