في أيار/ مايو من العام 2012 كان موعد الاحتفال السادس بانتصار لبنان بمقاومته وشعبه وجيشه على العدو الإسرائيلي، وتزامن مع الاحتفال بالإعلان عن إتمام مؤسسة "وعد" مشروع إعادة ما دمّره العدوان الصهيوني خلال حرب تموز/ يوليو 2006، فعادت الضاحية الجنوبية "أجمل مما كانت" كما وعد الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصر الله، ولكن المسألة لم تكن مجرد بناء للحجر المدمّر بقدر ما كانت معادلة جديدة أرستها المقاومة في سياق المواجهة، ترتكز على أساس الثقة وثقافة الصمود والإيمان بعقيدة الانتصار.
على عتبة الذكرى السابعة عشرة على عدوان تموز/ يوليو 2006، يخال الناظر للضاحية الجنوبية أن أشياء كثيرة تغيّرت، ليس في توزيع المباني والجسور والطرقات، فإن كل المباني التي تدمّرت بفعل العدوان الصهيوني عادت إلى أمكنتها؛ وعلى الرغم من أن هوية المنطقة العمرانية قد تطوّرت بفعل الأعمال المميّزة التي قامت بها بلديات الضاحية على مستوى مشاريع التجميل وإنشاء الحدائق والمستديرات وخطط السير وتنظيم المرور والمواقف ورفع المخالفات، إلا أن الأهم من كل ذلك الحفاظ على النسيج الاجتماعي والمعيشي الذي يميّز الضاحية الجنوبية بأهلها ومؤسساتها، مما يجعلها شرياناً حيوياً في جسم الوطن ككل.
نموذج رائد
أسّست تجربة حزب الله عبر مؤسسة "وعد" نموذجاً رائداً، ليس فقط على الصعيد العمراني بل على الصعيدين الاجتماعي والاقتصادي، فضلاً عن إرساء ثقافة التضامن والتكافل وتكريس مبدأ الشراكة بين مكوّنات المجتمع البشرية والمادية والمعنوية، واستطاعت هذه التجربة الاستفادة من هذه العوامل بطريقة مثمرة لا تعتمد بالضرورة على الدفق المالي والتأمينات المادية، ونجحت في فرض نسق تنظيمي وتوزيع متقن للأدوار بين الجهات المعنية، فكان لكل من مؤسسات الدولة والشركات المتخصصة بالإنشاء والتعمير والبلديات وأصحاب الحقوق دوره الخاص ضمن عملية تكاملية مدروسة أشرفت مؤسسة "وعد" عليها وأدارتها ونظّمت مهماتها وجدولت برامجها، وصولاً إلى تحقيق هدف واحد وهو محو آثار العدوان الصهيوني، وتأمين مقوّمات العيش والاستقرار للناس.
الإعمار ومشروع المقاومة
لا تنفصل تجربة حزب الله في إعادة الإعمار عن مشروع المقاومة ومجتمعها، وهي تتماهى تماماً مع رؤية الحزب الاجتماعية بضرورة تأمين منصف لحاجات الناس، في بلد يعاني من ضائقة اقتصادية خانقة، وكما سبق وذكرنا فإن الإنجاز لم يكن محصوراً فقط في النجاح بإعادة إعمار الحجر المدمّر، بل بإرساء معادلة فريدة وجديدة للمواجهة، وانبنت هذه المعادلة على مجموعة من العوامل والمحدّدات أهمها:
• تقديم تجربة عملية بعيدة عن المحاصصة والفساد الإداري والمالي والمضاربات وجني الأرباح، وهي عناصر لا تنسجم مع رسالة المشروع وأهدافه.
• اعتماد الشفافية في مسح وتقييم الأضرار وتحديد الأشخاص والمؤسسات المستحقة بعيداً عن المحسوبيات والانتماء الحزبي والطائفي.
• احتضان الذين فقدوا منازلهم بفعل التدمير الكامل، من خلال إنشاء مشروع الإيواء الذي أمّن للناس مساكن مؤقتة بانتظار الانتهاء من بناء مساكنهم الأساسية.
• شمولية المشروع الإعماري، بحيث لم يقتصر فقط على الأبنية المدمّرة، بل طال أيضاً المؤسسات التجارية في كل المناطق اللبنانية التي تعرّضت للتدمير والعدوان، فضلاً عن التعويض عن المشاريع الزراعية والصناعية ودعمها بما يلزم لاستنهاضها.
• اعتماد الهندسة المتقدّمة بحيث تراعي الأبنية الجديدة شروط السلامة العامة والشروط البيئية من ملاجئ ونظم مقاومة الزلازل والصواعق والشبكات الداخلية ومجاري الصرف الصحي.
• التخفيف عن كاهل الناس وإراحتهم من مشقّة متابعة وملاحقة ملفاتهم لدى المؤسسات المعنية في الدولة اللبنانية، فلعبت مؤسسة "وعد" دور الوسيط بين أصحاب الحقوق والمؤسسات الرسمية، فضلاً عن التنسيق مع الجهات والدول المانحة.
أجمل مما كانت
"ستعود أجمل مما كانت" لم تنطلق في وجدان السيد نصر الله من قاموس الأدبيات الخطابية والمواقف الجماهيرية، ولم تكن مجرد شعار رومانسي رافق السنوات التي أعقبت حرب تموز وشهدت عمليات الإيواء وإعادة الإعمار، فقد أصبحت هذه العبارة واحدة من المسلّمات المفاهيمية التي اعتقد بها الناس في تقييم أداء المقاومة وحزب الله بمؤسساته المختلفة، الخدماتية منها وغير الخدماتية، واعتمدوها معياراً لقياس جودة ومستوى ما يتم تنفيذه في المجالات شتى، يحدوهم في ذلك الشعور بالثقة من أن حقوقهم لن تكون عرضة للضياع والإندثار، وبالتالي تحوّلت إلى آلية ناظمة وقاعدة حاكمة على أداء المؤسسات المعنية في حزب الله، انطلاقاً من الإيمان بالقاعدة التي أطلقها سيد شهداء المقاومة الاسلامية عباس الموسوي: "سنقاوم الحرمان كما نقاوم الاحتلال".
إحصاءات وأرقام
• عدد المباني التي تدمّرت كلياً في الضاحية الجنوبية: 270 مبنى.
• عدد المباني التي أعادت مؤسسة "وعد" بنائها: 239 مبنى (المباني الأخرى تولّى أصحابها إعادة بنائها)
• عدد الوحدات السكنية التي أعيد بناؤها: 5700 وحدة.
• بدأت عملية إعادة البناء عام 2007 وتم تسليم المبنى الأول عام 2008.
• التكلفة الإجمالية لإعادة الإعمار: 400 مليون دولار.
• النسبة التي تكفّلت الدولة اللبنانية تأمينها من المشروع: 33 %.
• عدد الشركات العاملة: 23 شركة مقاولات، و50 شركة دراسات هندسية، و7 شركات إشراف.
• عدد العمال المستخدمين: 4000 عامل.