لطيفة الحسيني
التعمّم: مصطلح حوزوي يعني ارتداء طالب الدين العمامة
في غمرة كلّ الصخب حولنا، ثمّة ما هو أسمى من المادّيات. هناك حيث الدين السَمْح وحده اللغة، مُعتنقوه متفرّغون له، لقيمِه، لأصوله، لا غفلة تُغرّبهم عن وحي الله وعلومه. هم طلبةٌ سلكوا دربًا مُنفردًا، اختاروا التعمّق في الشريعة الاسلامية وانتهاجها حياةً.
بعد عشر سنوات من الحرث والزرع، أنهى 8 طلاب من حوزة الإمام المنتظر (عج) في بعلبك علومهم الدينية، حان موعد اعتمار عمامة أهل البيت (ع). هي قمّة الغبطة بالنسبة لهم، تُعادل الأحلام، فكيف بكفَّيّ قائد هاشمي محمّدي جليل تثبّتها على رؤوس دعاة عقيدة وإيمان.
إنه الحادي عشر من كانون الأول/الرابع عشر من ربيع الآخر 1441 هجري، "ميقات" التتويج. 8 خريجين من مرحلة السطوح العليا في حوزة المنتظر (عج) في ضيافة الأمين العام لحزب الله. "الصرح" الديني كان قد تبلّغ موافقة السيد حسن نصر الله على رعاية "جلسة" تخريج طلابه شخصيًا فتحدّد يوم الأربعاء الماضي. تهيّأت الحوزة وأبناؤها. حانت الساعة، استُدعي الجميع طلابًا وأساتذةً الى إحدى القاعات التي يسمح وضع السيد الأمني بالحضور فيها. التأمَ جَمْع الحاضرين، الظرف والمناسبة استثنائيان، وصل "راعي الحفل". ارتباكٌ أمام هيْبة "الأمين"، لحظاتٌ من الذهول سرعان ما انعكست انشراحًا مع مصافحة سماحته لثلّة الطلاب والمدرّسين فردًا فردًا ومعانقتهم بحفاوة بينما كان يُعرّفهم إليه مدير الحوزة الداخلي للشؤون الادارية الشيخ بلال عواضة.
برنامج الحفل محدودٌ بالوقت، انطلقت الجلسة. آياتٌ من الذكر الحكيم بصوت الطالب الشيخ محمد أمهز، وترحيبٌ من رئيس الهيئة الشرعية لحزب الله الشيخ محمد يزبك بالحاضرين وشُكرٌ لسماحته على احتضانه الخريجين للسنة الثالثة على التوالي، ثمّ بدأ السيد بالكلام. ومن موقعه كطالبٍ "عتيق" في الحوزة التي يخصّها بمكانةٍ تُعيد له أيّام الجهاد الأولى في بعلبك، استهلّ "الأمين" حديثه باستعادة إحدى أهمّ مراحل نشأة حزب الله دينيًا ومقاومةً، الثمانينيات، فقال "للحوزة خصوصيةٌ مُميّزة عندي، ودائمًا عندما يطلب مني الشيخ محمد يزبك رعاية هكذا احتفالات أُبادر سريعًا الى القبول فأنا لا أستطيع رفض ذلك".
توصيات دينية من السيّد للطلاب
بحسب الشيخ محمد أمهز، كلمة السيد انقسمت الى جزأين: الأول عبارة عن توصيات موجّهة الى طلبة العلوم الدينية، شدّد فيها على "أننا بحاجة اليوم الى بصيرة رجال الدين وخاصة عند طلاب العلوم الدينية مصحوبة بالتقوى بشكل خاصّ"، ورأى أن "هدفنا كرجال دين وطلاب على حدّ سواء أن نكون مع جميع الطبقات الاجتماعية وليس فئة دون أخرى".
السيد استعرض تجربته عندما كان طالبًا في حوزة النجف الأشرف وذكرياته مع الشيخ أحمد الشيخ الذي كان زميلًا وصديقًا له على مقاعد الدراسة الدينية، فروى بشكل مُسهب الظروف الصعبة جدًا التي عاشها في العراق أيّام النظام البعثي، حينها كان بعمر الـ18 عامًا تقريبًا. هي أوضاعٌ خطيرة كان يتعرّض لها طلبة العلوم الدينية، الذين كانوا يواجهون احتمال تصفيتهم أو قتلهم أو حتى خطفهم. في تلك المرحلة، ضاعف البعثيون استهدافهم لطلبة الحوزات وسماحته كان واحدًا منهم، وصلت الأمور الى طريق مسدود، حتى بات دون مأوى، فاضطرّ الى مغادرة المنطقة والعودة الى لبنان، غير أن عراقيل عدّة وقفت بوجهه ولا سيّما أنه حين دخل الى العراق لم يختم موظّف الجوازات على جواز سفره بما يُثبت وصوله بطريقة قانونية، إلّا أن مُعجزة إلهية حالت دون تأزيم الوضع، فإدارة الجوزات لم تتنبّه لذلك واستطاع سماحته وإخوانه الرجوع الى بلدهم سالمين.
سرد هذه القصة المؤّثرة من قبل سماحته لم يكن عبثيًا، وفق الشيخ محمد أمهز، هو أراد ضرْب مثلِ معاناته هذه من أجل حثّنا كطلاب علوم دينية ومُعمّمين على التوكّل على الله في المِحن قبل الرخاء، لمتابعة طريق الهدى حتى النهاية وتحمّل المصاعب فلا شيء يستطيع أن يوقف مسيرتنا الدراسية، أكان ظرفًا أمنيًا أم سياسيًا.
السيّد عن الشأن الداخلي اللبناني: علينا بالصبر
في الجزء الثاني من كلمة السيد التي امتدّت لنحو ساعتين متواصلتين، تطرق الى الشأن اللبناني الداخلي ولا سيّما في ظلّ ما يشهده لبنان منذ أكثر من 50 يومًا، فشدّد على أنه قد نمرّ بأوضاع اقتصادية عسيرة لكن هذا يحتاج منا صبرًا وبُعد نظر وتحمّلًا، وأضاف "نحن لطالما اعتدنا على إمداد الله لنا في الظروف الصعبة.. اعتمادنا على الله، وعلى الجميع أن يقوم بتكاليفه كلٌّ من حيث موقعيته، والاتكال على الله".
لا سطحيات في الجلسة
يقول الشيخ أمهز: "مُجالسة السيد تأسر، لا شيء يستطيع تشتيت انتباهنا في محضره"، ويضيف: "أجواء الألفة والمحبة طغت على المناسبة التي كانت أبعد ما يكون عن أجواء العسكر والجدية المفرطة". غير أنه يستدرك قائلًا "حاولنا الاستفادة من وقتنا مع سماحته بعيدًا عن أخبار الأكل والشرب، فالجلسة تحملنا الى ما هو أعمق وأبعد.. لا مكان هنا للسطحيات".
"الأمين" مُنظّم للصور أيضًا..
ذروة المناسبة دنت، إنها ساعة اعتمار العمائم. أسماء الخريجين كانت ممهورة على كلّ عمامة. المشهد حُفظ وصوّر، غير أن السيّد حرص على تنظيم عملية التصوير بنفسه، أعطى ملاحظاته وتوجيهاته لكيفية التقاط الصور ومن أيّة زاوية حتى بدا كأنه خبير حقيقي، يقول الشيخ أمهز.
محدّثنا يتوقّف جيّدًا عند تلك اللحظة، يصفها بـ"المؤثّرة والأخّاذة التي تفوق أيّ قدسية، لكنها ممزوجة بالاضطراب والخوف من المسؤولية الملقاة على عاتق المُعمّمين الجدد".
لعدم إهمال قراءة القرآن..
للسيّد إرشادات جمّة خصّ بها الخريجين، لكنّ وصية مميّزة وجّهها للشيخ محمد أمهز، باعتباره قارئًا وحافظًا للقرآن الكريم. سماحته نصحه بالمواظبة على قراءة القرآن على الدوام، وقال له تحديدًا "عمامتُك بالنسبة لي مشروطة بالاستمرار بقراءة القرآن، خاصة أن بعض رجال الدين يُهملون هذا الجانب بعد تعميمهم.. علينا أن نثابر ونعمل في هذا الاتجاه، بحيث لا يكون التركيز منصبًا على الخطابة الحسينية فقط".
ثلاثُ ساعات من الأنس قضاها طلبة العلوم الدينية مع السيد نصر الله، فاضت بها مشاعر الورع والتقوى واختلطت بقيم التعبّد والطاعة للمولى والإخلاص لخطّ رسوله. بالنسبة الى الجمْع، بدا راعي المناسبة صلبًا لكن متواضعًا، مُحصّنًا لكن زاهدًا، تنطبق عليه الآية الكريمة "أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ".
فيما يلي أسماء الطلبة المتخرجين:
الشيخ حسن النمر.
الشيخ حسين النمر.
الشيخ حسن البابا.
الشيخ خليل ياسين.
الشيخ عباس شلهوب.
الشيخ عباس صادق.
الشيخ محمد امهز.
الشيخ محمد الاحمد.