النصّ الكامل لكلمة الإمام الخامنئي بتاريخ 21/11/2021 في لقاء مع القيمين على مؤتمر تكريم شهداء محافظة ايلام، وخلال اللقاء أشار قائد الثورة الإسلاميّة إلى أنّ من دعموا صدّام ذاك الذئب الدّمويّ في حربه ضدّ إيران يتبجّحون اليوم بحقوق الإنسان بمنتهى الوقاحة ولفت سماحته إلى أنّ رسالة الشهداء لنا اليوم هي أن لا وجود للخوف واليأس في طريق الله وهم يدعوننا إلى أن لا تزعزعنا وساوس الشيطان، كما أكّد سماحته على أهميّة تسليط الضوء على الشهداء ومختلف الجوانب المرتبطة بهم ضمن الأطر الفنيّة.
بسم الله الرحمن الرحيم،
والحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وآله الطاهرين.
أهلاً وسهلاً بكم، أيها الإخوة والأخوات الأعزاء. أشكركم جزيلاً لأنكم أقمتم هذه الذكرى ونفّذتم هذه الخطوة المفيدة جداً. قبل مجيئي إلى الحسينية شاهدت المعرض. الخدمات المنجزة ممتازة جداً. بالطبع هناك كثير من هذه الأعمال الجانبية والإضافية التي يجب إنجازها ضمن هذه المؤتمرات، وإن شاء الله، تنجحون في تنفيذها.
مميّزات محافظة إيلام
1- رائدة في «الدّفاع المقدّس» وحصن قوّيّ في وجه العدوّ
كانت محافظة إيلام حصناً قوياً خلال «الدفاع المقدس». صحيح أن بعض المدن والمناطق في هذه المحافظة كان يتناوب طرفا الحرب على السيطرة عليها، وفي مرحلة ما كانت بيد المنافقين الخبثاء، لكن هذه المحافظة وقفت مثل الجبل، مثل قمة ميمك التي صعدتُ إليها ورأيتُ فيها عمل مجاهدينا الأعزاء من كثب في وجه العدو الصدامي الخبيث. أولاً لقد تعرّضت [هذه المحافظة] للحرب أبكر من أي مكان آخر في البلاد، كما قال السادة أيضاً. هاجم العدو إيلام قبل أن يهاجم طهران وأماكن أخرى رسمياً. كان أول شهيد هو شنبه إي(2)، كما قال جنابه(3). استشهد في إيلام قبل بدء الحرب، ما يعني أن محافظة إيلام بأكملها من السبّاقين في «الدفاع المقدس».
2- بروز حوادث نادرة النّظير في إيلام من العدوّ البعثيّ
ثم وقعت أحداث نادرة النظير في محافظة إيلام، وللأسف حتى شعبنا لا يعرفها ناهيك بالآخرين والخارج والشعوب الأخرى التي تتوق إلى معرفة أحداث بلدنا. أولئك لا يعلمون شيئاً، وحتى شعبنا ليس لديه علم بكثير من هذه القضايا. إحداها قصف مباراة كرة قدم للشباب سنة 1987 – 12/2/1987 - عندما نظّم هؤلاء الشباب الإيلاميون - فريقين من إيلام - مباراة للاحتفال بالذكرى السابعة لانتصار الثورة الإسلامية، واجتمع عدد من الناس للمشاهدة. حلّقت الطائرة العراقية فوقهم على مسافة قريبة، مع العلم بما كان يجري هنا، وليس مجرد إلقاء قنبلة وإصابة ملعب كرة قدم بالمصادفة! لا، بل مع العلم بما كان يجري، ضربت الطائرة المكان واستشهد عشرة لاعبين والحكم وبعض الأطفال والمتفرجين. هذه ليست حادثة صغيرة، إنها كبيرة. من المناسب التعريف بمثل هذه الأحداث على نطاق عالمي، وأن تُقال ويُكرّرَ ذِكرُها. هذه رسالةُ مظلومية لشهدائنا الرياضيين. كان جُرمهم أنهم نظّموا مباراة من أجل [ذكرى انتصار] الجمهورية الإسلامية والثورة الإسلامية.
تعريف العالم أجمع بجرائم النّظام البعثيّ في محافظة إيلام عبر الفنّ
بالاتكاء على أيّ قوة ارتكب صدام الخبيث مثل هذه الجرائم الصريحة دون رادع؟ مَن الذين كانوا يساندونه؟ الأشخاص أنفسهم الذين ساندوا في ذلك اليوم هذا الذئب المتعطش للدماء يدّعون اليوم حقوق الإنسان، ويرون أنفسهم اليوم الأولياء على حقوق الإنسان في أنحاء العالم كافة! يوجد هذا الكمّ من الوقاحة في عمل هذه القوى! مَن يجب أن يفضحهم؟ من يجب أن يُبيّن هذه الحقائق؟ الفنانون عندنا والكتّاب يتحملون عبئاً ثقيلاً ولديهم مهمة ثقيلة على عاتقهم. لا بدّ من تقديم هذه الأشياء إلى العالم بأطر فنية. ينبغي أن يصنعوا أفلاماً. لذلك، يجب أن يُنتج من قضية الملعب روايات وأفلام وكتب ومذكرات... لا بدّ من هذه الأعمال.
3- وجود عائلات فيها شهداء عدّة
من السمات النادرة النظير لمحافظة إيلام وجود عائلات في هذه المحافظة لديها شهيدان وثلاثة وأربعة وحتى خمسة، وهكذا إلى أن يصل إلى عشرة شهداء، كما قالوا. عائلة واحدة فيها عشرة شهداء وواحدة فيها تسعة وأخرى بثمانية شهداء وعائلات عدة لديها خمسة شهداء وستة! أصلاً هل من السهل قول هذه الأشياء باللسان؟ حتى تخيّل ذلك يذهل الإنسان. إيلام هي كذلك. بعض هذه العائلات حاضرة هنا – كما قالوا، بعض أفراد هذه العائلات حاضرون هنا أيضاً - في هذا الجمع، فأسأل الله أن يشملكم جميعاً برحمته ولطفه، إن شاء الله.
4- الحضور الشّامل للفئات جميعاً
من السّمات الأخرى لإيلام الحضور الشامل للفئات جميعاً... منهم العالم البارز الفاضل المرحوم الشيخ عبد الرحمن حيدري - رحمة الله عليه - الذي كان معنا فوق قمة ميمك أيضاً. عندما جئنا، كان المرحوم الشيخ عبد الرحمن [معنا] في كل مكان. فقد جئتُ إلى إيلام مرات عدة، قبل رئاسة الجمهورية وبعدها، وقد كان حاضراً... كان حاضراً في ساحة الحرب ما دام حيّاً، وكان يحمل السلاح ومستعداً للنزال بالمعنى الحقيقي للكلمة. وكذلك عشائر إيلام المتعددة وأهالي إيلام العاديون، الذين كانوا أهلاً للحرب وحاضرين في الميدان، وعامة الناس كانوا يقاومون أيضاً. لقد قال ذلك أحد السادة. إن [الناس] لم ينزحوا من المدينة. رأيتها بأم عيني في مدينة إيلام. كانت طائرات العدو تأتي في وقت معين وتقصف المدن واحدة تلو أخرى. وفي ذلك الوقت، كانت إيلام مقفرة، ولم يكن هناك أحد. كان الناس يذهبون إلى تلك الصحاري والغابات المحيطة هناك، وعندما ينتهي الأمر، يعودون إلى المدينة. هذا يعني أنّ الخروج من المدينة والعودة إليها أصبح روتيناً يومياً عادياً للناس، لكنهم لم يَهْجروها، ولم يتركوا المحافظة، ولم يغادروا المنازل، بل صمدوا.
5- بروز قدرات النّاس ومواهبهم رغم الضّغوط
ثم تحت هذا القصف وفي هذه الظروف الصعبة، تنشأ نخبة نابغة مثل الشهيد رضائي نجاد(4). الشهيد رضائي نجاد، شهيد العلم، شهيد الطاقة النووية، صاحب تلك الرتبة العلمية لدرجة أن العدو يشعر أن وجود هذا الإنسان مصدر ترقٍّ وتعالٍ للجمهورية الإسلامية فينبغي له التخلص منه. يأتون ويردونه شهيداً أمام زوجته وابنته الصغيرة. هذا العالم الشاب كان قد قضى طفولته في هذا القصف وتلك الظروف الصعبة في إيلام؛ لم يقدر ضغط العدو وضغط الحرب على التقليل من ظهور المواهب بين هؤلاء الناس. هذا مهم جداً. إن أمثال الشهيد رضائي نجاد العزيز، شهداء العلم الذين لديهم مراتب علمية، ولديهم مراتب معنوية أيضاً، والدليل على ذلك الشهادة نفسها، لأن الشهادة لا تُمنح لأحد بثمن رخيص. فهذا [الشخص] الذي استشهد، ومرتبة الشهادة التي مُنحت له، تستلزم مقدمات في وجود الإنسان وباطنه وعمله، ومن دونها لن يُعطى الإنسان هذه المرتبة. كان ذلك العالم الشاب يتمتع بهذا المقام المعنوي حتى صار شهيداً. لا يمكن أن يصير شهيداً دون ذلك.
تجلّي مفهوم الاستشهاد دفاعاً عن حدود العقيدة والأخلاق والهويّة
هناك نقطة مهمة، إذْ يقال أن محافظة إيلام قدّمت ثلاثة آلاف شهيد، والمحافظات الأخرى كلٌّ منها قدّمت كثيراً من الشهداء بالتناسب مع عدد سكانها وأوضاعها. يجب أن ندرك مفهوم الشهادة بصورة صحيحة. في ما يتعلق بمفهوم الاستشهاد، [يجب أن يُفهم أن الشهيد] ليس مجرد ضحية حرب. فهناك كثيرون من الناس في العالم يشاركون في حروب بلادهم ويقتلون، وأيضاً كثيرون منهم يفعلون ذلك مثلاً للدفاع عن الحدود الجغرافية لبلدهم، أي يفعلون هذا بصفتهم أناساً يحبون الوطن ويقدّسونه. بالطبع بعضهم مرتزقة لكن هناك مَن [يُقتلون] تحت هذا العنوان. شهيدنا ليس هكذا. إنّ قضية مناضلنا الذي يدخل ساحة الحرب ويؤدّي به الأمر إلى الشهادة أو الإصابة ليست مجرد دفاع عن الحدود الجغرافية، بل يدخلها دفاعاً عن حدود العقيدة والأخلاق والدين والثقافة والهوية، ودفاعاً عن هذه الحدود المعنوية المهمة. بالطبع الدفاع عن الحدود الجغرافية للبلد هو أيضاً شيء قيّم، ويُحسب قيمة. لكن أين ذلك وأين هذه التوأمة لهذا المعنى مع هذه المعاني الأخرى المهمة والسامية! [قضية] شهدائنا هي كذلك.
ميثاق الشّهداء الصّادق مع الله المتعالي بأرواحهم
إذا أردنا النظر إلى قضية الاستشهاد أبعد من ذلك، فإن شهيدنا هو في الواقع مصداق ومظهر؛ {إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ} (التوبة، 111)، أي يُتاجر بروحه مع الله. هذا هو الشهيد... أو تلك الآية الكريمة: {مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ} (الأحزاب، 23)؛ هؤلاء كانوا صادقين في عهدهم وميثاقهم مع الله المتعالي. هذا هو الشهيد، أيْ قطع العهد مع الله، إبرام صفقة مع الله. لذلك ترون أن المقاتل في ميدان الجهاد في سبيل الله يختلف عن المقاتلين العاديين في العالم. لقد رأى مَن كان منكم في ساحة الحرب في ذلك الوقت، وبالتأكيد شاهدتم وبعضكم قرؤوا في الكتب، أن المقاتل المؤمن في مرحلة «الدفاع المقدس» وكذلك في بعض الخطوط الدفاعية الأخرى، مثل الدفاع عن المقامات المقدسة أو ما شابه، عندما يقاتل في ساحة الحرب، يكون إخلاصه أكبر من الحالة العادية، وتوكّله [على الله] أكثر، وتواضعه أكبر، وحفاظه على الحدود الإلهية أكثر.
إظهار نمط العيش الإسلاميّ عبر سلوك مجاهدينا وشهدائنا
من الشائع في العالم أنه عندما ينتصر جيش في مدينة، يكون النهب والسلب والظلم وما إلى ذلك أمراً طبيعياً عنده، [لكن] هنا كلّا. هنا حتى لو انتصر المقاتل المجاهد في سبيل الله في ساحة المعركة، فإن إخلاصه ومراعاته الحدود الإلهية لن تتضاءل شيئاً، بل ستزداد هذه المراعاة أثناء الانتصار شكراً على النصر. عندما كان مجاهدونا يَأسرون من العدو... هذا العدو نفسه الذي حين يأسر منا كان كأنه يقتل ويُحيي هؤلاء الأسرى مرّات عدة، منذ أخْذهم حتى إدخالهم إلى المخيم حيث يحتجزونهم، من كثرة أذيتهم لهم - واضحٌ ما الذي كانوا يفعلونه بهم في المخيم -، هؤلاء الأشخاص أنفسهم عندما كانوا يقعون في أسرنا، إذا كان أحدهم مصاباً، يقوم مجاهدونا على معالجته، وإذا كان عطشاناً يسقونه ماء، ويعاملونه مثلما يعامل الواحد نفسه. هذه حقاً أشياء مهمة. إن نمط العيش الإسلامي شيء بارز في سلوك مجاهدينا وشهدائنا ولا يمكن تجاهله حقاً. هناك كثير من النقاط المُلهمة في حياة هؤلاء الشهداء وجدير حقاً بالفنّانين لدينا أن يُظهروا صورة فنية عن هذا الوضع للعالم، وأن يقدّموا المقاتل الإيراني إلى العالم ويعرضوه أمام أعين العالم عبر الأعمال الفنية العظيمة.
سماع رسالة الشّهداء والتحرّك بثبات وقوّة وواجبات الشّعب تجاه ذلك
هذا التذكار الذي قدمتموه ينبغي أن يفتح آذاننا على رسالة الشهداء... الشهداء يقولون لنا: {وَيَسْتَبْشِرُونَ بِالَّذِينَ لَمْ يَلْحَقُوا بِهِمْ مِنْ خَلْفِهِمْ أَلَّا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ} (آل عمران، 170). هذا طريق ليس فيه خوف وحزن، فهو طريق الله. على المرء في هذا الطريق أن يكون ثابت الخطوة، وأن يتحرك بقوة، ويجب في هذا الطريق ألّا يتزلزل بوساوس الأعداء. لا بدّ للشعب الإيراني بسماعه رسالة الشهداء أن يزيد من اتحاده واتفاقه ودوافعه وجهوده. هذه هي رسالة الشهداء لنا. ينبغي لمسؤولي الجمهورية الإسلامية عند سماعهم رسالة الشهداء في مراسم إحياء الذكرى هذه أن يشعروا بمسؤولية أكبر تجاه ذلك الأمن الذي وفّره وقدّمه إلينا هؤلاء الشهداء. يجب أن يشعر الجميع بالمسؤولية وأن ننتبه جميعاً إلى أنه دون السعي والكفاح في سبيل الله وتحمّل الكثير من المصاعب، لن يصل أيّ شعب إلى أي مكان. الآن [بالنسبة إلينا] إذا كانت هناك مشقات، فإن تحمّل هذه المشقات سيوصل الشعب الإيراني إلى الذروة والقمة، إن شاء الله.
أسأل الله المتعالي أن يوفقكم ويؤيّدكم جميعاً، إن شاء الله، وأن يشمل شهداء إيلام الأعزاء وشهداء الوطن كلهم برحمته ومغفرته، وأن يحشر الإمام [الخميني] العظيم الذي فتح لنا هذا الطريق وأوجد هذه الهداية العامة في البلاد، أن يحشره مع أوليائه، مع الهداة العظماء في التاريخ: الأنبياء والأئمة المعصومين (ع)، إن شاء الله، وأن يوفقكم، إن شاء الله.
المواضيع التي تحدّث عنها السادة - هذه الاقتراحات والطلبات - بالطبع هي غالباً ضمن عمل الأجهزة التنفيذية، فيجب أن يوصوا بها، وأنتم كذلك تابعوا الموضوع، وإن شاء الله، نحن سوف نوصيهم أيضاً.
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.
الهوامش
1- في بداية هذا اللقاء، ألقى كلمات كلٌّ من حجة الإسلام والمسلمين اللّهيار كريمي تبار (ممثل الولي الفقيه في محافظة إيلام ورئيس مجلس ترسيم سياسات المؤتمر)، والسيد محمد نوذري (محافظ إيلام ورئيس الهيئة التنفيذية للمؤتمر)، والعميد جمال شاكرمي (قائد «حرس الثورة الإسلامية» في محافظة إيلام والأمين العام للمؤتمر).
2- نال الشهيد روح الله شنبه إي مرتبة الشهادة الرفيعة في 11/9/1980 أثناء التصدي لتقدم القوات البعثية في منطقة بهرام آباد الحدودية التابعة لمدينة مهران في وقت لم تكن الحرب المفروضة قد بدأت رسمياً.
3- أحد الذين ألقوا كلماتهم قبل بدء كلمة الإمام الخامنئي.
4- الشهيد داريوش رضائي نجاد، وقد اغتيل أمام منزله في 23/7/2011.
المصدر: موقع الإمام الخامنئي