وتابع : ان الامر عينه ينطبق على المقاومة. انا لم اكن اعرف احدا من قادتها. واول قرار اتخذته قائدا للجيش في ما خص المقاومة، كان عند سؤال قائد لواء لي: هناك مسلحون كانوا يدخلون الى البقعة حيث توجد قوات الامم المتحدة، وكنا نقبض عليهم ونودعهم السجن، اما اليوم فقد عدنا الى الجنوب بعد نحو عشرين عاما، فماذا نعمل؟ سألته: من هم هؤلاء؟ قال: إنهم مسلحون يرغبون الدخول الى البقعة حيث قوات الامم المتحدة، كي يستعيدوا ارضهم. فأجبته: اليسوا لبنانيين؟ اجاب بالايجاب، فقلت: هل من المعقول ان جيشنا وقد غدا وطنيا يمنع مواطنا لبنانيا من العمل على استرجاع ارضه؟ نحن معه، وستصدر مذكرة بهذا الخصوص. آنذاك، استدعاني بعض المسؤولين وقالوا لي: هل تدرك ابعاد مثل هكذا قرار، فهل تريد توريطنا مع اسرائيل؟ فكان ردي: انا لا اعرف هؤلاء المواطنين، وتاليا انا لا اقوم بذلك بهدف منفعة شخصية او من اجل علاقات معينة، ولكن وفق المنطق والحق، كيف يمكن جيشا وطنيا ان يمنع مقاومة وطنية من العمل لاستعادة الاراضي اللبنانية المحتلة؟. وقد اصروا على انني سأقوم بتوريطهم، مدعين ان بعض الاصدقاء تكلموا معهم في هذا الخصوص. وقد تبين في ما بعد مدى تآمرهم. واصررت على موقفي هذا، حتى عندما اعادوا الكرة في العام 1993، حيث اصدروا قرارا خطيا من المجلس الاعلى للدفاع الوطني اللبناني موقعا من رئيس الجمهورية ورئيس مجلس الوزراء ووزيري الدفاع والخارجية، يقضي بالذهاب الى الجنوب وسحب كل الاسلحة من هناك، فأجبتهم: فتشوا عن غيري، واعتصمت في منزلي في بعبدات، فهل يومها كنت اقوم بذلك لانني كنت طرفا؟ بالطبع لا، كان ذلك اقتناعي بان هذا هو الطريق الوحيد كي نتمكن من تحقيق قوة لبنان ومنعته، ولكي يرفع كل لبناني رأسه بكرامة، ليس فقط تجاه الداخل بل بالاخص تجاه الخارج، ايا كان هذا الخارج، سواء كان مؤلفا من دول كبرى او العالم كله. ذلك ان هذه الدول لا تحترم في قرارة نفسها من هو ذليل بل تحترم من لديه كرامه يحافظ عليها.
واضاف: لهذا السبب، اود ان اؤكد لكم ان ما نقوم به اليوم ليس لمصلحة فئة من اللبنانيين. فأنا ما ميزت يوما، طيلة حياتي، بين لبناني وآخر او بين طائفة واخرى. هكذا تربيت منذ ايام الوالد، وعلى هذه الاسس قمنا بتربية ابنائنا. من المعيب ان يكرر البعض ما يكررونه في الصحف ان رئيس الجمهورية فئوي، وهو تاليا غير قادر على الحكم. انا اطالب بقوة لبنان، وعلى هذا الاساس ادعم المقاومة لانها تعطي هذه القوة للبنان، وارفض التوطين. وكي امنع التوطين يجب علي ان املك القوة. وهذا ما يزعجهم فتصدر الاوامر للجميع بمقاطعتي. وانا اقول لكم بصوت عال: ان اكبر وسام على صدري هو ان كل هذه الدول تقيم لي حسابا وتقاطعني. والتاريخ لن يرحم، وهو سيذكر ماذا حصل في العام الماضي، كيف ان فئة في الحكم كانت تريد ان تعطي اسرائيل ما لم تستطع هذه الاخيرة اخذه عند التحرير، او حيث كانت تسمح لها الظروف بذلك. ولقد اعتقدوا انه خلال يومين او ثلاثة ينتهي كل شيء، فلنساوم، ما دامت الضربة قوية للغاية ونحن غير قادرين على التحمل. لقد قلت لهم منذ اليوم الاول للعدوان: ان اسرائيل تستطيع ان تهدم، قدر ما تشاء، لكنها لن تقوى على المقاومة، التي ستتغلب عليها وتنتصر. وهذا ليس مجرد كلام اطلقته، بل استندت فيه الى علم عسكري، ذلك ان ما من احد يستطيع التغلب على مقاومة وهو لا يعرف اماكن تواجدها، اضافة الى ان ابناءها مستعدون للتضحية بحياتهم في سبيل ارضهم. وقد تحقق ما قلناه، فهل يتهمونني بعد بانني طرف؟ أنا لكل لبنان.
وقال: سوف نمر بظروف دقيقة خلال الشهرين المقبلين. وعندما سألني بعض السفراء الجدد عن رأيي في تطور الاحداث، أجبتهم انني اصرح علنا على شاشات التلفزة منذ نحو عام، وما من شيء خفي لدي: لا يمكن لبنان ان يحكم الا بالتوافق بين كل اللبنانيين. اما اذا كانت لدى البعض نيات اخرى كاثارة الفوضى الخلاقة او خراب لبنان، فيسير عندها بما يقال عن إجراء انتخاب رئيس بالنصف زائدا واحدا. ان انتخابا لرئيس جمهورية بهذه الصيغة سيؤدي الى مشكلة كبرى في لبنان. وقد اجابني بعض السفراء، عوض ان يتطلعوا الى خطورة امر كهذا، ان البعض سوف يتهمني بانني انادي بحرب اهلية. فقلت : انني احذر منذ قرابة السنة من وقوع مشاكل. ولنتذكر انه حتى عندما وصلت اسرائيل الى بيروت، وباتت قادرة على القيام بما تريده، اضطرت في سبيل تأمين نصاب الثلثين لانتخاب رئيس للجمهورية ان تعمد الى تفجير منازل بعض النواب، والاتيان بهم بالقوة. وانا اقول كيف بالاحرى اذا كان الامن مستتبا، فهل ستؤيدون انتخابا بالنصف زائدا واحدا؟ ان هذا الامر تفليسة أي أنه لانكم فلستم فستأتون بأحدهم لينفذ لكم ما تريدونه، وانتم تعرفون مسبقا الى ماذا يمكن ان يؤدي ذلك، وقد سميتموه فوضى خلاقة تخربون بها لبنان.
وقال: واذا لم يحصل ذلك، فالبعض يروج لمقولة المتابعة بالحكومة الحالية. طبعا ان الطائف ينص على انه في حال شغور منصب الرئاسة، تتولى صلاحيات رئاسة الجمهورية الحكومة مجتمعة. ولكن الحكومة الحالية غير شرعية وغير ميثاقية وغير دستورية، فكيف تتسلم هذه الصلاحيات؟ هذا الامر سيؤدي الى مشاكل كبرى.
وكرر ان الحل يكون بالتوافق ووفق نصاب الثلثين، لانتخاب رئيس للجمهورية يكون مقبولا من اللبنانيين كافة. هذا هو الحل، واذا لم يتم التوصل اليه، فيجب ان تكون هناك سلطة جاهزة لتسلم صلاحيات الرئيس. ويسألني بعض السفراء: هل هذا يعني وجود حكومتين فأجيبه: ابدا بل حكومة مقبولة من الجهتين. وقد اعطيت هؤلاء السفراء افكارا حول الامر، وانا لا ارغب بذكرها كي لا اتهم بتسويق امور يمينا ويسارا. لماذا اقول ذلك؟ لان لبنان انتصر مرتين على اسرائيل، والشعوب العربية كلها معنا، حتى لو قال بعض الديبلوماسيين عكس ذلك. اننا نحترم الدول الكبرى، ولكن لا يمكن أي دولة ان تحل محل اللبنانيين. واذا كانت بعض الانظمة العربية لا تريد المقاومة، فذلك لانها تخجل من نفسها تجاه وطن صغير استطاعت فيه المقاومة ان تتغلب على اسرائيل. ان اسرائيل تخشى تعميم النموذج اللبناني في الدول العربية وهي انطلاقا من ذلك لا تطالب الا بامر واحد هو رأس المقاومة. فهل يأتي بعد ذلك من يتهم رئيس الجمهورية بانه طرف لانه داعم للمقاومة الوطنية؟ ان هذا الاتهام خيانة!.
وختم: اود ان تظلوا دوما متفائلين، بالرغم من ان بعض المسؤولين يسيرون، لتحقيق مصالحهم الشخصية، بعكس مصلحة الوطن. انا متأكد انهم متأكدون في قرارة أنفسهم ان قوتنا لا تكون الا بقوتنا. ولكن عندما يكون لدى البعض مصلحة في ارضاء هذه الدولة الاجنبية او تلك الدولة الكبرى، كي يكون نائبا او وزيرا او رئيسا للجمهورية ربما، فانه يعطي مصلحته الشخصية الاولوية على مصلحة الوطن. لكني اقول للجميع ان لبنان والتاريخ والمستقبل لا يمكنهم ان ينسوا المقاومة الوطنية اللبنانية التي تفتخر بها الشعوب العربية كافة، ونحن سنبقى داعمين لها الى ان نتوصل الى حل عادل وشامل في المنطقة. فنحن نريد تأمين حقوقنا في مياهنا، ونريد استرجاع مزارع شبعا، ونمنع التوطين في لبنان.