لم يكن التصعيد الاميركي ضد ايران مؤخرا بموضوع النفط تصعيداً اقتصادياً فقط، والذي تجلى بدفع السعودية لرفع انتاجها بهدف إغراق السوق وخفض الأسعار، والمترافق مع دعوة أميركية على شكل تحذير، لأكثر من دولة مستوردة للنفط الايراني بوقف هذا الاستيراد، بل يبدو أن هذا التصعيد أخذ منحى عسكرياً خطراً ، ودخل ضمن عناصر المواجهة المفتوحة بين الدولتين، وذلك بعد التهديد الايراني الرسمي والعسكري باغلاق مضيق هرمز ومنع تدفق نفط دول الخليج، فيما لو توقف تدفق النفط الايراني عبره.
اذن ردة الفعل الايرانية العنيفة على هذا التصعيد الاميركي لم تكن ردة فعل على إجراء عادي من اجراءآت روتينية تحدث دائما في عالم التجارة والنفط، بل اعتبرت الاجراء الاقتصادي بمثابة إعلان حرب عليها، وهو تعد على ـمنها القومي وعلى وجودها والمرتبط هنا بأمنها الاقتصادي والمالي. فهل تملك ايران القدرة والامكانية لاقفال مضيق هرمز؟ وهل تستطيع مواجهة نتائج هذا الاقفال، في ظل التواجد والاستتفار العسكري الغربي في المنطقة والخليج، وما هي تداعيات هذا الاجراء وتداعيات ردة الفعل الغربية على ذلك؟
يمكن أن نعتبر أن اقفال مضيق هرمز من قبل ايران ممكن من الناحية العسكرية، في ظل ما تملكه من امكانيات عسكرية لذلك، والتي يمكن تحديدها بالتالي:
- أسراب واسعة من الطائرات بدون طيار، مجهزة بصواريخ موجهة فعالة ومجهزة بمنظومة إلكترونية متطورة للافلات من الصواريخ المضادة.
- شبكة من الألغام البحرية المتعددة الانواع، محلية الصنع، أو الروسية والصينية بنماذجها الاصلية، أو المعدلة ايرانيا؛ ومنها الثابتة المربوطة مع القعر، الجارية المنشورة، العائمة او الغاطسة، ومنها الممغنطة التي تلصق على السفن، من قبل الوحدات الخاصة و عناصر الضفادع البحرية مباشرة، أو التي تلصق بعد إطلاقها عن مسافة قريبة بواسطة قاذفة الغام مختصة بذلك .
- تمتلك غواصات وقوارب متوسطة مجهزة بصواريخ موجهة، وتمتلك قوارب صغيرة سريعة الحركة، مجهزة بقدرات خاصة للتعامل مع القطع البحرية الكبيرة، وهذه تعتبر من الاسلحة والقدرات البحرية التي يصعب مواجهتها، حيث أن مناوراتها تقوم على استخدام عدد كبير منها بنفس الوقت، مع اقترابها من القطع البحرية المعادية بطريقة شبه انتحارية.
- وحدات بحرية خاصة، مدربة على تنفيذ عمليات فردية حساسة، من نشر الغام بحرية بطريقة فجائية الى زرع عبوات بحرية ناسفة بطريقة فورية على مجرى السفن المنتقلة، أو تقوم بلصق عبوات على اجسام السفن وعلى قاعدتها السفلى.
- بالاضافة طبعا للقدرات الايرانية الصاروخية الباليستية المعروفة، والقادرة على التعامل مع القطع البحرية في المضيق أو في محيطه واستهدافها، انطلاقا من قواعدها البرية البعيدة.
اذن، لدى ايران القدرة على اقفال مضيق هرمز أمام الملاحة بشكل كامل، كما أن أي توتر عسكري في المضيق أو قربه، كفيل بامتناع اي شركة نقل بحري عن المخاطرة وإطلاق حاملاتها للنفط، وعمليا يتم عندها إقفال المضيق أمام حركة الملاحة بشكل كامل ولكن ....
من الطبيعي أن الامر لن يقتصر على اقفال المضيق وحسب، بل نتكلم هنا عن تطورات عسكرية سوف تتجاوز المضيق ومحيطه، نتكلم عن مواجهة واسعة بين ايران وتحالف واسع غربي واقليمي، سوف ينشأ حكما وبغطاء أممي يتم تجنيده على وجه السرعة، لمواجهة ايران على خلفية اقفال ممر حيوي في المياه الدولية وأعالي البحار.
هذه التداعيات المنتظرة على خلفية اقفال ايران للمضيق، من الطبيعي أن الأخيرة تتحسب لها، وبرامجها العسكرية كانت دائما تأخذ بعين الاعتبار هذه المواجهة البحرية او الواسعة برا و جوا، لناحية تجاربها الصاروخية الباليستية، أو القدرات العسكرية الاخرى، البحرية و البرية والجوية، كما أن خطط ايران في المدافعة عن حقوقها وسيادتها وأراضيها تشمل أكثر من مناورة، تمتد وتتدرج من استهداف القواعد العسكرية الاميركية او غير الاميركية في الخليج أو أبعد منه، الى إستهداف الكيان الاسرائيلي، والتي ستكون حكما رأس الحربة في المواجهة، مع امكانية تطور المواجهة الى استهداف أهداف استراتيجية خليجية (عسكرية او اقتصادية نفطية) تابعة للدول المنخرطة في العدوان على ايران، والتي هي معروفة.
طبعا، أخذت ايران بعين الاعتبار، عند تهديدها باقفال مضيق هرمز، امكانية تدحرج الامور الى مواجهة خطرة والى حرب واسعة، و كما ذكرنا سابقا، هي كانت دائما تتحسب لذلك عسكريا وتدريبيبا وتصنيعا للاسلحة، وهي تعتبر هذا التهديد الذي هو بمثابة سلاح استراتيجي، فرصة الدفاع الاولى وربما الوحيدة عن حقوقها وسيادتها وأمنها الاقتصادي والاجتماعي والقومي، وبالتالي عن وجودها و بقائها.
وكما كانت ايران دائما ناجحة في إدارة مناورة الدفاع عن حقوقها ووجودها، عبر الديبلوماسية الذكية والتفاوض الحساس أو عبر الرسائل الاستراتيجية الحاسمة، في المناورات والتجارب العسكرية، من الطبيعي انها سوف تخرج من هذه المواجهة والاعتداء وقد حافظت على حقوقها وعلى سيادتها، وفي نفس الوقت تكون قد تقيدت أيضا بالتزاماتها تجاه القوانين الدولية كعادتها.