هدى محمد رحمة
يا لهذه المسيرة التي مصداقها الدم!
يستشهد أمينها العام سماحة السيد عباس الموسوي، كما أراد وناجى ربه بشهادة قل نظيرها. وبعده، يستشهد إبن أمينها العام في مواجهةٍ مع الصهاينة بالجبل الرفيع في اقليم التفاح. وبعده، يستشهد إبن رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، ومعهم وبينهم القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية ونجله جهاد، والعقل المبدع للمقاومة الشهيد الحاج حسان اللقيس ونجله علي.. وشيخ المجاهدين الحر الشهيد الشيخ أحمد يحيى أبو ذر ونجله.. وقافلة تطول من الشهداء الآباء والشهداء الأبناء.
كيف لا ينتصر حزبٌ قادته شهداء، ومنهم الراغب والرضوان وذوالفقار، وأبناء قادته مجاهدون وشهداء. وقادة شهداء يستشهد أبناءهم بعدهم، وقادة شهداء يستشهد أبناءهم قبلهم. هذه المقاومة التي عنوانها البذل، بالنفس وبالأغلى من النفس، الولد، فلذة الكبد والروح. عند استشهاد هادي يذكر أباه سماحة السيد حسن نصر الله إسمه في آخر لائحة الشهداء بعد أن ذكر أسماء رفاقه قبله، ثم يرفع يديه ليقول راضيًا مسلّمًا متيقنًا داعيًا معتزًا مكررًا "أرضيت يا رب، خذ حتى ترضى". ويقول لاحقًا سيد الوعد والصدق "شهادة الشهيد هادي هي عنوان أننا في قيادة حزب الله لا نوفر أولادنا للمستقبل، نفخر بأولادنا عندما يذهبون إلى الخطوط الأمامية، ونرفع رؤوسنا بأولادنا عندما يسقطون شهداء."
وهكذا، باسمًا مستبشرًا يتلقى رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد خبر شهادة نجله، وعارفًا يقول بما قل ودل مما يفهمه عشاق الشهادة وهو منهم "قصد فَوَصل." مباشرةً بعد تلقي خبر استشهاد نجله يدلي الحاج أبو حسن بتصريحٍ مفعم بالإبتسامات وملامح الإستبشار، فرحته لا توصف وقد ضمن آخرة ابنه، وانضم هو وعائلته إلى الركب المقدس لعوائل الشهداء.
هذه العوائل التي بالأصل هو ينتمي إليها، هو معها ومنها وفيها، يتأثر بكل شهيد، وكل والد ووالدة وابن شهيد، هو الذي يسير وراء نعوش الشهداء في مختلف القرى والمناطق مناجيًا الله أن يرزقه الشهادة، ويشارك في حمل النعوش المباركة، هو المعتلي الدائم لمنابر مناسبات الشهداء، يطمئن أهلهم وعائلاتهم على آخرة أبنائهم، يعدد كرامات الشهداء وفضل المجاهد والشهيد، وفي عينيه دموع الحسرة أنه لم يستشهد بعد، وهو من الرعيل الأول والمؤسس للمقاومة. وهذا ما عبّر عنه أبو حسن غابطًا باسمًا في جلال الموقف بعد شهادة إبنه "كان أشطر مني وكان أسرع مني."
بكى الحاج محمد عند ضريح ولده، شوقًا لا جزعًا، أهل المقاومة هم أهل العاطفة، هم من أرّقت جفونهم مشاهد المجازر في غزة، هم من اعتصرت قلوبهم لأطفال غزة، هم من لغوا الأعراس في الصالات، وتبدلت ملامحهم وأيامهم، فحزن غزة حزنهم، وأطفالها أطفالهم. ونصرةً لغزة قدموا هذه الكوكبة من الشهداء، هم خيرة الشبان، هم زينتنا، وفخرنا، هم أسود الميادين، هم العز والسند، هم الرأفة والرحمة، الشهيد عباس -سراج- إبن الحاج محمد، كان كما كل الشهداء، الشديد في الميدان، ذو القلب الذي لا يرجف، والرأس الذي لا ينحني، واليد القابضة على الزناد. أما مع أهله وعائلته، هو الإبن البار الحنون، وهو الأب العطوف. وهو الذي في خلواته، في مناجاته، في مجالس الحسين عليه السلام، يذرف الدموع شوقًا للقائه، وصِدق دموعه ومناجاته أوصلته. وضمت أهله ضمن ركب عوائل الشهداء، وأوصلتهم شهادته إلى ما ربّوا وتعبوا لأجله، وطمحوا إليه. تقول الحاجة أم حسن والدة الشهيد عباس وفي يوم تشييع إبنها، هذه المرأة الفاضلة التي -كما أمهاتنا- تنتمي إلى المدرسة الزينبية التي منها ننهل ونرتوي، تقول "ربنا تقبل منا هذه القربان." وتحمد الله أنها أصبحت من عوائل الشهداء التي كانت تخجل عندما تزورهم، وتعيدنا هذه الجملة إلى نفس الجملة التي قالها أبا هادي سماحة السيد حسن نصر الله عند شهادة إبنه هادي. والتي لم تنس أم حسن أن تعاهده مخاطبةً إياه بالأمين على الدماء "نعاهدك أننا لن نبخل بالغالي والنفيس في هذه المسيرة وسنكمل الطريق حتى النصر الآتي." وقبل تشييع ولدها، تذكر غزة ونساء وأطفال غزة متيقنةً بالنصر.
أما الحاج أبو حسن، فقد سبق أن بارك لسيد المقاومة شهادة ولده عباس، فكل شهيد عند سماحة السيد هو إبنٌ له "مبارك لسيد المقاومة الذي علمنا كيف يكون أبناء الشهداء صابرين محتسبين أقوياء ثابتين على هذا النهج الجهادي المقاوم." وهكذا كان الحاج محمد، هذا التعلق الولائي العاطفي بسيد المقاومة تلقائيًا يجعل منه مدرسة ومنهجًا، وعوائل الشهداء يعيشون تحت عباءة هذا السيد الأمين على عزتهم وأرضهم وأرواحهم، لذا كثر من عوائل الشهداء يخاطبونه عند شهادة إبنهم بأن "ما تزعل يا سيد، ونحنا بعد مستعدين نقدم."
وهكذا الحاج محمد رعد، لم يكتف بموقعه عنوانًا لوفائه للمقاومة، ولا بعمله لحفظ حق المقاومة، حتى لو كان الحاج محمد رأسًا للحربة في الدفاع عن حق المقاومة وشعبها وناسها، ومجاهدًا في ميدانه السياسي، وقائدًا لكتيبة مقاومةٍ سياسية، لم يشعرأنه أدى قسطه للعلى، النائب عن الأمة، الحازم الضابط القاطع الشديد في الدفاع عنها، قدم إبنه للأمة، فداءًا لها ودفاعًا عنها. أراد أن ينفق مما يحب، وليس هناك أحب من الولد على قلب الأب، فنال الحاج محمد البر.
شهادة الشهيد عباس -سراج- أراحت نفس الحاج محمد، صار أكثر راحةً في دخول منازل الشهداء، وتشييعهم، واعتلاء منابرهم، فرح الحاج محمد بأن وضع وشاح آباء الشهداء المرصع بالضوء والعز، لأنه هو من ربى إبنه لهذا الطريق، كان الورد يتناثر عليه وعلى نعش ابنه الشهيد.
بعد استشهاد هادي، قال أباه الأمين على الدماء سماحة السيد حسن نصر الله "هذا المجاهد مع بقية إخوانه كان في خط المواجهة الأمامية مع العدو، يعني ما كان عم يتمشى بحارة حريك وقتلوه بعملية أمنية، هو ذهب إليهم مش هني إجو ليه، هو مشى إليهم بقدم وبإرادة وبندقية، هذا نصر لحزب الله هذا عز لحزب الله هذا نصر لمنطق المقاومة في لبنان."
واليوم، مع استشهاد سراج إبن المجاهد القيادي المؤسس ليث مجلس النواب رئيس كتلة الوفاء للمقاومة الحاج محمد رعد، نغبط أنفسنا بانتمائنا إلى هذا الحزب، يا لهنائنا بمسيرة قادتها مجاهدين وشهداء، وأبناء قادتها مجاهدين وشهداء، يَقتلون ويُستشهدون، مسيرةٌ عنوانها البذل والعطاء، عنوانها الإمام القدوة في البذل والعطاء "حسينٌ سيد الشهداء".