الوكالة الوطنية للإعلام - 22/2/2008
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله, خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات العلمائية والسياسية والاجتماعية، وحشد من المؤمنين، ومما جاء في خطبته:
"في فلسطين المحتلة، يضع رئيس وزراء العدو الخطوط العريضة لسياسة حكومته حيال الفلسطينيين لجهة مواصلة حصار غزة، في إطار سياسة العقاب الجماعي التي تتزامن مع سلسلة المجازر والجرائم التي يرتكبها جيش الاحتلال ويسقط فيها المدنيون، بمن فيهم الأطفال.إلى جانب تمييع مسألة القدس والإعلان عن تأجيل المحادثات مع السلطة الفلسطينية حولها، لأن القدس تدخل في الخط الاستراتيجي الذي سيواصل العدو الاحتفاظ به في نطاق سياسته الاستيطانية التهويدية".
اضاف" ومع أن حركة حماس قد أعلنت قبولها بإيقاف إطلاق النار، وذلك بالامتناع عن إطلاق الصواريخ في مقابل امتناع إسرائيل عن عمليات القصف والحصار والاغتيال، ولكن إسرائيل لم توافق على ذلك، لأن استراتيجيتها قائمة على الاستمرار في العدوان حسب مصلحة احتلالها، ولذلك فإنها تتابع عملياتها العدوانية في الضفة الغربية وفي إذلال الشعب الفلسطيني على المعابر، وتريد للمقاومة الفلسطينية إيقاف إطلاق الصواريخ أو المواجهة المسلحة من طرف واحد لتستكمل خطتها في الحصول على أكبر مساحة من الأرض الفلسطينية، عبر بناء المستوطنات والجدار الفاصل قبل الوصول إلى الدولتين اللتين لا يزال المجتمع الدولي يتحدث عنهما".
وتابع:"إن الفلسطينيين في السلطة قد يرتاحون للكلام الذي يسمعونه من الدول الكبرى، ولكنهم لا يرون أية ضغوط على إسرائيل لتحقيق مطالبهم في إزالة الحصار وبناء المستوطنات، كما سمعنا ذلك من وزير خارجية فرنسا الذي كان يزور الأراضي المحتلة، في الوقت الذي تقف هذه الدولة مع إسرائيل بشكل مطلق، حتى أن رئيسها صرح بأنه "لن يصالح رئيس أية دولة لا تعترف بإسرائيل"، ولو كان ذلك على خلاف مصلحة بلده، ما يدل على التزامه بالعناوين الكبرى للسياسة الصهيونية على حساب الواقع العربي والإسلامي، انطلاقا من التزامه بالإدارة الأميركية في سياستها الإسرائيلية. ومن المؤسف أن بعض الدول العربية لم يحسب حساب هذه المواقف العدوانية تجاه العالم العربي والإسلامي كما تمثلت اخيرا بالإصرار على العقوبات ضد إيران في مجلس الأمن، بحجة احتمال تخطيط إيران للقنبلة الذرية، بالرغم من تقرير وكالة الطاقة الذرية وتقرير الاستخبارات الأميركية اللذين ينفيان ذلك".
وطالب "العالم العربي والإسلامي بأن تكون استراتيجيته في التعامل مع الدول مرتبطة أساسا بمواقفها من المصالح الحيوية للعرب والمسلمين، تماما كما هي طريقة تلك الدول التي تضغط على مصالحنا لخدمة مصالحها الاستراتيجية، لأنها تنظر إلينا كدول خاضعة لها في أوضاعها العامة، الأمر الذي يهدد قضايانا المصيرية الحيوية".
اضاف:" ومن جانب آخر، فقد عقد مؤتمر في العاصمة النيوزيلندية، ولنغتون، ضم 120 دولة للتوصل إلى اتفاقية لحظر استخدام وإنتاج وتخزين والاتجار بالقنابل العنقودية، ولم تشارك الولايات المتحدة الأميركية في حضور هذا المؤتمر، وقد ذكر الوزير النيوزيلندي إن معظم الدول راعها هذا المستوى العالي من انتشار القنابل العنقودية التي استخدمتها إسرائيل في الأيام الأخيرة من حربها على لبنان في صيف العام 2006. ومن المعروف أن الولايات المتحدة هي التي زودت إسرائيل بالملايين من هذه القنابل لإلقائها على لبنان، ولاسيما الجنوب، لتقتل أكبر عدد من المدنيين، كما يحدث بين وقت وآخر".
وحمل أميركا" تبعة كل قتيل أو جريح من المدنيين، وبالأخص المزارعين في الجنوب، لأنها كانت المصدر لذلك السلاح وللقنابل الذكية التي ألقتها الطائرات الحربية كهدية للبنان واللبنانيين، ولكن حلفاء أميركا لم يحركوا ساكنا في هذه الحرب المتواصلة على المدنيين اللبنانيين، لأنهم ليسوا على استعداد لتحميلها أية مسؤولية في أية جريمة تقوم بها إسرائيل".
اضاف:" ومن جانب آخر، فإننا لا نفهم أية ضرورة أمنية لبنانية لزيارة مسؤولين عسكريين أميركيين كبار الى لبنان أو موظفين ديبلوماسيين وإداريين كبار، فهل هذا تخطيط لإثارة بعض الأوضاع الأمنية الداخلية على مستوى الفوضى المتنقلة التي تزيد اللبنانيين المدنيين انقساماً، من خلال الاهتزاز الأمني إلى جانب الاهتزاز السياسي الذي يهز المشاعر ويعقد النفوس، من أجل إبقاء الأزمة اللبنانية في خدمة المشاريع الأميركية التي بشر بها الرئيس جورج بوش في تحريك الفوضى الخلاقة ـ حسب تعبيره ـ لأنه لا يريد للمنطقة العربية والإسلامية استقرارا أمنيا وسياسيا واجتماعيا، باعتبار استراتيجيته الإمبراطورية في إسقاط كل المواقع المعارضة لسياسة الإدارة الأميركية، وفي إرهاب كل قوى الممانعة والمواجهة الساعية للحرية والاستقلال، وذلك تحت عنوان الحرب ضد الإرهاب".
وقال:"السؤال الذي قد يطرحه الناس في المنطقة: هل أن هناك تطورات كبيرة في المنطقة من خلال سياسة الإدارة الأميركية على مستوى الجنون العسكري والإرهابي الذي بدأه الرئيس الأميركي، ولاسيما من خلال الخسائر التي مني بها في العراق وأفغانستان في الجانب العسكري، وعلى المستوى السياسي في لبنان وسوريا وإيران وفي مواقف الشعوب العربية والإسلامية، وهل أن التعليمات الموجهة من بعض الدول العربية والأوروبية للتحذير من المجيء إلى لبنان والتحذير للمقيمين فيه علاقة بهذا التطور الأمني، وهل يفكر هذا المجنون الإمبراطوري أن يختم ولايته الثانية بإدخال العالم كله في حال انهيار وفوضى؟ هذا ما تراقبه المنطقة كلها".
وتطرق الى الوضع في لبنان وقال:"اما لبنان، فقد دخل في صراع جنوني لم يملك الكثيرون من القائمين على شؤونه السياسية في الخطب النارية والكلمات الحربية، والاستعراضات الشخصية، والإثارات المذهبية الطائفية، التي جعلت الشارع يعيش المشاعر الحادة التي تحاول أن تجعل من الانتماء الديني والمذهبي حركة في العنف السياسي. وقد بدأ الحديث عمن يقود الآخرين بين المسلمين والمسيحيين وبين السنة والشيعة، والذي يراد من خلاله استعادة الأحقاد التاريخية، حتى كأننا نعيش مشكلة الخلافة والإمامة في مجتمع لا يدرك حقيقة الأمر في هذا الموقع أو ذاك ولا يرتفع إلى مستوى الوحدة الإسلامية في الفكر الموحَّد وفي المصير المشترك أمام الهجمات التي توجه للاسلام كله".
اضاف:" وقد أدى كل هذا الضجيج إلى حال من فوضى الشارع التي يتقاتل فيها المستضعفون الذين يعانون فقدان الحياة الكريمة والعيش المريح، ليشتبك بعضهم ببعض من دون هدف ومن دون قضية، ولكنه عنصر الإثارة الذي يحركه الطامحون إلى الوصول إلى مواقعهم المذهبية والطائفية، في عملية استغلال لبعض المواقع الشعبية التي تتحرك من دون أن تعرف ضد من ولمصلحة من، الأمر الذي جعل المعنيين بالأمور يتبرأون من كل هؤلاء تماما كما هي الأشباح التي تثير الحرب. وإننا نقول لكل الذين انطلقوا من خلال العصبيات الجاهلة، ولمن وراءها: إن هذه الفوضى التي أثارت الرعب في المواطنين جميعا، وأخافتهم من أن تكون بداية حرب أهلية، لم تخدم أحدا إلا أعداء الوطن كله، ولاسيما إسرائيل، وإن أمورا كهذه لن تساهم في إعلاء زعامة فريق أو حزب أو تيار".
وناشد اللبنانيين "ألا يكونوا الحطب الذي يحترق به الشعب في خطط الآخرين، لأننا نخشى أن تكون اللغة الخطابية المذهبية والطائفية والحزبية هي المحرقة للوطن كله. وعلى الجميع، ولاسيما من المستضعفين الذين يتجمعون على أبواب السفارات للهجرة أن يصرخوا بصوت واحد: إننا نريد لبنان ساحة للمواطنة لا للطائفية ولا لطموحات الزعامات الحاقدة.