فاطمة سلامة
لا يمكن أن تمر المقابلة مع السيد جواد نجل الأمين العام لحزب الله سماحة السيد حسن نصرالله دون سؤاله عن أبيه. لطالما تعلّقنا بالكثير من التفاصيل التي تحيط بالسيد. قوة الشخصية والحضور والكاريزما التي يتمتع بها هذا الرجل الاستثنائي -الذي نراه خلف الشاشة- تجعلنا تواقين لمعرفة الوجه الآخر الذي يمتلكه. غالبا ما يخطر في بالنا الكثير من الأسئلة، واذا صادف أن كُشفت أي معلومة عن حياة سماحته الخاصة تصبح "حديث الساعة" بالنسبة الينا. ولا شك أن الكتابة عن الوجه الآخر لسماحة السيد من أروع الكتابات. طبعاً لا مبالغة في هذا الكلام. فمن منا لا يسأل نفسه مرات ومرات عن الوجه الآخر لهذه الشخصية القيادية؟ من لا يتعطش لمعرفة أي تفصيل عن حياتها؟.
وفي غمرة الحديث عن السيد، تسيطر عليك الحماسة، ويتملكك الفضول. تزدحم في مخيلتك الكثير من الاسئلة التي تتمنى أن يتسع الوقت للاجابة عنها. بطبيعة الحال، المتحدث نجله، في الأمر فرصة. لا شك تجمعه به الكثير من المواقف. في حضرة السيد تغلب عليك سمة الجشع، تبدو "طميعاً" كما يقولون. كلما عرفت أمراً تسأل هل من مزيد؟ كيف لا وأنت تغوص في شخصية قلّ نظيرها في التاريخ؟ يطول الوقت لكنه يمر عليك كالسيف، لا ملل في حضرة السيد الأب والرفيق والسند والقائد، وجواد "مسترسل" في الحديث عن أبيه النموذجي بشغف ولهفة وتفاعل. كيف لا وهو القدوة والمثال؟!.
حدّثنا عن الوجه الآخر لسماحة السيد. عبارة قلناها للسيد جواد، سُرعان ما انهالت بعدها الأحاديث عن الأب الرشيد والرؤوف، والحليم. عادةً عندما يُسأل الابن عن أبيه يتحدّث بشغف ومحبة، فكيف اذا كان الأب السيد حسن؟!. يحار جواد من أين يبدأ بالكلام، فالسيد "كتلة" من الأخلاق والإنسانية. يحمل صفة الانسان بكل ما تحمل هذه الكلمة من معنى. ولدى محاولته وصف أبيه، يحاول جواد انتقاء عباراته جيداً. في الجانب الأبوي، تراه "يسترسل" الى أقصى الحدود. فالسيد عطوف يحمل كل صفات الأبوة الحقيقية. وفي الجانب الشخصي، يمتلك سحراً وأسلوب اقناع "رهيبًا". يكفي أن ينظر الينا. للسيد هواية محبّبة على قلبه يمارسها دوماً، وللسيد أيضاً نظرته الخاصة في تربية الأحفاد.
في حضرة العائلة..السيد في عالم آخر
يحب سماحة السيد العائلة كثيراً، لكنّه عودنا دائماً على الاشتياق، نظراً لطبيعة عمله القيادية، يقول جواد الذي يتحدّث عن الجلسات العائلية التي تجمع السيد بزوجته وأولاده والأحفاد. في هذه الجلسات، يكون السيد في عالم آخر. نحرص على عدم سؤاله عن "الشغل" والسياسة. أكثر موضوع نسأله عنه، هو عن صاحب الزمان (عج) وحركة الظهور. يتحدّث جواد عن علاقة السيد الزوج، لطالما شكّل مع والدتي الثنائي النموذج المميّز والمثالي بالنسبة لنا نحن الأبناء. احترام ليس بعده احترام، أدب ولياقة في المخاطبة. نشأنا على هذا الأمر ولا زلنا حتى اليوم لا نرى غيره.
أحياناً، يسترجع والدي ذكريات طفولته عندما كانت الألعاب مختلفة كلياً عن اليوم. البساطة كانت تغلب عليها من قبيل لعبة كرة القدم، حيث كانت أرض الملعب لا تزال رملاً، والمرمى مصنوعاً من الخشب، ويعمدون الى كتابة الأرقام بالطلاء على "الكنزات". تلك البساطة في ذلك الزمن الجميل كانت تدخل الفرحة والسرور الى قلوب الأطفال، رغم أن الحال لم يكن ميسوراً بالقدر الكافي، عكس هذه الأيام حيث جيل "الايبادات" والألعاب الذكية.
كما يروي لنا أحياناً ـ يتابع جواد ـ عن الفترة التي قضاها في العراق، وبعلبك. فالوالد ومنذ عمر الستة عشر عاماً بدأ رحلة زاخرة من الحوزة الى العمل الإسلامي الى المسؤوليات داخل المقاومة حتى تقلّد منصب الأمين العام لحزب الله. وفيما يتعلّق بالمرحلة التي قضاها في المدرسة، نكتشف من خلال الأحاديث كم كان محبوباً هناك.
الوالد الرشيد والرؤوف
لا تخلو "القعدات" مع السيد من الوصايا الجميلة. صحيح أن الوالدة تولّت جزءاً مهماً من تربيتنا، إلا أنّ وصايا الوالد الرؤوف والحنون والحليم والعاطفي لطالما كانت حاضرة على الدوام. منذ الصغر هناك بعض الأمور تشكّل خطوطاً حمراء بالنسبة لأبي، يقول جواد. ممنوع التدخل في خصوصيات الناس، أو التعدي على حقوق الآخرين المادية والمعنوية. إياكم ثم إياكم أن تتدخّلوا في خصوصيات الناس أو استغابتهم أو نشر الفتنة. "اللصوصية" على الناس ممنوعة. الأهم ثم الأهم وفق السيد احترام الناس بكل ما تحمله هذه الكلمة من معنى. ومن أهم الأمور التي أوصانا بها أن لا نكذب على الناس. لهذا الأمر -إن حصل لا سمح الله والحمد لله لم يحصل- حساب آخر ليس مادياً طبعاً، يكفي أن ينظر الينا. وهنا يلفت السيد جواد الى أنّ سماحته يمتلك خاصية "كظم الغيظ" لدرجة كبيرة، فعندما يستاء أو يتضايق من أمر لا تسمع منه كلمة، يمتلك قدرة على التحكم بنفسه "رهيبة". باختصار، يمكن وصفه بجبل الصبر الممسك بزمام الأمور.
أسلوب إقناع رهيب!
للسيد أسلوب إقناع رهيب. لا يقول ممنوع فقط لمجرّد القول. دائماً الحجة والبرهان جاهزان. هذا الأمر جعلنا نفهم ما يريده من إشارة، فعندما كنا صغاراً كنا بمجرّد أن ينظر الينا نفهم ما يريد، يقول جواد. لا أتذكر أنّه تدخّل مرّة ليتدخل فقط. بالعكس، كان يتدخّل بكل حب وعطف ومرونة وسلاسة، فعندما لا تعجبه مثلاً "تسريحة شعر" أحدنا أو "موديل" ثياب، يقنعنا بأسلوبه المميّز أنّ هذه التسريحة غير لائقة "لابن بيت" يحرص على التربية. السيد لا يستخدم الوعيد أبداً، يحدّثنا بكل "رواق" ومرونة، فنجد أنفسنا ذاهبين الى حيث يريد تلقائياً بكل حب ورضى. ولا أذكر أنّ والدي منعنا في يوم من الأيام عن أمر تعسفاً. دائماً، الحجة جاهزة، الإقناع موجود. وجهة نظره دائماً راجحة.
مرجعنا في الاستشارات
عندما يتحدّث السيد جواد عن الوالد المرجع، يُشير الى الأفق الواسع الذي يمتلكه، والعلم والمنطق الذي يناقش به الأمور. بتفاعل كبير وحماسة يقارب هذه المسألة. نحرص على استشارته دائماً، وهو الذي يمتلك سحراً رهيباً وكيمياء قلّ نظيرها.الأغلب يستشير أباه فكيف اذا كان لديه أبا "نموذجياً" يمتلك هذه الرؤية الثاقبة والحكمة؟!. لطالما قلت لأبي -يتابع جواد- عندما يقول لي إنني مخيّر في أمر ما "أنت بجانبي وتمتلك كل هذه الصفات، فهل من الحكمة أن لا أستشيرك؟!". أمير المؤمنين (ع) يقول "من شاور الرجال شاركها في عقولها". أحياناً "أقدّر بعض الأمور على أنها مناسبة، ورغم ذلك أستشيره". يضرب لنا جواد بعض الأمثلة التي تُشير بما لا يقبل الشك الى حكمة ونباهة السيد وقدرته على استشراف المستقبل. في أكثر من مرة استشرته، قال لي "لا تتصرف بهذه الكيفية". بطبيعة الحال سرتُ معه بلا تردد، ويشهد الله أنه بعد سنوات طويلة، وفي أحد المواقف بعد عشر سنوات اكتشفت نظرة والدي الدقيقة التي لم تخب.
بعيد الأفق
ويلفت جواد الى أنّ السيد حسن لا يُعطي رأيه بالأمر الفلاني فقط، بل يعمد الى إعطائنا التبريرات، حتى بتُّ أعشق الاستماع الى "التعليلات" التي يسوقها الينا، نظراً لامتلاكه أسلوباً رهيباً في الإقناع. وما يُميّز سماحته بُعد الأفق الواسع جداً الذي يمتلكه. بعض التفاصيل نحُد فيها أنفسنا بمترين مربعين مثلاً، وعندما نستشيره نتعجّب من الطريقة التي فكّرنا بها. ترانا نفكّر بأمر نقطوي، وتراه يوسّع البيكار خلال مقاربته الأمور ليصل الى حدود الدنيا. بما معناه، مهما كبرت المشكلة، يعمل على تحليلها وتصغيرها لنكتشف أنها لا شيء.
يتوسّع جواد في الحديث عن بعد الأفق الرهيب الذي يتميّز به السيد. فأحياناً مثلاَ أستمع الى الأخبار وأقرأ الصحف، فأكتسب انطباعاً معيناً. أعمد لاحقاً الى سؤاله عن حقيقة الأمور، فتبدو مختلفة كلياً عما سمعناه من بعض التقارير. في الفترة الأخيرة بت أحرص على سؤاله عن حقيقة الأخبار التي تُنشر. حتى الأخبار المتداولة في الشارع أسأله عن ماهيتها. يستاء جداً من بعض الأخبار التي تقوم على "هتك" الآخرين بلا ذنب. دائماً يقول لي " علينا أن نأخذ الناس الى الجنة، الرسول أتى ليوصل الناس الى رحمة الله. تلك الرحمة الواسعة. وليس المطلوب مني إذا ما قام أحدهم بارتكاب خطأ ما أن أدفعه أكثر الى التهلكة، لا بل على العكس من ذلك، إذا كان بمقدوري "نشله" من المعصية فلذلك آثار إيجابية لا تنعكس فقط عليه بل على عائلته بأكملها".
وصاياه الدائمة لنا
لطالما شكّل الجانب العبادي بالنسبة لأبي حيّزاً كبيراً في تربيتنا. منذ الصغر كان السيد حريصاً جداً على تعريفنا بالله، وشدنا اليه. تراه يستخدم أسلوب الترهيب والترغيب دون أن يُخيفنا من الخالق. يُحصي لنا نعم الله، ليوصلنا الى واقع يستوجب شكرانه. يُقرّب لنا الأمور بطرق محبّبة، فيقول لنا مثلاً "الله الذي أعطانا كل هذه النعم وخلقنا في أحسن تقويم، فإنّ أقل موجبات الشكر له هي هذه الصلاة عمود الدين، وهي بطبيعة الحال لكم وليست له، وفيها الكثير من الأثر المعنوي والدنيوي والأخروي". يستشهد سماحته بأحاديث للرسول (ص) للدلالة على أهميتها في غسل الروح. في إحدى المرات عام 1993 جمعنا وقال لنا سأقول لكم شيئاً عن الصلاة لمرة واحدة في العمر، فأشار الى أن الله سبحانه وتعالى خلق الجنة والنار، وأنتم تمتلكون عقلاً للاختيار في أي درب تسلكون. لا أجبركم على شيء، فقط أقول لكم "إذا أردتم الجنة ورضى الله، فعليكم بالحفاظ على الصلاة التي تنجيكم من الهلاك". "العبادة يا أولادي رهن بإرادتكم". منذ ذلك الحين ـ يقول جواد ـ رسخت أهمية الصلاة في عقلنا ووجداننا ـ رغم أننا لم نكن "مكلّفين" حينها ـ لكنّ الأسلوب الذكي والمحبّب الذي اتبعه أبي أثمر هذه النتيجة.
رضى الله المعيار..والمداراة نصف العقل
يجب أن يُشكّل رضى الله عزّ وجل المعيار لأي عمل نقوم به. هذه العبارة ربانا الوالد عليها. برأي سماحته، المعاملة مع الله ليست فقط حلالًا وحرامًا، المعاملة مع الله تمتد لتصل حد إعانة الناس على الدين. نحن الآدميون عبارة عن إحساس وروح، علينا بمداراة الناس قدر الامكان، فلا نتعالى عليهم. السيد يحرص دائماً، ومن ضمن وصاياه أن لا يتميّز أولاده عن "الشباب". فمثلاً لطالما أوصاني -يقول جواد- باقتناء سيارة تواسي حال الشباب، على اعتبار أني لست أفضل منهم. مدارة الناس بالنسبة للسيد واجبة، على الدوام يذكّرنا بحديث للرسول (ص) "أمرني ربّي بمداراة الناس، كما أمرني بأداء الفرائض".
المطالعة هوايته..و"العهد" فريقه المفضّل
ما هواية السيد المفضّلة؟، يجيب جواد بلا تردد "القراءة". لم أجد أسرع من والدي في هذه الهواية. أنا شخصياً سريع لكنني لا أمتلك 10 بالمئة من سرعة أبي. السيد يقرأ ويفهم ويحفظ من المرة الأولى. يبدو سماحته -وفق جواد- أقرب الى تقنية scanning and skimming أو ما يعرف باللغة العربية بـ"المسح والقشط"، وهي قراءة تقوم على التقنيات التي تستخدم حركة العين السريعة والكلمات الرئيسية للتنقل بسرعة عبر النص، بمعنى القيام بقراءة سريعة للحصول على نظرة عامة للمادة. فالسيد يتخطى كل المراحل ويستطيع من خلال القراءة الأولية "فرم" الكتاب.
وفيما يتعلّق بنوعية الكتب، فلا نوع محدّداً. كل فترة يختار سماحته نوعاً معيناً. فمثلاً بعد عام 2000 أذكر أنه عمد الى قراءة كل ما يتعلّق بالامام علي (ع). لديه قدرة على الحفظ رهيبة. ومن كثرة تعلّقه بالثقافة وحرصه على معرفة شيء من كل شيء، طلب في إحدى المرات كُتب عمتي المرحومة زكية التي درست إدارة مالية ومحاسبة في الجامعة العربية لقراءتها.
وباستطاعة سماحته القيام بمهام متعدّدة -تحتاج الى تركيز- في آن واحد. أتذكّر أيام التحرير مثلاً، صادف أن شاهدت متابعاته في الوقت المتواجد به في المنزل. تراه
يقرأ تقريراً بين يديه، يتحدّث على الهاتف، ينظر بعينيه اليك والى الشريط الإخباري على التلفزيون، فعلاً السيد رهيب، يقول جواد.
ولتوصيف مدى حبّه ونهمه للقراءة والمطالعة، يروي لنا جواد موقفًا صغيرًا. في إحدى المرات، قبل الحرب مازحته، وقلت له: "اذا بجيب كومة كتب كبيرة ومقابلها كومة أموال ماذا تأخذ منها؟". قال لي بلا تردد "أكيد الكتب"، قلت له لماذا لا تختار الأموال؟، قال لي "لأنها كومة "ورق" تذهب وتأتي ولا تنفعني، بينما الكتب هم ذخيرة بالنسبة لي".
وهنا يُشير جواد الى أنّ ثلاثة أمور لا يكترث لهم الوالد كثيراً. الطعام، اللبس، والأموال.
فالسيد ليس متطلباً في الطعام، يمتلك سماحته، خاصية الزهد. ولا يكترث للأموال، ففي الكثير من المرات ينسى أين وضع ظرف "المعاش".
من المطالعة ينتقل جواد الى لعبة "كرة القدم". يتابع السيد المباريات من "بعيد لبعيد"، وكلما سنح له وقته. ما فريق السيد المفضّل؟. يجيبنا بالإشارة الى أنّ السيد يشجّع فريق "العهد" الرياضي. كلنا في العائلة نشجّع النادي الأصفر منذ أن عُرف بنجمة العهد الجديد حتى اليوم.
ويشير جواد الى أنّ قضايا الأمة لا تغيب عن بال السيد في أي موقف كان. ففي إحدى السنوات تابعت ووالدي إحدى مباريات كأس العالم. فسألني هذان الفريقان لأي دولة يتبعان؟ أجبته، فقال لي أنا مع هذا الفريق ذي البشرة السمراء، بمواجهة الفريق الآخر الذي ينتمي الى دولة تشجّع اتفاقية "أوسلو". طبعاً، بالمبدأ العام فإن السيد معروف بتشجيعه البرازيل، يقول جواد.
في تربية الأحفاد.."إياكم والضرب"
بموضوع تربية الأطفال، يحرص السيد جداً على إكسابهم جميع الخصال الحسنة، وعلينا أن نعامل كل طفل حسب عمره. يوصينا دائماً بضرورة أن نحسن تربية أطفالنا وتحسين سلوكياتهم، ولكن إياكم واستخدام "أسلوب الضرب". دائماً يردّد هذه الوصية. وفي الموضوع الديني، علينا أن نُحبّب أطفالنا في الدين لا أن ننفّرهم منه. علينا أن نبدي ليناً في مكان وشدّة "رحيمة" في مكان آخر، مع الحرص على استخدام الأساليب المحببة لترسيخ أصول الدين في عقل ووجدان أطفالنا.
كما يدعونا دائماً الى إطالة البال، وسعة الصدر، والتعامل مع الأطفال بالتي هي أحسن. على سبيل المثال، حتى ولو لم يحصل أي طفل على علامة جيدة في مادة محددة خلال العام الدراسي، علينا أن نتكلّم معه بالأسلوب الحسن، وليس المطلوب منّا أن "نضربه" لا سمح الله أو نهينه. فمن الممكن أنه يهوى مواد معينة. كما يوصينا دائماً بعدم استخدام "الكذب" لا سمح الله، وأن نكون صادقين مع أولادنا حتى الرمق الأخير، حتى ولو من باب الهروب من أمر ما. هذا الأمر مرفوض وهذه السمة تضرب صورة الوالدين عند الآبناء، والحمد لله في هذا الأمر لسنا موضع ابتلاء فالوالد والوالدة علمانا الصدق ثم الصدق ثم الصدق.
وفيما يتعلّق باللعب، يحثنا والدي على أن نعطي أطفالنا حقهم في هذا الأمر، وأن لا نحجز حريتهم. للسيد 11 حفيدًا، عندما نجتمع تسمع الضجيج العالي كأي منزل فيه أولاد، ولكن أحداً منّا نحن الأهالي لا يرفع صوته على طفل. السيد يوصينا دائماً بأن نتركهم يلعبون براحتهم. وعندما يتشاجر أي طفل مع الآخر، يقول السيد على سبيل المزاح، "أترون هذا الشجار بين هذين الطفلين؟ هذا حال الدنيا على صورة مصغّرة".
شكران النعمة
وعندما يُسأل جواد عن شعوره كونه ابن قائد تتمنى الجماهير رؤيته، يبتسم ويقول "أولاً أتمنى أن أكون أهلاً لشكران هذه النعمة، ولطالما سألت نفسي عن الأمر الحسن الذي فعلته حتى كافأني الله بهذا الوالد". وفي المقابل، يتحدّث جواد عن المسؤولية التي تلقى على عاتقه كونه ابن السيد. فأحياناً يجد نفسه في دائرة التهم كذباً وافتراء، والمطلوب منه دائماً التبرير كونه ابن أمين عام حزب الله. يقول "في بعض الأحيان أقرأ مقالات لا أعرف فيها نفسي. يضعوننا في صورة أفكارهم وشياطينهم ويلبسوننا التهم كذباً وافتراء، وفقط لأننا أولاد السيد، أو لأننا ننتمي الى هذا الانسان".
لا يبدو جواد مكترثا مطلقاً لتخليه عن الكثير من الأمور كرمى لعيني أبيه. فعندما نفهم جيداً أنّ العز الذي نحن فيه صُنع بدماء الشهداء، وعندما ننظر الى العائلات التي قدّمت أكثر من ولد ربما، تصغر كل الأمور الدنيوية أمامنا ونخجل لأننا لا نزال على قيد الحياة. يحاول جواد تقريب الفكرة أكثر، فيشير الى أنني لا أستطيع أن أبني حياتي على ظهر أبي، فهو من قدّم لله سبحانه وتعالى، وهو من أخلص لله فردّ له الجميل، وليس أنا. هذا المفهوم يجعلني حريصًا على تعب والدي الذي رباني وعلمني ولم يقصّر تجاهي، والأهم من ذلك أنه عرّفني الله. بعد كل ذلك كيف أرد هذا الجميل بالإساءة أم بالشكر؟!. عندما يقابلنا بكل هذا الإحسان والحب، كيف نبادله؟. فهل يبادل الاحسان إلا بالإحسان؟. يختم جواد.
الحديث عن سماحة السيد يطول ويطول، ويحتاج ربما لأجزاء كثيرة حتى تتم الإحاطة بشخصية امتازت بصفة الانسان بكل جوانبها المشرقة والمضيئة والنموذجية، وبقائد حاضر دوماً في يوميات جمهوره ويعيش بينهم رغم أنهم لا يرونه سوى عبر الشاشة.
وللحديث تتمة، إذ سنتطرّق في الجزء الثاني الى عدة نقاط أبرزها:
-السيد وأشرف الناس
-هكذا يتابع السيد نصر الله وسائل التواصل الاجتماعي
- السر وراء "أعدكم بالنصر دائماً"