علّق آية الله فضل الله على ما تناولته مراكز دراسات أمريكية مستقلة حول حجم الكذب الذي استخدمته الإدارة الأمريكية، وخصوصاً قبل الحرب على العراق، بالقول: "إن الأزمة الكبيرة التي تعصف بالعالم كله، والتي تسببت بكوارث كبرى على مستوى الأمن والاقتصاد والسياسة في السنوات الأخيرة من عمر العالم، تعود في معظمها إلى الدمار الذي انطلق بفعل سياسة الإدارة الأمريكية والتي استطاعت أن تحدث تحوّلاً في العالم يتمثل في إدراج الكذب على قائمة القيم والسلوكيات التي تحركت فيها وساقتها كأولوية في حركتها داخل الأمم المتحدة، وعلى المستوى الدولي في شكل عام، وانطلقت بها في مشروعها التدميري في المنطقة العربية والإسلامية في شكل خاص.
ولا شكّ في أنه من حقّ الشعوب أن تستغرب حيال هذا الخضوع لدى ما يسمى "الرأي العام العالمي"، في مواقفه السياسية، لهذه الإدارة التي تبحث عن أسخف الأمور وأحطّها كي تخطط من خلالها لإثارة حرب هنا وفتنة هناك، في عمليات التخويف الأمني والسياسي من هذه الدولة أو تلك المعارضة، بالطريقة التي يشعر فيها الناس بأنهم فريسة الأوضاع الأمنية والسياسية والاقتصادية التي صنعتها هذه الإدارة الأمريكية في صياغتها للكذب كأسلوب سياسي معتمد يطغى على كل الأساليب الأخرى.
إننا عندما نقرأ دراسة أمريكية صادرة عن مراكز دراسات أمريكية لا تتوخى الربح، بل تحترم استقلاليتها المهنية، تجزم بأن الرئيس بوش وحده أدلى بـ259 تصريحاً كاذباً حول العراق وأسلحة الدمار الشامل و"القاعدة" وما إلى ذلك... نتساءل عن حجم الحرية الذي يوفّره النظام الأمريكي لأكبر مسؤول في الدولة كي يمارس هذا النوع من الوحشية وهذه السلطة التعسفية التي يجتاح من خلالها دولاً ويدمر شعوباً واقتصادات، ويجعل العالم بأكمله عرضةً للعنف الدامي والإرهاب المتنقل؟!.
ثم نسأل كل من له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد: هل توجد هناك أنظمة في العالم تستطيع توفير هذا المناخ لرئيس يعمل على تدمير العالم باسم قيادة هذا العالم، وهل أن الأنظمة الدينية أو التي يطلقون عليها اسم الشمولية أو حتى أكثر الأنظمة تخلفاً في العالم تستطيع توفير ذلك لمسؤوليها أو تمرير الكذب على أمم الأرض بكاملها إلى هذا المستوى.
ونتساءل بعد ذلك عن دور الإعلام الأمريكي نفسه في ذلك، وصولاً إلى النتائج الكارثية التي ترتّبت على هذه الأكاذيب على مستوى العالم كله، وخصوصاً أن بعض الصحافيين الأمريكيين أو منظمات إخبارية بكاملها اعترفت بأن تغطيتها في الأشهر التي سبقت الحرب على العراق كانت جد تبعية وغير موضوعية؟!
إننا أمام ذلك كله نثير السؤال: هل هذه هي الديمقراطية التي كان الرئيس بوش يبشّر العالم العربي والإسلامي بأنه سينشر رسالتها في ربوعه، ثم إذا كان يقدم نفسه كرسول ومبشّر يحمل هذه الرسالة، أليس من المفترض أن ينظر إليه هذا العالم ـ بما فيه المسؤولين والجماعات ـ كرسول للكذب وكمبشّر بالدمار والإرهاب ليُصار إلى العمل لاستدعائه للمحاكمة بصفته الكذّاب الأول في العالم، والذي تسبّب بهلاك عشرات بل مئات الألوف من الناس، بدلاً من أن يلاحق بالأوسمة وتقدّم له السيوف في أي بلد عربي حلّ به؟
إننا نحذّر الناس في منطقتنا والعالم، كما نثير التحذير أمام دول الاتحاد الأوروبي تحديداً، والتي جعلتها إدارة بوش ملحقاً من ملحقات سياستها الخارجية... إننا نحذّرهم من الكذبة الكبرى التالية للرئيس الأمريكي ونائبه والتي يسارع الكثيرون لتلقّفها هنا وهناك، وندعوهم للتصدي لأية محاولة أمريكية جديدة بهذا الشأن، لأنها ستنعكس عليهم وعلى السلم العالمي، أكثر مما ستنعكس على الإدارة الأمريكية الحالية التي قد يفكر بعض من أدمن الكذب فيها برمي كرة نار جديدة في المنطقة ودحرجتها أمام الإدارة الأمريكية القادمة والرئيس القادم. إننا في الوقت الذي نستشعر الخطورة على مستقبل المنطقة من خلال سياسة الخداع والكذب الأمريكية، نشعر بالخطورة من جانب آخر، حيث أن قضية الكذب السياسي التي باتت ملح السياسة الأمريكية، لم تعد مجرد حال طارئة، لأنها دخلت في المسام السياسية لهذه الدولة أو تلك الدولة، التي تسير في ركب السياسة الأمريكية من خلال خطة شاملة عملت الأجهزة الأمريكية على صوغها لجعل الأمور تسلك في المسالك التي يتطلبها المشروع الأمريكي... ولذلك فإننا نريد لشعوبنا أن تتحلى بالوعي السياسي وألا تنساق في مشاعرها وأحاسيسها في خضم الأكاذيب التي يُراد من خلالها إثارة الفتنة في العنوان المذهبي وغيره، كما نريد لها أن ترصد بدقة الأهداف الأمريكية الكامنة وراء إيهام الدول العربية، وخصوصاً الخليجية منها، بأن إيران تمثل العدو الذي يجب أن يحذروه وأن إسرائيل هي الصديق الذي ينبغي لهم أن ينفتحوا عليه ويطبّعوا العلاقات معه".