25/1/2008
ألقى آية الله السيد محمد حسين فضل الله، خطبتي صلاة الجمعة، من على منبر مسجد الإمامين الحسنين (ع) في حارة حريك، في حضور عدد من الشخصيات السياسية والاجتماعية والدينية، وحشد كبير من المؤمنين، ومما جاء في خطبته السياسية:
"هل هناك عالم عربي يحترم نفسه ويتحمل مسؤوليته عن الشعب الفلسطيني الذي مضى على احتلاله من قبل اليهود بمعاونة دول الغرب 60 عاما، وما زال يفرض عليه الحصار الغذائي والتمويني والطبي كما حدث لدى قطع الإمدادات الطبية عن مستشفيات غزة، إضافة إلى القصف الهمجي الذي يستهدف كل حي فيها من دون تمييز بين الرجال والنسوة والأطفال بين البيوت والمقرات الرسمية وأكواخ البؤساء والعاطلين عن العمل المعاقبين من سلطتهم ومن السلطات الشقيقة والصديقة، المحرومين وأطفالهم من الدفء في هذا الشتاء القارس والممنوعين من مغادرة القطاع حتى للاستشفاء أو الدراسة أو البحث عن الرزق".
اضاف: "إن العالم يفرض على غزة الموت بصمت فلا يسمح لها بالصراخ ولا بالاحتجاج لئلا تقلق الغرب الذي لا يرى أن للانسان العربي حقوقا بل هي لليهود وحدهم ولا تزعج المسؤولين العرب الذي يستقبلون بين وقت وآخر مسؤولا يهوديا من دون أن يحاسبوه على إبادة الشعب الفلسطيني بل يقدمون له المواقف التي تستعطفه بالقبول بالسلام بشروطه المهينة المذلة. لقد ذهب العرب في لهاث حماسي إلى أميركا لحضور مؤتمر أنابوليس لأن الإدارة الأميركية فرضت عليهم ذلك من دون أن يحصلوا على شيء قد يساهم في حل المشكلة الفلسطينية على مستوى الحلول النهائية، بل إنها اشترطت عليهم الدخول في حرب داخلية لإنهاء الانتفاضة وقتال المجاهدين وتصفية السلاح الفلسطيني. وقد أعلنت الإدارة الأميركية أنها تتفهم حرب الإبادة وحركة الحصار والتخطيط لموت الفلسطينيين أطفالا ونساء وشيوخا، بحجة أن إسرائيل في حال دفاع عن النفس".
وتابع: "إن أميركا ومعها مسؤولو العدو تزعم أن المشكلة هي في الصواريخ الفلسطينية التي تطلق على المستوطنات الإسرائيلية، الأمر الذي يجعل هذا العقاب الجماعي للشعب الفلسطيني رد فعل لما يسمونه عدوان الانتفاضة، ولكن الإسرائيليين لم يلتزموا بالامتناع عن الاغتيالات والاجتياحات والاعتقالات والتدمير للمدنيين مما يقومون به في الضفة وغزة، لأن المطلوب أن لا يدافع الفلسطينيون عن أنفسهم، وهذا ما تمثل في زيارة الرئيس الأميركي الذي لم يطلب من اليهود الإنسحاب من الأرض المحتلة لأنه لا يعترف بالاحتلال لهذه الأرض بل يعتبرها أرضا متنازعا عليها، ولأنه يترك الحرية لليهود في تحصين كيانهم ضد الوجود العربي ويخدع العرب بالحديث عن الدولة الفلسطينية التي يعرف أنها ليست قابلة للحياة بالشروط الإسرائيلية التي مزقت الأرض الفلسطينية كل تمزيق، ويبقى السؤال: هل هناك عالم عربي يتحمل مسؤوليته عن الأوضاع العربية المقهورة، أو أن هؤلاء الناس الذين يحكمون شعوبهم لا يزالون يلهثون وراء الراعي الأميركي الذي يتجول في بلدانهم ليعقد الصفقات العسكرية التي لا تحقق للعرب أية قوة بل تدعم الاقتصاد الأميركي ومصانع السلاح؟ وإلى جانب ذلك، تستمر حركة التطبيع العربية مع إسرائيل بينما يستمر السعي لتكون إيران هي العدو لأنها في موقع العداوة لأميركا وإسرائيل".
وتابع: "وإلى جانب السعي لفرض عقوبات عليها، لا يزال الرئيس الأميركي يتابع اتهامه للجمهورية الإسلامية في إيران بتخطيطها لصنع القنبلة النووية التي يزعم أنها تهدد استقرار العالم مما يضحك الثكلى، في الوقت الذي تملك أميركا آلاف الأسلحة النووية فيما تملك إسرائيل أكثر من 200 رأس نووي. وذلك إضافة، إلى دول الغرب التي تتحرك بالسلاح النووي بأعداد كبيرة. ومن الطريف أن الرئيس الأميركي في جولته العربية كان يحذر الدول الخليجية من الخطر الإيراني ولم ينطلق أحد من المسؤولين هناك لتذكيره بتقرير أجهزة الاستخبارات الأميركية الذي تؤكد فيه امتناع إيران عن صنع السلاح النووي منذ أكثر من خمس سنوات وتقرير وكالة الطاقة النووية الذي أفاد أن إيران قد أوضحت في أجوبتها عن الأسئلة الموجهة إلى ما من شأنه أن يبعد الاتهام الدولي الأوروبي الخاضع لأميركا، التي تطلب من الأوروبيين المشاركة في العقوبات الاقتصادية التي يراد فرضها على إيران للضغط عليها لإيقاف التخصيب".
ورأى "إن أميركا ومعها إسرائيل تريد إقحام العرب في حرب لا مصلحة لهم فيها، ودفعهم نحو مشاكل كبرى قد تصل إلى تدمير المنطقة، بينما يمثل السلام المعرض عليهم من إيران القوة والتقدم والرخاء والانفتاح الاقتصادي الذي يحقق الخير للجميع".
وتطرق آية الله فضل الله إلى الوضع في لبنان وقال: "اما لبنان، فقد أصيبت المبادرة العربية بالشلل السياسي الذي عطل أكثر من حل وخصوصا أن بعض العرب الذين وقعوا على المبادرة التزموا خط السياسة الأميركية التي لا تزال تعلب بالمصير اللبناني تحت تأثير عناوين معينة تجتذب فيها مشاعر اللبنانيين في شكل يثير الشك في سذاجة نظرتهم للأمور، ويعطل الحوار الموضوعي الهادف الذي إذا أخلص النادي السياسي للوطن أمكن أن يصل إلى نتيجة إيجابية، ولعل ما يلفت النظر أن التصريحات المتنقلة من موقع إلى موقع لا تراعي الدقة في المفردات التي تنطلق من هذا الفريق أو ذاك. هذا إضافة إلى أسلوب السباب السياسي، والسعي لخلق ظروف معقدة تساهم في تحريك المسألة المذهبية والطائفية، ما قد يجعل المسألة منفتحة على المتاهات السحيقة الضائعة التي تجعل الوطن كله في قبضة الأزمة المعقدة في المنطقة لحساب الإدارة الأميركية".
اضاف: "ويبقى البلد في قبضة الجوع والحرمان، وفي أجواء الظلام الذي يواجه شعبه ويجتاح أوضاعه في خدماته الحيوية، ويخدر حركته الوطنية ويصادر وعيه السياسي ليظل يلاحق هذا الرمز الطائفي أو المذهبي أو السياسي من دون أن يفكر جيدا بالمضمون الصادر عنه، ما قد يضاعف من الأزمة ويزيدها تعقيدا".
واشار الى "ان المشكلة في هذا البلد، تتمثل أيضا في هذا الخضوع للمقدسات الطائفية للذين لا قداسة لهم وتقديمهم كأشخاص يملكون العصمة في الفكر، ومن الخطورة أن بعض المواقع الدينية وأتباعها يعملون على أساس تقديس الرموز المذهبية في عملية ترويج للطائفة والمذهب بعيدا عن أي قاعدة وطنية تعالج مشاكل الناس في وطنهم الصغير".
وتابع سماحته: "إننا نهيب بالشعب اللبناني الذي يحترم عقله ومستقبله أن يتابع كل ما يصدر من الشخصيات السياسية والدينية وأن يدرس المضمون السياسي الذي يحاول أن تطرحه في الساحة تحت تأثير خلفيات إقليمية أو دولية وطموحات شخصية وحزبية حتى لا يسقط في تعقيدات التاريخ الذي صنعه بعض هؤلاء في الماضي بالطريقة التي جعلت البلد يعيش في تاريخه المزيد من المآزق والكثير من المجازر إضافة إلى استهلاك المال العام، وإفقاره بالديون، وتركه فريسة للمشاكل الكبرى".
وختم آية الله فضل الله: "إننا أمام هذه الاستباحة المتواصلة للأمن اللبناني، من خلال هذه التفجيرات الوحشية التي تطاول شخصية هنا وشخصية هناك، وتحصد المزيد من الضحايا المدنيين في طريقها، نريد للبنانيين أن يعملوا على جميع المستويات لحماية أمنهم من عبث المجرمين، ومن كل الساعين لإدخال البلد في أتون الاهتزاز الأمني والسياسي الممتد عبر المنطقة كلها، ولن يكون ذلك إلا بالعمل الدائب للوصول إلى التوافق السياسي الذي يحمي السلم الأهلي، ويقطع الطريق على كل المتربصين شرا بلبنان".