القسام - خاص
"وحدك يا أمير الفدائيين تعلو.. ترحل إلى الشمس، تمضي إلى قسمات الوجوه، ترتسم على أسارير العائدين، تجمع في كفك المباركة خيوط البطولة والحماس والشهادة، تصنع نسيج الأمل العريض، تفرشه في الشوارع، في الحارات، في الساحات وتحيك منه لكل فتى، كوفية وعلماً وضمادة جرح".
أن يترجل فارس من فلسطين في ساحة الشرف ليس بالحدث الجديد، فلقد أصبح الاستشهاد على طريق الجهاد قدر الشعب الفلسطيني منذ أن اتخذ قراره بالدفاع عن دينه ووطنه وحريته.
عندما يترجل الفارس المقدام عماد عقل قلب الساحة التي لا تحتضن إلا الأبطال، نكون قد ازددنا اقتراباً من النصر والعزة، فالطريق لا يعبد إلا بدماء الشهداء ولا يضاء إلا ببطولتهم التي لا يضيرها خيانة خائن أو غدر منافق أو خذلان جبان، والله إنه ليصعب على القلم ويشق على البنان أن يكتب بمداده عن مجاهد ارتقى على طريق الحق والإيمان شهيداً.
فكيف بالحديث عن فارس مثل (عماد عقل) رمزاً وقائداً ومجاهداً؟؟!! لن يستطيع المداد أن يعطيه حقه من التكريم وهو الفارس -كإخوانه أبطال القسام- يرفض الحديث ويتجنب الإعلام والدعاية واضعاً نصب عينيه (قتل الجنود الصهاينة عبادة نتقرب بها إلى الله).
المولد والنشأة
في التاسع عشر من يونيو عام 1971م، يطل (عماد حسن إبراهيم عقل) إلى الدنيا في مخيم جباليا، وكان الوالد الذي يعمل مؤذناً لمسجد الشهداء في مخيم جباليا قد اختار لابنه الذي جاء ثالثاً بين الذكور هذا الاسم (عماد) تيمناً بالقائد المسلم (عماد الدين زنكي) الذي قارع الصليبيين، في الوقت الذي كانت كل القيادات متخاذلة.
نشأ عماد وتربى على طاعة الله في هذا البيت المتدين الفخور بعقيدته، وبدا واضحاً منذ نعومة أظافره تمتعه بالذكاء والعبقرية، ولهذا صمم والده على أن يواصل مسيرته التعليمية حيث تفوقه بحصوله على مرتبة متقدمة بين الأوائل.
وكما كان متوقعاً أحرز (الشهيد عماد عقل) الترتيب الأول على مستوى المدرسة والمخيم في شهادة الثانوية العامة (التوجيهي) بعد ذلك تقدم بأوراقه وشهاداته إلى معهد الأمل في مدينة غزة لدراسة الصيدلة، إلا أنه ما إن أتم إجــــراءات التسجيل ودفع الرسوم المقررة حتى وجد جنود الاحتلال يعتقلونه في 23/9/1988م ويقدمونه إلى المحكمة بتهمة الانتماء لحركة (حماس) والمشاركة في فعاليات الانتفاضة المباركة.
في أحضان عائلة متدينة
عمّر الإيمان قلب (الشهيد عماد عقل) حيث تربى في أحضان عائلته المتدينة والمساجد القريبة من مكان سكناه التي اعتاد ارتيادها منذ أن بلغ الثانية عشرة، وجد في مسجد النور القريب من مدرسة الفالوجة ضالته، إذ عرفه أحد الإخوة الفضلاء على دعوة الإخوان وحبه للجهاد والاستشهاد.
نما وترعرع في رحاب المسجد ورضع لبن العزة والكرامة من خلال الدروس العلمية والتنظيمية والتعبوية حتى نضجت في مشاعره جذوة الجهاد والاستشهاد واستوت على سوقها مع بدء الانتفاضة.
تميز الشهيد رحمه الله بعمله الدءوب لما تتطلبه هذه المرحلة من ضرورة التواجد الإسلامي المكثف في مخيم جباليا الذي كان يسمى فيما سبق مخيم الثورة لما للتنظيمات الأخرى من قوة وتواجد فيه ، فشارك إخوانه في استنهاض همة الشباب وتجميع الصالحين منهم.
حب الجهاد والمقاومة
واكبت حركة عماد ونشاطه وقوة حبه للجهاد وقتال المحتلين اشتعال الانتفاضة الفلسطينية المباركة وتصاعد وتيرتها وامتدادها على طول رقعة الوطن المحتل، وما أن أطلقت (حركة الإخوان المسلمون) في قطاع غزة لشبابها وأنصارها العنان لقيادة المظاهرات وتوجيه الجماهير منذ الثامن من كانون أول/ديسمبر عام 1987م حتى تقدم الشهيد الصفوف مشكلاً المجموعات من الشباب المسلم في المخيم لملاحقة جنود الاحتلال وقطعان المغتصبين الذين كانوا يعيثون فساداً وتخريباً.
شارك الشهيد رحمه الله في كتابة الشعارات الجدارية ضد العدو الصهيوني، وعرف عنه ولعه الشديد بالمظاهرات والمسيرات الاحتجاجية، فشارك في الكثير من فعاليات الانتفاضة ضمن مجموعات السواعد الرامية التي تكونت في المخيم بعد انبثاق حركة المقاومة الإسلامية (حماس) في الضفة وقطاع غزة.
الاعتقال الأول والأخير
مع اعتقال مجموعة كبيرة من كوادر وشباب حماس في ما يسمى ضربة آب/أغسطس 1988م، تعرض عماد وشقيقه عادل للاعتقال في الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر من ذلك العام حيث أمصى في السجن 18 شهراً إثر صدور الحكم عليه من محكمة عسكرية ظالمة بتهمة الانتماء لحركة حماس، والمشاركة في فعالياتها وتكوين مجموعات مجاهدة وإلقاء زجاجات حارقة.
ما إن خرج الشهيد رحمه الله من المعتقل في آذار/مارس 1990م حتى عاد إليه مرة أخرى إذ وجه إليه الاحتلال تهمة تجنيد أحد الشباب المجاهدين في تنظيم حماس، فقضى الشهيد في المعتقل هذه المرة شهراً آخر بعد أن تيقنت أجهزة المخابرات الصهيونية أنه اعترف في المرة السابقة بالتهمة التي وجهت إليه.
خروج من السجن
خرج من السجن بعزم لا يلين على مواصلة طريق الجهاد ونيل الشهادة في سبيل الله حيث كان دائم الحديث عن جهاد الرسول صلى الله عليه وسلم وعن الشهادة والشهداء وبطولات (خالد بن الوليد وأبو عبيدة بن الجراح وصلاح الدين وسيف الدين قطز) وغيرهم من قادة الفتح الإسلامي.
لم يرق لشهيدنا البطل أن يظل مقتصراً في جهاده على الحجر والمقلاع، بل راح يبحث عن درجة أعلى من ذلك، وعمّا يزيد من إلحاق الخسائر في صفوف جنود الاحتلال والمغتصبين والعملاء.
بدأ اتصالاته وتحركاته فور خروجه من المعتقل للالتحاق بالجهاز العسكري لحركة حماس المعروف باسم كتائب الشهيد عز الدين القسام، الذي يلبي رغباته وطموحاته العسكرية، فكان له ما أراد إذ التحق بمجموعة (الشهداء)، وهي من المجموعات الأساسية الأولى التي بدأت العمل في المنطقة الشمالية من القطاع بملاحقة العملاء الخطرين وتصفية بعضهم، ثم اندمج تلقائياً في كتائب القسام وبدأ بممارسة مهامه الجهادية على أفضل ما يكون.
على الرغم من وجود من هو أكبر منه سناً وأقدم منه في المرتبة التنظيمية، إلا أن ما يتمتع به الشهيد (عماد عقل) من ذكاء وفطنة وخفة حركة إلى جانب حذره واستعداده الدائم جعلت قيادة الكتائب ومجاهدي المجموعة يختارونه ضابط اتصال لهم ينقل التعليمات والأوامر والخطط وكل ما يتعلق بشأن المجموعة من وإلى القيادة.
محاربة العملاء
راحوا يصوبون سكاكينهم وخناجرهم إلى صدور المجرمين الساقطين في شباك العمالة والخيانة بتخطيط متقن وعمليات نوعية جريئة أثارت جنون المحتل، ورفعت لواء عز الدين القسام في عزة وإباء.
فقد كانت المجموعة تخطف العميل وتحقق معه مستفيدة مما لديه من معلومات ومسجلة اعترافاته على أشرطة تسجيل كوثائق للإدانة وأدلة لا يمكن إنكارها، ثم تنفذ فيه حكم الله إذا رفض التوبة.
كان لهذه العمليات الناجحة وقع بالغ عند الجماهير لما لها من أثر واضح في تطهير المجتمع من العناصر الفاسدة التي سممتها المخابرات الصهيونية، وظل الناس يتابعون في شغف عمليات الكتائب التطهيرية في غزة وجباليا والشيخ رضوان ومخيم الشاطىء، وكم كان استغرابهم عندما يسارعون إلى مكان الاختطاف أو إعدام العميل إن كان من الخطرين أو المعروفين بشكل جلي لا لبس فيه، فلا يجدون المجاهدين الذين سرعان ما يتوارون عن الأنظار.
رحلة المطاردة
في ليلة معتمة كان اثنان من المجاهدين على موعد مع الأسر أثناء محاولتهما عبور خط الحدود الدولية بين فلسطين المحتلة ومصر جنوب مدينة رفح في السادس والعشرين من كانون أول/ديسمبر 1991م، ليرسلا فوراً إلى قلعة الأبطال (سجن سرايا غزة) حيث يمارس التعذيب البشع والحرب النفسية ضد المجاهدين البطلين.
اضطر أحد المجاهدين تحت هذا التعذيب إلى الكشف عن أسماء أعضاء مجموعة (الشهداء) التي كان عضواً فيها، منذ ذلك التاريخ أصبح شهيدنا البطل/ عماد عقل مطلوباً لقوات الاحتلال وأجهزة مخابراتها ووحداتها الخاصة والمستعربة.
لكن شهيدنا الذي هزم الخوف منذ أن بايع على الشهادة راح يواجه واقعه الجديد بشجاعة وإقدام، وإذا كان اسمه قد وضع تحت الملاحقة والمطاردة، وإلا أن ذلك لم يرعب القائد ولم يضعفه، بل زاده هذا الأمر شجاعة وفرض عليه في نفس الوقت أن يظل على أهبة الاستعداد يحمل روحه على كفه وبندقيته على كتفه.
عزم فارسنا على مواصلة الجهاد حتى الشهادة، رافضاً الانسحاب من الميدان والخروج خارج الوطن وبقي وفياً لقسمه، إذ نقل عنه -رحمه الله- عند بداية مطاردته قوله: "من الآن فصاعداً فأنا مطارد للاحتلال وعليه سوف أذيقهم العلقم بإذن الله".
مع إخوانه
عاش شهيدنا البطل مع إخوانه الخمسة المطاردين حياة الأخوة بمعناها الحقيقي، ومما يسجل للشهيد ما يرويه أحد الإخوة المجاهدين الذين عرفوه، إذ يقول هذا الأخ: "في أحد مكامنه كنت وأحد الإخوة معه فقمنا نصلي، ففضل البقاء في حراستنا ثم صلى بعد ذلك حتى لا نؤخذ على حين غرة، كان خلال ذلك يحرث الغرفة جيئة وذهاباً وكأنه يفكر في أمر يشغله، وضع بعدها لنا الطعام فما يتناول سوى لقيمات قائلاً لا أريد الإكثار حتى لا أتثاقل إلى الأرض فيشغلني ذلك عن مقارعة أعداء الله".
ضاقت مدينة غزة بمطاردي مجموعة الشهداء، فقد انضم عشرة أخوة مجاهدين من (كتائب الشهيد عز الدين القسام) إلى قائمة المطاردين الجدد، والخوف من أعمال التمشيط العسكري للبيارات والملاجىء والمنازل أصبح هاجساً يتملك المطاردين في هذه البقعة الصغيرة، إلى جانب شح السلاح في ذلك الوقت.
الانتقال إلى الضفـة
وأمام هذا الوضـع الجديد، وحفاظاً على الإخوة المطاردين وتوفيراً للجهد المضني في توفير الملجأ، وتسهيل الحركة لهذه الأعداد تم التخطيط لخروج مطاردي (مجموعة الشهداء) من قطاع غزة والانتقال إلى الضفـة حيث تم تشكيل الجهاز العسكري لحركة حماس هناك وحمل أيضاً اسم (كتائب الشهيد عز الدين القسام) أسوة بما هو معمول به في قطاع غزة.
كذلك جاء اختيار مجموعة الشهداء الانتقال إلى الضفة اختياراً موفقاً، فقد خفف الانتقال العبء عن قطاع غزة من جانب وأعطى دفعة قوة للضفة بتكوين الخلايا المسلحة التابعة لكتائب القسام من جهة أخرى.
وقبل الانتقال مع مجموعة الشهداء إلى الضفة، لابد من الوقوف مع الحدث البارز في سجل عماد عقل في تلك الفترة، ألا وهو أول عملية عسكرية له ضد جنود الاحتلال، ففي الرابع من آيار/مايو 1992م أطلق عماد عقل رصاصه القسامي مستخدماً بندقية كارلو غوستاف ضد قائد الشرطة في قطاع غزة الجنرال (يوسي آفني) بعد أن أوقعته المجموعة في كمين نصبته له عند مفترق الشيخ عجلين، غير أن العملية لم تسفر إلا عن إصابة سيارة (الشاباك) المرافقة له.
انتقل الشهيد (عماد عقل) عن طريق حاجز بيت حانون (إيرز) وهو الحاجز الوحيد الذي يربط قطاع غزة بفلسطين المحتلة عام 1948 إلى الضفة في الثاني والعشرين من آيار/مايو 1992م، واستقر في مدينة القدس وما هي إلا أيام قليلة حتى تبع الشهيد إلى القدس وبنفس الطريقة بقية أفراد المجموعة حيث تم استئجار شقتين في رام الله.
وبعد أن اكتمل عقد المجموعة تم ترتيب اتصال مجموعة الشهداء بمسؤول (كتائب عز الدين القسام) في الضفة حيث طلبت المجموعة تزويدها بالسلاح.
ضربة صعبة
في هذه الأثناء بدأت المجموعة التخطيط لتنفيذ عملية في قلب مدينة القدس تكون بمثابة الثأر للمجزرة الوحشية التي ارتكبتها قوات الاحتلال في ساحة المسجد الأقصى قبل أكثر من عام ونصف، ولكن لا راد لقضاء الله وقدره، فقد تعرضت المجموعة لأكبر هزة تصيبها بعد انتقالها للضفة.
اعتقل المجاهدون (محمد أبو العطايا ومحمد أبو عايش ومحمد حرز) في مساء الأربعاء 29 يوليو/تموز 1992م، في إحدى الشقق التي استأجرتها المجموعة في رام الله بعد عمليات رصد مكثفة من قبل أجهزة المخابرات الصهيونية التي فقدت أثر هؤلاء المجاهدين في قطاع غزة، فكان لون بشرة (أبو عايش) واعتراف بعض الشباب في القطاع عن وجودهم في الضفة طرفي الخيط في تكثيف عمليات المتابعة لهم في الضفة.
الضربة التي تلقتها (كتائب الشهيد عز الدين القسام) باعتقال ثلاثة من خيرة مجاهديها شكلت بداية النهاية لعمل مجموعة الشهداء أو من تبقى من المجموعة كوحدة واحدة، فبعد أن تمت مراسلة القيادة في قطاع غزة وإعادة ربطهم بكتائب عز الدين القسام في الضفة العربية إثر انقطاع الاتصال في أعقـاب مداهمة العدو للشقة في رام الله، انتقل (عماد عقل) وأخويه (طلال نصار وبشير حماد) إلى مدينة خليل الرحمن حيث تم تزويدهم بالأسلحة الرشاشة والمسدسات استعداداً لبدء مرحلة جديدة من جهاد المجموعة.
شهدت مدينة خليل الرحمن نهاية عهد مجموعة الشهداء موحدة، إذ طلب من (عماد عقل) البقاء في المدينة وتولي مسؤولية القائد العسكري للعمليات في منطقة الخليل في حين نُقل الأخوان الآخران إلى مدينة نابلس للعمل مع المطاردين هناك، فضم الشهيد القائد عماد عقل بندقيته إليه وقبض عليها بكلتا يديه ليكتب قصة المجد والجهاد مع خطوات القسام الأولى في مدينة الخليل.
التخطيط لأسر جندي
شكل موضوع تزايد أعداد المعتقلين من كتائب القسام إلى جانب الأعداد الكبيرة من معتقلي حركة "حماس" وباقي الفصائل وعلى رأسهم شيخ الانتفاضة المجاهد/ أحمد ياسين، وما يعانونه من تعذيب وظروف صحية واجتماعية ونفسية صعبة داخل المعتقلات والسجون الصهيونية هاجساً سيطر على تفكير الشهيد منذ أن تولى مسئولية العمليات في منطقة الخليل.
ولهذا الغرض شرع القائد (عماد عقل) بالتخطيط لأسر جندي من جيش الاحتلال أو أكثر واستخدام هؤلاء الأسرى كرهائن من أجل مبادلتهم بأبطال حماس وكتائب القسام المعتقلين ، فطلب من مساعديه في وقت لاحق إيجاد مغارة كبيرة مناسبة في التلال المجاورة لمدينة الخليل تصلح أن تكون مكاناً آمناً حتى يمكن إخفاء الجنود الأسرى فيها.
وعندما تم ترتيب أمر المغارة ، بدأ تدريب الشباب الذين تم فرزهم من بين صفوف نشطاء الحركة على السلاح وتنظيمهم في إطار كتائب القسام باسم (مجموعة شهداء الأقصى)، وبهذه المجموعة المجاهدة، مضى الشهيد القائد في ثبات وتفاعل رغم كثرة التبعات وجسامة التحديات ولسان حاله يصرخ لن أترك أحفاد القردة والخنازير آمنين يعبثون ويفسدون، وإذا كان (عماد) في موقع قيادي إلا أن ذلك لم يحل دون مشاركته في العمليات العسكرية الجريئة التي نفذتها مجموعة شهداء الأقصى تخطيطاً وتنفيذاً.
عمليات القائد في الخليل
ففي الحادي والعشرين من تشرين أول/أكتوبر 1992م، هاجمت مجموعة الشهيد القائد بالأسلحة الرشاشة سيارة (رينو 5) عسكرية كانت تسير على طريق الظاهرية باتجاه مدينة الخليل حيث قامت السيارة التي أقلت (عماد) وإخوانه بإطلاق النار من البنادق الرشاشة على السيارة بعد الاقتراب منها مما أدى إلى إصابة جميع ركابها بإصابات مختلفة.
بعد أربعة أيام من هذه العملية البطولية، نفّذ الشهيد القائد رحمه الله بالاشتراك مع اثنين من إخوانه عمليته العسكرية الثانية في منطقة الخليل والتي وصفها أحد ضباط القيادة في جيش الاحتلال بأنها من أجرأ العمليات التي استهدفت المواقع العسكرية الصهيونية في الضفة، إذ اقترب (عماد عقل وهارون ناصر الدين) من معسكر جيش الاحتلال القريب من (الحرم الإبراهيمي الشريف)، وعلى بُعد ثلاثين متراً من الجنديين الذين كانا يتوليان الحراسـة بدأ البطلان بإطلاق النار من أسلحتهما الرشاشة دون أن يتمكن جنود الاحتلال من الرد عليهما أو تعقبهما عند انسحابهما في السيارة التي كانت تنتظرهما.
اعترف الناطق العسكري الصهيوني في وقت لاحق بمقتل ضابط صف لم تنقذه واقية الرصاص التي كان يرتيديها في حين أصيب الجندي الثاني بجروح خطيرة.
في ضوء هذا النشاط الملحوظ الذي طرأ في الضفة ومنطقة الخليل بالذات في أعقاب سلسلة العمليات العسكرية الناجحة (لكتائب الشهيد عز الدين القسام)، نشطت فرق جهاز المخابرات الصهيونية (الشاباك) وعملائه في تحركاتهم السرية في محاولة لكشف سر المجموعة التي نفذت هذه العمليات التي وجهت بشكل خاص ضد جنود ودوريات الجيش وجعلت قيادة الاحتلال تعيد النظر في تقليص حجم القوات الصهيونية المنتشرة هناك، ولكن هذه المحاولات باءت بالفشل.
العد التنازلي في الخليل
ذهبت جهود ضباط الشاباك الذين نشروا عملاءَهم بين الجماهير لعلها تأتي بخيط يقود إلى مجموعة (شهداء الأقصى) سدى، واستمر الشهيد القائد رحمه الله ماضياً في جهاده المبارك يخطط وينفذ في همة وحيوية وتفاعل ممتشقاً سلاحه ومنتعلاً حذاءه الرياضي باستمرار ومتابعاً لتحركات العدو ودورياته أولاً بأول.
وفيما هو كذلك جاء قضاء الله وقدره بأن يبدأ العد التنازلي لإقامة الشهيد القائد في مدنية (خليل الرحمن) التي أحبه أهلها وشبابها ممن عرفوه والتقوا به أو سمعوا أحاديثه عن الجهاد وهو يضرب كفاً بكف تعبيراً عن الغيظ الذي يكنه لليهود المحتلين مع حملة الاعتقالات الكبيرة التي استهدفت بشكل أساسي القبض على النواة الصلبة لحركة حماس في المدينة بشكل عام.
اشتد الخناق أكثر على مجموعة (شهداء الأقصى) إثر توصّل المحققين الصهاينة إلى أحد مجاهدي كتائب القسام، فانكشف سر المجموعة واعتقل عدد من مجاهديها في حين تمكن عدد آخر من الاختباء عن أعين ضباط الشاباك والالتحاق بركب المطاردين .
أسفرت التحقيقات التي أجراها جهاز الشاباك بالتعاون مع جيش الاحتلال عن الكشف عن علاقة القائد عماد عقل بمجموعات الخليل ودوره ضمن البناء الهيكلي والتنظيمي للجهاز العسكري في حركة حماس بالضفة مما جعل إقامته صعبة للغاية.
من الخليل عودة إلى غزة
غادر شهيدنا البطل مدينة خليل الرحمن في الثالث والعشرين من تشرين الثاني/نوفمبر عام 1992م، متوجهاً إلى قطاع العز والكرامة حيث استطاع اجتياز كافة الحواجز العسكرية ونقاط التفتيش التي أقامها جيش الاحتلال ودخل عبر بوابة حاجز بيت حانون الذي يربط القطاع بالمناطق المحتلة عام 1948م متخفياً في زي مغتصب صهيوني، وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على جرأة وشجاعة منقطعة النظير ناهيك عن مقدرة فائقة على التأقلم وسرعة البديهة.
لم يكن الوضع في قطاع غزة بأخف وطأة على الشهيد القائد وإخوانه المطاردين، فقد اشتدت الإجراءات الصهيونية وازدادت قساوة في مختلف مدن وقرى ومخيمات القطاع مع التصعيد الجهادي المتميز لكتائب الشهيد عز الدين القسام.
رابين يساوم ...!!!
بعد أن فشلت أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلى جنرال حماس وتصفيته لجأت إلى أسلوب آخر وهو المساومة حيث أن رئيس الوزراء الصهيوني رابين اتصل بأهله وعرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلام على أن يعود بعد ثلاثة سنوات دون أن يقدم إلى المحاكمة فرد بطل الإسلام عماد بقولته: "أن رابين لا يستطيع أن يمنع شاباً قرر أن يموت".
وهكذا أخذ عماد بندقيته وانتظر في ليلة الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 1992م على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة ليردي برصاصه جنديا صهيونيا وبعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير.
وبعد حوالي شهر استطاع أن يصيب اثنين من جنود الصهاينة وفي شهر مارس كانت رصاصاته تخترق أجساد ثلاثة من جنود الاحتلال في جباليا وغرب الشيخ رضوان عند منطقة السودانية.
كان عماد هناك وذلك في 20/3/1993م ليصرع ثلاثة من جنود الاحتلال ثم قفز إلى حي الزيتون ليقتل ثلاثة آخرين ثم كان في الخليل ليصرع جندياً ويجرح آخر وهكذا نفذ عماد خلال عامين من المطاردة عشرات العمليات منها إطلاق نار على الجنود والمغتصبين وخطف العملاء والتحقيق معهم وقتل العديد منهم.
الخروج إلى مصر
مع ازدياد الضغط الذي يشكله وجود عشرات المطاردين دون أن يكون في مقدور مسئوليهم توفير الملجأ الآمن في أعقاب سياسة تدمير المنازل، حينها قررت (قيادة كتائب الشهيد عز الدين القسام) الطلب إلى عدد كبير من هؤلاء المطاردين الاستعداد لمغادرة القطاع وعبور الحدود باتجاه مصر حيث بدأ المجاهدون المطاردون بالخروج على شكل مجموعات صغيرة.
وعندما جاء الدور على الشهيد (عماد عقل) اعتذر عن الخروج بإصرار، فقد كان رحمه الله عازماً على الجهاد حتى الشهادة ، فرفض أن ينسحب من الميدان أو أن يخرج مغادراً الوطن الذي يحبه دون أن يقاتل حتى الرمق الأخير.
وبقي وفياً لقسمه، قسم المؤمنين بالجهاد حلاً وحيداً لتحرير كل فلسطين حتى أكرمه الله بالشهادة، ومما قاله لمسؤوليه الذين عرضوا عليه الخروج تلك العبارة الخالدة: "سأبقى في فلسطين حتى أنال الشهادة وأدخل الجنة، هذا جهاد نصر أو استشهاد"، هكذا ردد الشهيد الشيخ المجاهد عز الدين القسام الذي عبر عن البعد الإسلامي لقضية فلسطين بعد قدومه إلى فلسطين من سوريا في آواخر العشرينيات من هذا القرن.
رحيل القائد
وفي يوم الأَربعاء الموافق 24/11/1993، وَبعد أَن تناوَل القائد طعام الإفطار في حي الشجاعية في منزل الشهيدَين القسامِيين نضال ومحمد فرحات، حاصر عدد كبير من جيش الاحتلال المنزل، فاشتبك معهم وقتل عدداً من الجنود وأصاب آخرين ثم رحل شهيداً.
رحل عماد وهو يفتخر بعضويته في كتائب الشهيد عز الدين القسام، فمضى يسطر بدمه ودماء إخوانه الطاهرة وتضحياتهم الجسيمة أبهى وأنصع الصفحات حتى أفقد العدو صوابه، وارتدت رصاصات الغدر الصهيونية إلى نحور وأكباد المحتلين الغاصبين خلال عشرات الكمائن، وعمليات إطلاق النار على جنود الاحتلال ودوريات جيشه وحرس حدوده التي نفذها وقادها شهيدنا البطل في المنطقة الشمالية من قطاع غزة والتي تشمل مدينة غزة وأحياءها وبيت لاهيا ومخيما جباليا والشاطئ.