الوكالة الوطنية للإعلام - 19/2/2008
أبدى العلامة المرجع، السيد محمد حسين فضل الله، في رسالة بعث بها إلى الحكومة الدانماركية ـ عبر سفارة الدانمارك في لبنان "خشيته من أن تكون بعض الجهات اليهودية المرتبطة بالصهيونية العالمية، هي التي تقف وراء مسألة الرسوم المسيئة التي أعيد نشرها في عدد من الصحف الدانماركية".
وقال العلامة فضل الله في رسالته: "لقد كنا نظن أن صفحة الرسوم المسيئة قد طويت إلى غير رجعة، وأن ما اعترى العلاقة بين الدانمارك والحكومة الدانماركية، وشعوب العالم الإسلامي والجاليات الإسلامية في أوروبا وأميركا وأوستراليا، من تداعيات تسببت بها هذه الأزمة، أصبح وراء ظهورنا، وبالتالي فإن استئناف العلاقات بالطريقة الطبيعية هو مطلب الطرفين، لا بل هي القضية التي يسعى الجميع نحوها لردم الهوة ومنع المصطادين في الماء العكر من العودة بالأمور إلى الوراء.
ولكننا فوجئنا بأن ثمة 17 صحيفة دانماركية قد أعادت نشر الرسوم المسيئة إلى النبي محمد، وأعادت معها إلهاب مشاعر المسلمين بالغضب، وكل ذلك تحت حجج واهية، من بينها أن الشرطة الدانماركية كشفت مخططا لاغتيال الرسام الذي رسم هذه الصور، والتي نشرت في أيلول من العام 2005م.
إننا نتساءل، كما يتساءل الكثيرون، عن السبب الذي يدفع بهؤلاء إلى العمل على تعقيد العلاقات بين العالم الإسلامي والدول الاسكندنافية والدانمارك على وجه الخصوص، ولاسيما أن الجميع يعرفون أنه ليست هناك مشاكل أو ملفات سابقة بين الدانمارك والمسلمين يمكن أن تنتج مشكلة بهذا الحجم، وليس هناك من قضايا حارة أو أمور تاريخية من شأنها أن تضع الدانمارك في الموقع المعادي للإسلام والمسلمين، وخصوصا أن فيها جالية إسلامية كبيرة تحترم قوانينها وتحظى برعاية الدولة وحمايتها.
أمام هذا الواقع الجديد الذي أعيد فيه نشر الرسوم بطريقة انفعالية استفزازية، نخشى أن تكون بعض الجهات التي سبق لها ودخلت على الخط في أكثر من قضية من هذا النوع، قد عملت فعلا على تحفيز بعض الموتورين لإعادة هذه القضية إلى الواجهة، ولإيجاد شرخ واقعي بين المسلمين والعالم العربي، وفي الدول الاسكندنافية تحديدا، لأننا نعتقد أن ثمة جهات يهودية تحركها أجهزة مرتبطة بالصهيونية العالمية، تعمل دائما على تعقيد العلاقات بين المسلمين والمسيحيين، وبين العالم الإسلامي والدول الغربية، لأنها تخشى من أن يمثل الحوار الإسلامي ـ المسيحي، والتنسيق العملي والميداني بين المسلمين والمسيحيين في البلدان الغربية، تحديدا، وسيلة عملية تحبط ما تحدَّث به البعض عن صدام الحضارات، وتؤكد أن التعايش والانفتاح بين المسلمين وأهل الكتاب، وخصوصا المسيحيين منهم، هي مسألة أكدها القرآن وأكدها تاريخ العلاقة بين المسلمين وغيرهم بشكل حاسم.
إننا نربأ بالحكومة الدانماركية أن يعتريها الصمت أمام عودة هذه القضية إلى الواجهة، أو أن تحاول تبرير هذه الإساءة مجددا تحت عناوين حرية الرأي والتعبير، وأن القوانين الدانماركية لا تمنع من الإساءة إلى مقدسات ما يفوق على مليار مسلم، حتى لو تفاقمت الأمور وأدت إلى إحداث مشكلة كبيرة بين الدانمارك وكل دول العالم الإسلامي، ولا يمكننا أن نتصور أن قانونا يسمح بتدمير علاقات الدولة بجزء كبير من العالم، لأن من المفترض بهذا القانون أن يحمي الدولة وشعبها ومصالحها العليا، في الوقت الذي نلاحظ أن الدول الغربية تمنع أي شكلٍ من أشكال معاداة السامية. فهل إن معاداة الإسلام مبررة في هذا المجال، ما قد يفسح في المجال لتساؤل آخر: هل إن حرية التعبير مقصورة على ما يتعلق بالهجوم على مقدسات المسلمين، بحيث لا يجرؤ أي صحافي غربي على مهاجمة اليهود أو البحث العلمي في قضية "الهولوكوست"؟.
إننا نتساءل: هل إن الخطة تقتضي أن يبتعد المسلمون في حركتهم اليومية عن الاندماج في المجتمعات الغربية، في الوقت الذي يزعم البعض ذلك، مع أنهم (المسلمون) أثبتوا للقاصي والداني أنهم "تعايشيون"، وأنهم يحترمون أصول الضيافة والدول التي تستضيفهم، ويرفضون الإساءة إلى قوانينها، وأن من يفعل عكس ذلك يصبح منبوذا منهم قبل أن تنبذه السلطات؟.
إننا ندعو الحكومة الدانماركية إلى اتخاذ كل الإجراءات المناسبة التي من شأنها منع العودة إلى هذه الأساليب غير الحضارية، وإلى وأد الفتنة في مهدها، لأننا نخشى من دخول الكثير من الموتورين على الخط، كما نخشى، في ظل هذه الأوضاع الانفعالية، من أن تتحرك المسألة في خط المقاطعة للبضائع الدانماركية مجددا، بما يطل بالأزمة على تعقيدات أكبر في المستقبل، وربما يؤدي إلى تعقيد خطير في العلاقات بين المسلمين وبين الشعب الدانماركي، وهو ما يفترض بالجميع أن يتنبهوا له، لقطع الطريق على كثير من الخطوات والتعقيدات".