خليل نصر الله
عام 2006 قررت "إسرائيل" شن عدوانها على لبنان، مستغلة عملية أسر نفذتها المقاومة لتحرير أسرى لبنانيين في السجون الإسرائيلية. لم يكن القرار الإسرائيلي منفردًا، بل حظي بدعم أميركي وغطاء عربي، بل إن واشنطن دفعت باتجاهه وهو ما تبين لاحقًا.
في الأيام الأولى، كان الإسرائيليون يرفعون هدف "سحق" حزب الله، وهو ما أثبتت أيام الحرب عجزًا في تحقيقه، بل وصل حد الاستحالة، وهو ما عبرت عنه تسيبي ليفني، وزيرة الخارجية في حكومة إيهود أولمرت" آنذاك، بقولها إن أي جيش في العالم لا يمكنه القضاء على منظمة كمنظمة حزب الله.
انتهت الحرب، وانتصار المقاومة فيها كان واضحًا، فهي عطلت كامل أهداف العدو الإسرائيلي، وهو ما اعترف به لاحقًا تقرير لجنة التحقيق المعروف باسم تقرير "فينوغراد"، والذي تضمن إشارات واضحة إلى الفشل الاستخباري الإسرائيلي، والإدارة الخاطئة للحرب، ومسائل جمة.
بتاريخ 22-9-2006، وقف السيد حسن نصر الله في الضاحية الجنوبية في بيروت، في أول خطاب جماهيري له بعد الحرب، وتحدث بوضوح عن تداعيات استراتيجية للانتصار، سيتم لمسها في المستقبل. كان واضحًا أن فشل العدو في تلك الحرب هو مسمار وضع في مشروع "الشرق الاوسط الجديد" الذي أعلنت عنه "كونداليزا رايس" وزيرة الخارجية الأميركية آنذاك، والتي قالت من بيروت في ذلك الحين، وفي بداية الحرب: إنها (اي الحرب) مخاض ولادة شرق أوسط جديد. شرق أوسط بلا مقاومة، تتصدر فيه "إسرائيل" المشهد، وتدخل المنطقة في عصر إسرائيلي جديد. كما أن ضرب المقاومة وإنهاءها سيشكل منطلقًا لضرب سوريا وتطويعها بعد حصارها من الجهات كافة. يومها كان العراق محتلًا، وعديد القوات الأميركية وحلفاؤها تجاوز المائتي ألف.
ضُرب مشروع الشرق الأوسط الجديد، وعلى مدى الأعوام التالية، كان واضحًا أن الإسرائيليين يعيشون الأزمة، فالمقاومة خرجت أقوى وبدأت بمضاعفة القوة، وهو ما بدأ ينكشف منذ عام 2010، حين بينت المقاومة عن قدرات صاروخية نوعية.
لاحقا، شُنت الحرب على سوريا، كان يراد انهاء دورها تمهيدًا لحصار المقاومة هذه المرة، فإذا بالمقاومة تنخرط في المواجهة. حصلت بعد ذلك رهانات على غرقها واستنزافها في سوريا، وهو أيضًا ما لم يتحقق.
ما بين عام 2011 وعام 2018، أي في ذروة القتال في سوريا، كان الإسرائيليون يعبرون عن تعمق المأزق الأمني لديهم، وكثير منهم كان يشير إلى تداعيات تموز 2016، ولو بطرق غير مباشرة، فنتائج تلك الحرب لا زالت تصرف حتى يومنا هذا، وإذا ما أجرينا مقارنة بسيطة بين واقع المقاومة آنذاك وواقعها اليوم، نلاحظ أن قدراتها تضاعفت كمًّا ونوعًا، وخبرات مقاتليها وكوادرها زادت، خصوصًا بعد حرب سوريا، كذلك نجحت في تعديل قواعد الاشتباك مع العدو لمصلحتها، بل وباتت تشكل ندًّا له في كثير من الجوانب.
في الكيان، لا يخفون نتائج إخفاقات تموز 2006، وهم دائمًا يجرون مقارنات بتلك الحرب التي استخدموا فيها كل ما يمتلكونه من قوة، ربما باستثناء السلاح النووي، دون أن يحققوا شيئًا.
من يراقب ويدقق في تصريحات العدو، سواء فيما يتعلق بغزة وقدرات المقاومة هناك، أو فيما يتعلق بالمقاومة في لبنان، دائمًا ما يتلمس "شبح" تموز 2006 يسيطر عليها، وكيف أثر في التعاطي الإسرائيلي مع المستجدات، بل في أذهان قادة الكيان عسكريين وأمنيين وسياسيين.
إن شبح 2006 بات متلازمة لا يمكن الخروج منها، فالضربة كانت استراتيجية، ولا زالت قوى المقاومة تصرف من رصيد ذات الانتصار، وما تعاظم قوّتها وفرادتها وإقدامها إلا نتاج استخلاص العبر من حرب الـ33 يومًا، وقوات "الرضوان" تشهد.