النص الكامل لكلمة رئيس المجلس السياسي سماحة السيد ابراهيم أمين السيد في الليلة الثامنة من شهر محرم الحرام للعام 1445 هجري 25-07-2023
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء وأعزّ المرسلين سيّدنا ونبيّنا أبي القاسم مُحمّد وآله الطاهرين وأصحابه المُنتجبين، والصلاة والسلام على جميع أنبياء الله المرسلين، والصلاة والسلام عليك يا سيدي يا أبا عبد الله، السلام عليكَ وعلى جدّك وأبيك وأمّك وأخيك وعلى التسعة المعصومين من ذُريّتك وبَنيك وعلى المُستشهدين بين يديك ورحمة الله وبركاته.
عظّم الله أجورنا وأجوركم بمصاب أبي عبد الله الحسين عليه السلام وأسأل الله تعالى أن يتقبّل منّا جميعًا هذا الإحياء المُبارك والجميل لذكر الحسين وما جرى في كربلاء.
كربلاء التي تتضمّن مَحطّات كبيرة جدًا ومُهمّة جدًا سواء كان في المواجهة أو كان في المسألة العقائدية أو الفكرية، والناس عمومًا لهم الأجر الكبير في كلّ أشكال الإحياء، من الدمعة إلى الفكر والثقافة وأخذ العبر وأخذ الدروس. بالنسبة لي مازلت في طور البحث في ما جرى في كربلاء وربما لن أنتهي أيضًا.
هناك محطّة لفتنني جدًا واستوقفتني جدًا، محطّة تتعلّق بكلام السيدة زينب سلام الله عليها في مجلس يزيد بن مُعاوية، هذا كلام معروف، لكن بالنسبة لي أخذني لمكان آخر.
سأذكر فقرتين من هذه المحطّة:
فتقول زينب عليها السلام: "فكِد كيدك واسعى سعيك فوالله لا تمحو ذِكرَنا ولا تُميتُ وحينا"، هذه فقرة.
الفقرة الثانية الملفتة جدًا، "وما أيّامُكَ إلا عَدَد".
في الفقرة الأولى هناك نسبة الذكر إلينا، "فوالله لا تمحو ذِكرَنا"، ذِكرُهم هم، "ولا تُميتُ وحينا"، أيضًا نسبة الوحي إليهم، هل هذا يعني أنّ المقصود بذِكرِنا ووحينا هو ذكر مُحمّد وآل بيت مُحمّد؟ قد يكون ذلك، يُمكن بدليل "إنّي تاركٌ فيكم الثقلين، كتاب الله وعترتي أهل بيتي"، ربما إشارة لهذا. لكن يُمكن الشخص أن يذهب لمكان آخر في الموضوع، أنّ المقصود بالذكر هنا هو القرآن الكريم، والمقصود بالوحي هو ما جاء على لسان النبي من قرآن وغير القرآن، "وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى". بالخلاصة يعني، لا تستطيع أن تمحو ما جاء في القرآن ولا تستطيع أن تمحو ما جاء على لسان النبي، يعني لا تستطيع أن تمحو الإسلام ولا تستطيع أن تمحو الدين.
هذه الفقرة أيضًا تدلّ على إعلان من زينب لكفر يزيد بن معاوية، ولإجرام يزيد بن معاوية، الكفر والتكذيب للدين وللإسلام.
أيضًا تدلّ على أنّ الهدف الحقيقي، من دون أن نُفلسف كثيرًا الأمور ونصعد وننزل لنجد هدفًا حقيقيًا لما جرى في كربلاء، هي ذكرت بكل بساطة الهدف لمعركة كربلاء هو محو الذكر وإماتت الوحي.
فإذًا ما جرى في كربلاء من جهة يزيد كان يهدف إلى هذا وهذا غاية الكفر - سأصل إليه لاحقًا - غاية الكفر.
بالنسبة لزينب عليها السلام هو غاية التضحية في سبيل حفظ الذكر والوحي بالمقابل، ولذلك هي في مكان آخر مُقابل هذا التحدّي وهذه التضحيات قالت: "ما رأيتُ إلا جميلًا"، ما رأيتُ إلا جميلًا يعني ما فعلته زينب وما فعله الحسين عليه السلام وأولاده وأصحابه وزينب وأخوات زينب وأهل الحسين عليه السلام، أهل بيت الحسين، فعلوه من أجل حماية الدين وحماية القرآن الكريم وحماية الوحي، يعني الالتفاتة إلى النِّسبَة، ذِكرُنا وحيُنا، معناه أنّ القرآن الكريم والوحي مربوط بوجودهم، مربوط بمسؤوليتهم، بمُهمّتهم، كما يقول الإمام الحسين عليه السلام في مكان آخر وأنا أحقّ بالتغيير أو من أحقّ بالتغيير مني، هذا يعني أنّ وجودهم مُرتبط بوجود القرآن وأستطيع أن أقول أنّ وجود القرآن والوحي مُرتبط بوجود محمد وآل بيت محمد.
ما هي علاقة "لا تمحو ذِكرَنا ولا تُميت وحيَنا" بـ "وما أيّامك إلا عَدَد"، أنّ الثانية هي نتيجة للأولى. هذا يدل على من زينب، ماذا تحمل مِن علم ومعرفة، ماذا تحمل من علم رسول الله، ماذا تحمل من علم علي حتى تقول وبكلّ بساطة "وما أيّامك إلا عَدَد"، يعني الذي يكون هدفه مُواجهة الإسلام وإزالة الإسلام ومَحو الذِكر وإماتت الوحي نتجيته الحتمية في أنّ أيّامه عَدَد.
هذه إشارة إلى السنّة الإلهية التي ذكرتها زينب، سُنّة إلهية، وهذا عجيب في فهمها ووعيها، حتى فهم القرآن.
أنا أحاول أن أُدقّق بهذه الكلمة "وما أيّامك إلا عَدَد"، هي تنبّأت ورأت مُستقبل يزيد بن معاوية، أنّ هذا الكيان سيزول، كيان إلى زوال.
هناك شيء في القرآن الكريم ألفت النظر إليه شبيه بما قالته زينب عليها السلام. ليس أنّ تراكم الأسباب والعوامل التي تُؤدّي إلى زوال كيانات مُعيّنة، لا، الرسول كان مازال في البداية، يعني مازال في مكة، الله سبحانه وتعالى يقول "وَإِنْ كَادُوا لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ"، المقصود بالأرض مكة، مثل استعمال كلمة الأرض مع موسى أي مصر، والأرض التي باركنا حولها أي فلسطين. "لَيَسْتَفِزُّونَكَ مِنَ الْأَرْضِ" أي يسعون ويعملون ليخرجوك من مكة، ليخرجوك منها، هذا الفعل الذي قام به الكيان المُتمثّل بطواغيت قُريش، جريمتهم كانت تكذيب الرسول والتآمر على الرسول وإخراجه من مكة، ماذا كانت النتيجة؟ القرآن الكريم يقول " وَإِذًا لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ إِلا قَلِيلا"، يعني لن يبقوا بعدك إلا أيامًا. فإذًا هنا توجد علاقة بين هلاك هؤلاء الطواغيت وزوالهم وبين إخراج الرسول من مكة.
المهم هو آخر الآية، " لِيُخْرِجُوكَ مِنْهَا وَإِذًا لَّا يَلْبَثُونَ خِلَافَكَ إِلَّا قَلِيلًا"، "سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِن قَبْلُ"، يعني هذا الذي جرى معك جرى مع غيرك، هذا الفعل الذي هو التآمر نتيجته الهلاك، نتيجته الزوال.
زينب عليها السلام رأت أنّ ما جرى في كربلاء، السُنّة الإلهية فيه أن ينتهي كيان يزيد بن معاوية، "وما أيّامك إلا عَدَد".
هذه المقدمة التي أحببت ذكرها وأعتبرها مدخلًا إلى البحث الذي سأقدّمه لأنّ ما قالته زينب عليها السلام يشُدُّنا شئنا أم أبينا إلى الحديث عن السُنن الإلهية.
السُنن الإلهية على ماذا؟ هذا موضوع أيّها الإخوة والأخوات من أهم أهم أهم المواضيع الثقافية والسياسية، نعم، ليس له علاقة فقط بالماضي بل له علاقة بالماضي والحاضر والمستقبل.
السُنن التي تعني ما هي عوامل بناء الدول والكيانات السياسية والاجتماعية؟ كيف تُبنى؟ وكيف تزول الكيانات السياسية؟ ما هي العوامل التي تجعل الكيانات تزول؟ الكيانات يعني الدول، الحضارات، حتى الأحزاب، والحركات، وحتى الجمعيات، وبعض الأوقات حتى بعض الأفراد الذين لديهم شأن اجتماعي. كيف يزولوا؟ ما هي عوامل البقاء وما هي عوامل الزوال؟
علماء الاجتماع وأنا لست بصدد مُناقشتهم الآن بالموضوع، لكن الباحثون في علم الاجتماع عندما بحثوا بهذا الموضوع ودرسوا الظواهر الطبيعية للطبيعة ودرسوا أيضًا ظواهر الحركة الإنسانية الاجتماعية فرأوا أنّ هناك مُكوّنات طبيعية أقوى من مُكوّنات أخرى، هذه تبقى وتلك تزول. رأوا ظواهر في عالم الحيوان هذا أقوى وذاك أضعف، هذا يبقى وذاك يزول. وذهبوا إلى المجتمعات أيضًا حاولوا الخروج باستنتاج أنّ الأمم التي تبقى هي الأمّة القوية التي تمتلك القوة والقدرة، لاحقًا بدّلوا وعدّلوا من هذه الفلسفة فذهبوا إلى بحث أنّ البقاء للأصلح وليس فقط للأقوى، للأصلح، ما قصدهم بالأصلح لا أعرف، على أيّ فلسفة مبنيّة كلمة الأصلح أيضًا لا أعرف، من يُحدّد الأصلح أيضًا لا أعرف، لكن قالوا الأصلح.
فإذًا علماء الاجتماع ذهبوا إلى بحث أنّ الدولة أو الكيان السياسي أو الحزب أو حركة أو عشيرة أو عائلة أو أيّ شيء من الكيانات إذا كان لديه قوة وقدرة يبقى وإن لم يكن لديه لا قدرة ولا قوة لا يبقى، فلا مكان في سلسلة الوجود والبقاء للوجودات للضعفاء، فقط للأقوياء، يعني الذين يمتلكون القدرة والقوة التي تُمكّنهم من البقاء والسيطرة، هذا عند علماء الاجتماع.
المُلفت أنّه وحتى لا يتفلسف أحد علينا أنّ هذا الموضوع بالذات تحدّث عنه القرآن الكريم منذ زمن طويل، ليس من زمن القرآن، تحدّث عن قبل زمن القرآن، عن الأمم التي سبقت الرسول الأكرم صلى الله عليه وآله وسلم، أيضًا القرآن الكريم قال نقلًا عنهم أنّهم كانوا يعتقدون بأنّ بقاءهم ووجودهم مبني على القوة.
القرآن الكريم ماذا يقول؟ ببساطة وبسرعة سأتحدّث عن عوامل الوجود والبقاء لأنّ البحث لدي عن عوامل الزوال وليس عن عوامل البقاء.
في عوامل البقاء، إذا هناك دولة ستُنشأ، إن كان هناك شعب يُريد بناء دولة، بالقرآن الكريم يقول يجب أن تُبنى الدولة على قاعدة الإيمان بالله، على قاعدة الإيمان بالكتب، على قاعدة الإيمان بالرسل وعلى قاعدة الإيمان بالشريعة الإلهية، بالمنهج الإلهي، بالقيم الإلهية، إذا هناك دولة تُريد أن تُبنى تُبنى على تلك الأسس.
هناك عوامل أخرى اسمها القوة، اسمها القدرة، اسمها الإبداع، اسمها التطوّر، اسمها التنظيم، اسمها الإدارة، اسمها الوحدة، هذه عوامل مُهمّة جدًا لكن في إطار العامل الأساسي. إذا ذهبنا إلى عوامل القوة والقدرة والعلم والمعرفة والتطور من دون قاعدة الإيمان بالله وبالرسل وبالمنهج الإلهي حينئذ تتحوّل القوة والقدرة إلى وسيلة من وسائل الظلم والاضطهاد للبشرية، لأنّ النظام والمنهج الإسلامي هو منهج تحقيق العدالة وليس السيطرة أو السلطة، تحقيق العدالة.
من يُريد إنشاء دولة يُشيّدها على هذا المبدأ، أما إذا أردنا إنشاء قوة وسيطرة فهذا بات بحثًا آخر، هذا دَيدَن الظالمين والطواغيت منذ تأسيس البشرية إلى هذه اللحظة. هذه عوامل البقاء.
عوامل الزوال، ما هي الأمور التي تجعل الدول تسقط؟ أيضًا يُعدّدون والقرآن الكريم يُعدّد، لا أريد الحديث عن كلّ الآيات لأنّني أريد الالتزام بالوقت المُحدّد. القرآن الكريم يتحدّث عن عوامل زوال هي من مُندرجات السبب الأساسي لكن من شدّة تأثيره وسُرعته في تشكّل عامل الزوال فكأنّه هو أساس بالموضوع لكنّه ليس أساسًا.
أولًا الظلم، ظلم الناس، اضطهاد الناس، قهر الناس، قتل الناس، إذاء الناس، السجن، التعذيب، التجويع، الحصار، العقوبة، بالتحديد اللغوي وحتى المصطلح للظلم هو منع حقوق الناس، أن تُمنع الناس من الوصول أو التمتّع أو العيش ضمن حقوقها، هذا الظلم، سلب الناس حقوقها، هذا ظلم، عدم إعطاء الناس حقوقها، تحوّل الشعوب إلى شعوب بدون حقوق، هذا ظلم.
ثمّ يتحدّث القرآن الكريم عن العلو، استعلاء، الاستكبار، يتحدّث عن العتو، يتحدّث عن الفساد، يتحدّث عن الإفساد، يتحدّث عن المجرمين، يتحدّث عن الفاسقين، هذه من عوامل الزوال والقرآن يُسمّيها من عوامل التدمير، "وَإِذَا أَرَدْنَا أَن نُّهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا"، ماذا يعني فسقت عن أمر الله؟ يعني خرجت عن النظام الأصلح الذي وضعه الله للبشرية، الله سبحانه وتعالى وضع أنظمة للبشر تؤدّي إلى صلاحهم وخيرهم وسعادتهم وكرامتهم، هم خرجوا من هذا النظام الأصلح نحو الفساد، هذا الذي يتحدّث عنه القرآن الكريم. من جُملتها مثلًا إخراج الرسول من مكة، من جُملتها قتل الأنبياء وأولاد الأنبياء، هذه كلّها أيضًا عوامل مُهمّة مُؤثّرة.
لكن العامل الأساسي الذي لا يتحدّث عنه علماء الاجتماع، العامل الأساسي هو الكفر بالله تعالى، هو الكفر بكُتُب الله، الكفر برسل الله، هو تكذيب القرآن الكريم والكتب الإلهية، تكذيب الرسل، إذاء الرسل، قتل الرسل، والتآمر وقتل المؤمنين أتباع الرسل والأنبياء. هذا ظلم من مُندراجته الفسق والفجور، من مُندرجاته العتو والفساد، من مُندرجاته التآمر والأذى، ليس الظلم لوحده هو الذي يجعل الأمم تزول، الظلم المبني على الكفر بالمنهج الإلهي والتكذيب للمنهج الإلهي. هذا الأساس القرآني للموضوع، وإذا أردنا النظر لدول وكيانات مُمكن أن نرى بعض مظاهر إيجابية هنا أو هناك في هذه الدولة أو تلك الدولة، والمظاهر الإيجابية التي يُمكن أن نراها قد تكون بالقانون الإلهي تُطيل قليلًا مُدّة بقاء هذه الدول، لكن بالعموم الدولة التي تبني وجودها وبقاءها على التكذيب والكفر حتمًا ستتحوّل هذه الدولة إلى دولة ظالمة ومُجرمة.
الدول التي مرّت بالتاريخ والدول المعاصرة حاليًا لا يقول أحد عن نفسه أنّه دولة كافرة، بل يُحاولون وضع فلسفة ومبادئ وقيم وشعارات ويقولون نحن كذا وكذا وكذا. لكن هذه القيم وهذه المبادئ التي يُرسلوها إلينا حتى يُبرّروا جرائمهم وجريمتهم ضدّ الشعوب، علينا أن ننتبه قليلًا وألا نكون بُسطاء ونفهم المعايير القرآنية بالموضوع، إذا كانت هذه الدولة مبنية على تكذيب المنهج الإلهي يجب ألا نصدّق أيَ شيء تطرحه تلك الدول علينا.
في كلّ الأحوال، أنا أقول لكم بكلّ وضوح، هذه الدول المُعاصرة الآن والدول التي سبقت سقطت في امتحانات القيم والأخلاق والعدالة والسلام، سقطت. سقطت أفكارهم، سقطت فلسفتهم، سقطت ثقافتهم، وتحوّلوا إلى دول هي محض إجرامية لا تستند إلى أيّ قيمة من القيم الإنسانية فضلًا عن القيم الإلهية.
أين سقطت هذه الدول؟ سقطت هذه الدول في حروبها، في استعمارها، في احتلالها، في نهب ثروات الشعوب، في قتل الشعوب، في سفك دماء الشعوب من فيتنام إلى ناغاساكي، إلى أفغانستان، إلى فلسطين، إلى إيران، إلى العراق، إلى سوريا، إلى لبنان. كل هذه الحروب في سوريا واليمن، كل هذه الحروب التي خاضتها هذه الدول سقطت فيها القيم والشعارات التي تدّعيها، هذا يجب أن نُلاحظه، يجب أن نُلاحظه جيدًا. سقطوا ولم يبقَ منهم إلا الدول التي تحمل القوة والسيطرة، هذه الدول الموجودة الآن.
العوامل الأخرى، التي هي عوامل الزوال ليس فقط للدول.
نحن لسنا استثناء، يعني إذا امتلكنا عوامل البقاء نبقى وإذا امتلكنا بعض عوامل البقاء نبقى على قدر عوامل البقاء التي نمتلكها، وإذا امتلكنا عوامل الزوال أيضًا سنزول، ليس هنالك نتيجة، سنزول، لأنّ هذه السنة الإلهية تجري على الجميع، ليس فقط على الدول، على الكيانات، على الأحزاب، على الحركات، إذا امتلكنا عوامل الزوال سنزول.
حركة المقاومة في لبنان امتلكت عوامل بقاء مهمة وجيدة، من أهم عوامل البقاء هو نفس المقاومة والنصر، هذا اسمه عامل بقاء. تشكّل هذا العامل من مجموعة جهود عسكرية وأمنية وثقافية وإيمانية وروحية وصبر وثبات، تشكّل هذا العامل من عوامل البقاء، لكن هذا لا يعني أنه نحن إذا امتلكنا عامل البقاء هذا يعني أنّنا امتلكنا كل عوامل البقاء، لا.
سأضع قاعدة على مسؤوليتي من خلال ما وصلت له بالبحث والتفكّر، لا يوجد أيها الإخوة والأخوات، لا يوجد سلوك، لا يوجد فعل ولا سلوك يقوم به الإنسان ليس له علاقة بتشكّل عامل البقاء أو عامل الزوال، لا يوجد، على مسؤوليتي أقول ذلك، إذا شخص يصلّي فصلاته لها علاقة بتشكّل عامل البقاء، وإذا لا يصلّي فعدم الصلاة لها علاقة بتشكّل عامل الزوال، لا تتحدّثوا فقط بموضوع الحرام والحلال أو العقاب والثواب، لا، يجب أن يكون عندنا فهمٌ آخر، مثلًا الأحقاد، التباغض، الغيبة، النميمة الذي يمكن أن يقوم بها الشخص بكل بساطة، يجب أن نعرف أنّ أي سلوك خاطئ له علاقة بتشكّل عوامل الزوال، هذا معنى الحرام والحلال وليس حسب فهمنا البسيط، يجب أن تعرفوا. فساد، أي ظواهر غير سليمة وغير صحيحة بسلوكياتنا يجب أن تعرفوا أنّ هذا بتراكمه يُساهم في تشكّل عوامل الزوال. هذه مسؤولية، مثلًا هناك أخت مُحجّبة وأخت غير مُحجّبة، لا أتحدّث عن نواياهم، يمكن الأخت غير المُحجّبة ولكن قلبها طاهر وطيب، لكن أنا أقول أنه يجب أن تلتفت إلى أنّ الأخت التي تتحجّب طاعة لله سبحانه وتعالى هذه تساهم بتشكّل عوامل البقاء، ماذا يعني أنّها تشكّل عوامل البقاء؟ يعني تمنع وجود الخروج عن النظام الأصلح والصلاح في المجتمع وليس بنظام الفساد، هذا ليس له علاقة بالنوايا، الأخ غير المُحجّبة يجب أن تعرف أنه ليس فقط حرام، حرام لأنّه يُساهم في تشكّل عامل الزوال، يجب أن ننتبه لهذا.
كيف تزول الأمم والدول والكيانات؟ أولًا، القانون الذي وضعه الله سبحانه وتعالى هو قانون إلهي، هو قال "لن تجد لسنّتنا"، يعني له. ثانيًا، في القرآن الكريم الزوال له موعد، توقيته بيد الله سبحانه وتعالى، فيقول " ولكلّ أمّة أَجَل"، يعني هذا التوقيت سمّاه "أَجَل"، بمكان ثانٍ سمّاه "موعد"، بمكانٍ ثالث سمّاه "وعد"، بنفس الوقت ليس هنالك مجال أن تتبدّل هذه السنّة، لاحقًا تسري هذه السنّة على جميع المؤمنين وغير المؤمنين، يعني مثل "إن تنصروا الله ينصركم"، إذا هيّئتم شروط النصر ينصركم الله وإذا لم تُهيّئوا شروط النصر لن تنتصروا سواءً إن كنتم مؤمنين أو غير مؤمنين.
أيضًا هناك سُنن قابلة للتحدّي وهناك سُنن غير قابلة للتحدّي، الذين يبحثون بهذا الموضوع يقولون أنّ الذي أتحدّث عنه أنا هو من السُنن القابلة للتحدّي، يعني أنّ الإنسان يستطيع رفضها، يعني مثلًا "الزواج من سُنّتي ومن رغب عن سُنّتي ليس منّي"، الزواج سنّة إلهية ولكن شخص يقول أنا لا أريد أن أتزوّج، يستطيع أن يتحدّى هذه السنّة. يقولون هنا أنّ السنّة القابلة للتحدّي هي قابلة للتحدّي على المدى القريب، لكن هذه السنّة نفسها تُدمّر من يتحدّاها على المدى البعيد حتى لو تحدّاها إلى المدى القريب، يعني إذا لم يحصل زواج أو يحصل منكرات أو فواحش أو ما شابه ذلك المجتمع سيُدمّر نفسه، هذا تدمير من ضمن السنّة الإلهية.
الأمر الآخر أنّ هذه السنّة لا يمكن أن يغيّرها أحد إلا الذي وضعها، الذي وضعها فقط هو الذي يغيّرها، مثل ماذا؟ "يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ"، هي السنّة الإلهية والقانون الإلهي أنّ النار تحرق، هذا القانون، الله سبحانه وتعالى ليس فقط أنه نجّا إبراهيم بغض النظر عن السنّة، هو نجّا إبراهيم على أيّ طريق؟ طريق سلب النار خاصية الإحراق ووضع مكانها خاصية البرد والسلام، فهو غيّر السنّة بسنّة أخرى، هذا شأنه. مثلًا، جاء الملائكة عند ابراهيم عندما أردوا تعذيب قوم لوط فبشّروه بابنه إسحاق، ويقول القرآن فَصَكَّت وجهَهَا زوجته وضحكت، أنه أنا الآن سألد طفلًا ما هذه المصيبة، فقالت أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخا كيف ستحصل الولادة، السنّة الإلهية تقتضي أنّ الولادة تأتي من زواجٍ بعمر معيّن أما عجوز وعاجز سيلدان أولاد هذا لا يمكن أن يحصل، لكن ذلك حصل، هذا تغيير للسنّة. مثلٌ آخر، مريم عليها السلام ولدت عيسى من دون زواج، فالسنّة هي الزواج، هو غيّر هذه السنّة وأوجد سنّة أخرى إسمها ولد بدون زواج. فالذي يغيّر السُنن فقط هو الذي وضعها.
الله سبحانه وتعالى – الآن أقول كيف غيّر السنّة بالذي أقوله – كيف واجه الظالمين المجرمين المُكذّبين؟ ما هي الطرق التي استعملها حتى تزول هذه الدول وهذه الكيانات؟ الطريقة الأولى ليس لها علاقة بالبشر، الطريقة الأولى هي الهلاك المباشر، يعني الطوفان، يعني الغرق في نهر النيل، يعني التدمير، يعني جعلنا عاليها سافلها، بالريح، بطيور الأبابيل، بحجارة من سجّيل، هذه الوسائل. هذه ليست وسائل مثل "إذًا لا يلبثون خِلافَكَ إلا قليلًا"، يعني بمكة لم تزل قريش على طريقة زوال قوم نوح، هم كبشر بقيوا ولكن زالوا ككيان، كدولة، لكن مع قوم نوح غرقوا كلهم بالطوفان، هذه وسيلة. يمكنني أن أسمّيها وسيلة استثنائية، ليست دائمة، الغريب من باب تكريم الرسول صلى الله عليه وآله وسلّم أن الله سبحانه وتعالى من بعد الرسول إلى الآن لم يذهب إلى هذا الخيار وهذه الطريقة، لماذا؟ تكريمًا للرسول لأنّه كان يُشكّل الأمان للبشرية فلا يذهب إلا خيار هلاك البشرية بسبب تكذيبهم مع وجود الرسول، "ما كان الله ليُعذّبهم وأنت فيهم"، وهناك أمان ثانٍ "وما كان الله مُعذّبَهم وهم يستغفرون"، يعني ما دام هناك مؤمنين طيّبين خيّرين مستغفرين مصلّين صائمين، هذا الوجود لهؤلاء المؤمنين يُشكّلون أمانًا للبشرية، أمانًا للبشرية، هؤلاء الذين يقاتلون المؤمنين يُقاتلون ماذا؟ هؤلاء الذين يريدون انتزاع المؤمنين وأذيّتهم ويريدون مُحاربتهم يُحاربون من؟ يُحاربون من يشكّلون الأمان من عذاب الله وهلاكه للظالمين، أمان للبشرية، هذه وسيلة.
الوسيلة الثانية، وسيلة غير مباشرة، هذه تقريبًا دائمة، التي هي الامتحانات، البلاءات، الزلازل، ما شابه ذلك، كلها يُصبح جزءًا منها عقوبة للبشر وجزءًا منها تحذير وجزءًا منها إنذار وجزءًا منها حتى العالم تتذكّر وتَعي وتعود إلى الله سبحانه وتعالى، مثل ما يقول القرآن الكريم لموسى "اذْهَبَآ إِلَى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغَى* فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى". فهذه العذابات، هذه الامتحانات، هذه البلاءات، هدفها " لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى". هذا العنصر الثاني، الطريقة الثانية.
أنا الذي يعنيني بالموضوع هي الوسيلة الثالثة حتى نعرف قيمتنا، حتى نعرف قيمة المؤمنين، قيمة المجاهدين.
الوسيلة الثالثة هي الجهاد والمقاومة، لقد عهد الله تعالى أمر زوال الطواغيت إلى رسله وأنبيائه وأوليائه والمؤمنين، قال لهم هذه عليكم، هذه مسؤوليتكم، لست أنا من أقول ذلك، " قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللَّهُ بِأَيْدِيكُمْ وَيُخْزِهِمْ وَيَنصُرْكُمْ عَلَيْهِمْ". عهد الله سبحانه وتعالى بهذه المسؤولية إلى الأنبياء والرسل والأولياء، هذا العهد له مدخلية بالتنظيم والإدارة والقيادة والمرجعية والولاية، الموضوع ليس بفوضى. هذه مسؤولية الأنبياء والرسل وبالنهاية المؤمنين. بمحل في القرآن الكريم وصف المؤمنين وصفًا جميلًا جدًا "عِبادًا لنا"، يعني اختار الله لهذه المهمّة جنودًا له في هذه المعركة، لذلك بالاستشهاد " وَلَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ"، لأنّه مبني على أنّ الله اختار جنوده والذين استشهدوا استشهدوا كجنود لله سبحانه وتعالى، هؤلاء له. هذا يسمّونه الطريقة التقليدية. من أول الرسل إلى هذه اللحظة الوظيفة الأساسية لزوال الطواغيت هي عند الرسل والأنبياء والأولياء والمؤمنين. هذه المقاومة التي تبدأ من نقطة "أفضل الجهاد كلمة حقّ أمام سُلطان جائر"، كلمة.. قبل الكلمة، من رأى مُنكرًا فليغيّره بيده إذا استطاع، إذا لم يستطع فبلسانه، إذا لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان، هذه المقاومة. المقاومة العسكرية، الجهادية، الأمنية، السياسية، الإعلامية، الثقافية، لا نستصغر شيئًا في هذه المعركة، هذه معركة المقاومة.
حسنًا، إذا لا يوجد مقاومة فالظالمين يصبحون أرباب العدالة العالمية، إذا لا يوجد مقاومة، إذا لا يوجد مقاومة فلا وجود للمجرمين، من سيقول عنهم أنّهم مجرمين؟ إذا لا يوجد مقاومة من سيقول عنهم ظالمين؟ لا أحد سيستطيع أن يقول ظالمين، فتبدأ المقاومة بالمواجهة لكن بكل أشكال المواجهة. بالنتيجة التي وصلنا لها أنّهم الآن زالوا؟ نعم زالوا، " أَلَمْ تَرَ كَيْفَ فَعَلَ رَبُّكَ بِعَادٍ إِرَمَ ذَاتِ الْعِمَادِ"، " وَثَمُودَ الَّذِينَ جَابُوا الصَّخْرَ بِالْوَادِ وَفِرْعَوْنَ ذِي الْأَوْتَادِ"، "فَصَبَّ عَلَيْهِمْ رَبُّكَ سَوْطَ عَذَابٍ إِنَّ رَبَّكَ لَبِالْمِرْصَادِ"، هؤلاء زالوا، ولكن المؤمنين زالوا؟ نعم زالوا، لا أتحدّث بالأدب ولا معنويات بل وقائع سياسية. الكيان السياسي الضخم الذي كان يتمثّل بشاه إيران الذي كان يُشكّل قاعدة للطاغوت الكبير أميركا، أين هو؟ زال، زال ليس بالحرب، انتبهوا، زال ليس بالحرب، ليس بالمواجهة العسكرية، زال بمظاهرات الرفض والاحتجاج بدون حرب، من قال أنه كان يمكن أن يزول؟
في فلسطين، ننظر إلى الشعب الفلسطيني المعتّر، أكثر من خمسين سنة يُعاني، ليس هناك كلمة في العالم تقول أنّ الفلسطينيين إلى زوال، بل العالم يقول أنّ الكيان الصهيوني، بل نفسه يقول إنّ إسرائيل إلى زوال، بسبب من؟ بسبب أميركا؟ بسبب أوروبا؟ بسبب الرباعية؟ بسبب الجامعة العربية؟ بسبب من؟ بسبب المقاومة.
لبنان، نحن نمنا واستيقظنا فوجدنا هذه المقاومة العظيمة التي يفتخر بها كل شعوب العالم، أكان أحد يُصدّق أنه كان يمكن أن يتحرّر لبنان من العدو الإسرائيلي؟ أكان أحد يُصدّق أنّ لبنان عنده توازن ردع مع الكيان الصهيوني؟ لا أحد يُصدّق، بسبب من؟ المقاومة.
هذا العدوان الظالم وهذا التحالف الدولي على شعبٍ يمشي حافيًا في اليمن، من كان يقول أنّ هناك إمكانية لهذا الشعب الفقير المستضعف أنه يمكن أن يصنع هذه التحوّلات والتغيّرات في اليمن، من؟ من كان يقول؟ لكن حصل في اليمن ما يُسهم بقوة بزوال الطواغيت إن شاء الله في الوقت المُحدّد، لست أنا من أُحدّد، في الوقت المُحدّد.
يا إخوان، في الغزو الأميركي للعراق 200 ألف جندي كانوا موجودين في احتلال العراق، أين هم الأميركيون؟ من أخرج الأميركي؟ بالنسبة التي خرجوا فيها، من أخرج الأميركي؟ مجلس الأمن أو أوروبا أو الدول العربية؟ من؟ هي المقاومة في العراق. في أفغانستان نفس الشيء، هذه المقاومة.
أقول هذا الكلام ليس من باب أنّنا نمدح أنفسنا ونمدح المقاومة، أقول هذا الكلام حتى نعرف قيمتنا، قيمة هذا العشب العظيم الذي وقف وحمل مسؤولية وتحمّل عبء هذه المسؤولية وكلفة هذه المسؤولية بشرف وفخر، وإن شاء الله أن نكون نستحق أن يُطلق علينا بأنّنا عباد الله وجنوده، في أي معركة؟ ليس بهذه المعركة الموجودة في لبنان بين هؤلاء العالم التعساء الذين هم أشبه بأدوات رخيصة أمام أعدائنا، نحن مهيّأون وقد هيّأنا الله من خلال إيماننا لأن نكون مع الرسل والأنبياء في مهمّة زاول طواغيت العالم. أنتم كبار، أنتم عظماء، انتبهوا أن لا يأخذكم أحد لا يمينًا ولا شمالًا ولا تغرقوا بالأزمات والمشاكل والعنعنات والصراعات والأحقاد والتباغض، وأنا أقول للذين يحاولون أن يفتعلوا تشويهات وسلوكيات غير جيدة حتى في داخلنا لأنه نحن لسنا معصومين، أنا أقول انتبهوا أولًا انتبهوا لظلم الناس، أقول لكل الإخوة والأخوات انتبهوا لظلم الناس، احترموا حقوق الناس، كونوا مع الناس، انتبهوا ألا يكون سلوككم يُسهم في تشكّل عوامل الزوال والحمد لله ربّ العالمين والسلام عليكم ورحمة الله.