جريدة السفير اللبنانية - 24/1/2008
في مقابلةٍ مع العماد ميشال سليمان كتبت جريدة السفير أنه إذا كان قائد الجيش العماد ميشال سليمان هو بالنسبة الى الكثيرين رئيسا للجمهورية مع وقف التنفيذ، إلا أن «الجنرال» ما يزال يضع رأسه بين كتفيه ويحرص على عدم «تقمص» شخصية الرئيس برغم محاولات استدراجه الى هذا الموقع، مانحا الاولوية في كل ما يفعله للمؤسسة العسكرية التي جعلت منها الاحداث خط الدفاع الاخير عن البلد.
وليس صعبا الاستنتاج بعد جلسة مطولة مع سليمان بأنه يشعر بأن هناك مسؤولية كبرى ملقاة على عاتقه في هذه المرحلة، بعدما تحول الجيش الى المرجعية الجامعة الوحيدة تقريبا، في ظل حالة انعدام الوزن التي تمر فيها المؤسسات الاخرى، بفعل الفراغ على مستوى رئاسة الجمهورية والانقسام حول حكومة مطعون بشرعيتها من قبل البعض، وحالة الشلل التي يعاني منها مجلس النواب.
استنادا الى هذه المعطيات، يسعى سليمان الى تفادي الدوس على «قشور الموز» التي يصادفها على دروبه هذه الايام، تجنبا لما يفترض انها «انزلاقات جانبية» من شأنها ان تلهيه عن المهام الرئيسية التي ما زال ملتزما بها كقائد للجيش، وفي طليعتها حفظ الاستقرار بما هو «تكليف وطني»حسب تعبيره.
يبدو سليمان في بعض اللحظات وكأنه يحبس الكثير من الماء في فمه، فلا يخرج عن الحدود التي رسمها لنفسه مهما «تشاطرت» عليه، برغم انك تلمس أن لديه الكثير ليقوله. وهكذا، تراه ممسكا بالعصا من الوسط للحفاظ على توازنه وهو الذي يسير فوق خيط رفيع ووحيد يربط الموالاة بالمعارضة ويتمثل في الاجماع على نزاهة الجيش ومرجعيته الامنية.
لا برودة مع المعارضة
وعندما يُسأل سليمان عن سبب البرودة المستجدة بينه وبين بعض أقطاب المعارضة، ترتسم على وجهه «ابتسامة فورية» يُستنتج منها ان «الجنرال» يرغب في أن يقلل من شأن ما يثار هذه الايام عن فتور يشوب علاقته بالمعارضة، ثم يقول: البرودة ليست عندي، ولا أشعر بها.. علاقتي جيدة مع الجميع وأنا على تواصل معهم باستمرار.
نشعر بأن إجابة «الجنرال» لم ترو غليلنا، فنحاول ان نأخذ المزيد منه عبر التسلل من زاوية أخرى، ونسأله: هل أزعجتك الانتقادات التي وُجهت اليك بشكل مباشر من قبل أركان المعارضة؟ يرد سليمان متجنبا الانزلاق الى اي سجال: ان الحملة ليست منظمة من المعارضة او الموالاة، بل تبقى في إطار الاجتهادات الشخصية، وعلى كل حال «ضرب الحبيب زبيب».
ويتابع مسكونا بهاجس حماية المؤسسة العسكرية: ما دام هناك إجماع على الجيش، فما من مسألة تتعلق بي يمكن ان تقلقني، ولا يهمني إذا حصل إجماع علي أم لا.. المهم استمرار الاجماع على الجيش.. السياسة لا تعنيني الآن، وإنما الاساس هو حفظ الجيش بثباته على عقيدته وحسن أدائه وطريقة إدارته للامور وتمسكه بالثوابت والقيم الانسانية.
وما رده على التعليقات التي أوحى أصحابها بأن جولته الاخيرة على بعض الشخصيات في الموالاة والمعارضة، لم تكن في محلها؟
سرعان ما يطفو العنفوان العسكري على سطح نبرة قائد الجيش، مبديا افتخاره بأنه على مسافة واحدة من الجميع ويتصرف على هذا الاساس، وموضحا انه كان لتلك الزيارات هدفان: الاول، التشديد على ان الامن خط أحمر والثاني إبلاغ الذين التقيتهم ان الجيش لا يستطيع ان يحتمل انتخاب رئيس للجمهورية بالنصف زائدا واحدا وقد حصلت على ضمانات بعدم حصول ذلك.
وأضاف فيما كان يوزع نظراته على أرجاء مكتبه: هذا المكتب استقبل ويستقبل كل الناس في الموالاة والمعارضة، حين أصبح التواصل منقطعا بين الجميع في زمن الانقسامات الحادة، وهذا مفخرة للجيش واعتراف بدور هذه المؤسسة الرائدة والحاضنة للوحدة والوطنية.
التقيت السيد نصرالله أكثر من مرة
وهل التقيت الامين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله بعدما أصبحت مرشحا لرئاسة الجمهورية؟
يجيب بثقة: نعم التقيته.. لقد حصل ذلك أكثر من مرة مؤخرا.
وحين يُسأل عما إذا كان خائفا من ان يؤدي التجاذب السياسي المستمر الى احتراق ترشيحه، ينتفض «الجنرال» مجيبا: لست خائفا من ان يحترق ترشيحي، لان الامر وبكل بساطة لا يهمني. أنا لم أترشح في الاساس ولا أعلم كيف تم الاتفاق على ترشيحي بين ليلة وضحاها.
ولا يلبث الجنرال ان يذهب بعيدا، فيقول: في حال اتفقوا على غيري، انا مستعد لأن اضرب بسيفه لان الهدف هو الوفاق والانقاذ، وأولويتي الجمهورية والبلد.
المصالحة همّي
ولدى سؤاله عن رأيه في ما يُطرح حول ضرورة ان يكون لرئيس الجمهورية الصوت الوازن او كتلة وزارية مرجحة، يفاجئك سليمان بأنه غير معني بالمعركة التي تدور نيابة عنه حول حصته في الحكومة المقبلة، قائلا: لا يعنيني ان تكون لي كتلة وزارية ولا يهمني ان أملك كفة الترجيح او التعطيل... الاهم بالنسبة إلي هو تحقيق التفاهم، وهذه هي نظرتي الى دور رئيس الجمهورية في مجلس الوزراء، وأول ما سأقوم به في حال انتخابي هو إنجاز المصالحة وتثبيتها، لان المشكلة تكمن في أزمة الثقة بين الأطراف.
وقيل له: هل تقبل بأن تكون ضمانة لحقوق المعارضة في حكومة الوحدة الوطنية؟
يجيب قائد الجيش متعجبا: تجربتي في قيادة الجيش كل هذه السنوات، ألا تكفي؟ تاريخي ضمانة للوحدة والوطن، علما ان أحدا لم يقدم على طلب ضمانات او شروط مسبقة مني.
وفي ما خص العلاقة مع سوريا، بدا ان سليمان يقاربها من دون عقد او تعقيد، مؤكدا انها ممتازة ومستمرة منذ سنوات، وموضحا انه على اتصال مع القيادات العسكرية السورية كلما اقتضى الامر والتنسيق.
وكيف ستتصرف مع سلاح المقاومة بعد وصولك الى قصر بعبدا؟
لا يجد قائد الجيش حرجا في الكلام بروح «الشراكة» عن نجاح المقاومة، وهو الذي يقود جيشا قدم الكثير من الشهداء في مواجهة اسرائيل، مستذكرا كيف ان العدو الاسرائيلي حاول تمزيق وحدة الجيش والتفاف المواطنين حوله من خلال استهداف مواقع محددة له، وذات دلالة، كما حصل في الغارة على موقعه في العبدة في عكار حيث كان أغلب الشهداء العسكريين من طوائف معينة بحكم تركيبة المنطقة، ولكن ألامر أعطى مفعولا عكسيا ويلفت الانتباه الى ان لا خلاف على سلاح المقاومة، بدءا من بيانات المرشحين للرئاسة وصولا الى ورقة التفاهم بين حزب الله والتيار الوطني الحر ونقاشات طاولة الحوار، «فهذا الموضوع يعالج بالحوار
في أروقة المصلحة الوطنية التي يهتم بها السيد حسن نصر الله»، معتبرا ان سر نجاح المقاومة يكمن في هذا التنوع اللبناني الذي احتضنها ووفر مظلة لها وفي موقف الجيش منها.
وينبه سليمان الى ان إسرائيل تسعى بوسائل مختلفة الى استهداف الجيش للنيل عبر ذلك من كل اللبنانيين وضمنهم المقاومة، واضعا في حسابه احتمال ان تكون منظمة «فتح الاسلام» واحدة من امتدادات أنشطة وإختراقات الموساد الاسرائيلي لأن ما قامت به في «نهر البارد» لا يخدم إلا إسرائيل.
وهل ما تزال هناك خلايا إرهابية نائمة؟
يقر قائد الجيش بأن ذلك وارد، لكنه لا يلبث ان يطمئن الى ان الجيش متيقظ «وكلما استفاقت إحداها سنضربها».
الفتنة خط أحمر
وحول الطريقة التي سيتصرف بها الجيش إذا قررت المعارضة القيام بتحرك واسع في الشارع، يؤكد سليمان ان الفتنة هي خط أحمر وبالتالي من غير المسموح القيام بتحرك يؤدي الى الفتنة، «وما عدا ذلك، لا مشكلة مع أي تحركات من نوع آخر تندرج ضمن حق التعبير».
وماذا عن خطري التوطين والتدويل؟
يجزم قائد الجيش بأن لا توطين لان ذلك مخالف لنص الدستور، وأما بالنسبة الى تدويل الازمة، «فأنا لا أعتقد إلا بدور الداخل، ووحده التماسك الداخلي يمنع التدخلات الخارجية».