صحيفة "الأخبار"-محمد نزال
الوقت، قبل الانتخابات النيابيّة، حسّاس جدّاً بالنسبة إلى المرشّحين. هذا صحيح. الصحافة ليست محكمة قضائيّة. هذا صحيح أيضاً. لكن ثمّة أسئلة لا يُسكَت عنها، تتعلّق بأحد المرشَّحين، لا تغدو الانتخابات قبالتها سوى مزحة سمجة: هنا الحديث عن شبهة تعامل تجاري مع إسرائيليين على مستوى عالمي. النص الآتي يُعَدّ بمثابة إخبار للنيابة العامّة التمييزيّة، أو النيابة العامّة الماليّة، إلى القضاء بشكل عام، ولكلّ حادث حديث.
ميشال ضاهر مرشَّح في الانتخابات النيابيّة المقبلة عن المقعد الكاثوليكي في زحلة. ميشال ضاهر مُدّعى عليه مِن جانب النيابة العامّة الماليّة برئاسة القاضي علي إبراهيم، وذلك قبل ترشّحه، بجرائم:
«مخالفة تنظيم مهنة الوساطة الماليّة، مخالفة قانون النقد والتسليف، الاحتيال وإساءة الأمانة مع علمهم بالأمر»، (الادّعاء يشمل ابنه مارك وشركة ماستر كابيتال غروب ش.م.ل). هو صاحب «ماستر تشيبس». قضيّته عالقة حاليّاً أمام قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان، نقولا منصور، الذي حدّد لضاهر جلسة بتاريخ 21 أيار المُقبل (في اليوم الأوّل لدخول النوّاب الجُدد إلى البرلمان بكامل امتيازاتهم، بما في ذلك الحصانة النيابيّة). عموماً، إلى الآن لم يُدنه القضاء، كذلك لم يبرّئه، وبالتالي ما زال يتمتّع بقرينة البراءة (لا شيء قبل صدور حكم قضائي بنصّ مُحدّد، بحسب القانون، يمنع ترشّحه). إلى هنا يبدو المشهد عاديّاً، أقلّه على الطريقة اللبنانيّة. لكن ثمّة ما ليس عاديّاً، في حكاية ضاهر، إذ يوجد ملف آخر أكثر أهميّة، بل أخطر بما لا يُقاس، خلاصته: شبهة شراكة تجاريّة مع أشخاص إسرائيليين، خدموا في الجيش الإسرائيلي طوعاً وحبّاً ورغبة، علناً لا سرّاً، وكذلك شبهة افتتاح فرع إسرائيلي على الأراضي المحتلة لشركة كان ضاهر يملك حصة فيها، ومقرّها المركزي الولايات المتّحدة الأميركيّة. هذا الملف، أي الإسرائيلي، ظهر إثر البحث حول اسم ضاهر، في الخارج، وهو المشهور بقرعه ذات يوم جرس بورصة نيويورك. جاء بحثنا هذا بعدما أثير اسمه أخيراً، في بعض المواقع الإلكترونيّة، على خلفيّة قضيّته أمام القضاء اللبناني. ما الحكاية؟
نيف والفرع الإسرائيلي
مَن هو درو نيف؟
إسرائيلي ــ أميركي ترأس شركة «أف أكس سي أم» (FXCM) في أميركا للتداول بالعملات على الإنترنت (فوركس). تلك الشركة التي كان ضاهر يملك مِنها ما يزيد على 12 في المئة. بدأ ذلك عام 2008. نيف، المذكور، سيظهر إلى جانب ضاهر أثناء قرعه جرس بورصة نيويورك. في عام 2009 افتتح ضاهر فرعاً للشركة في لبنان. في الوقت عينه، تماماً، افتُتح الفرع الإسرائيلي. الفرع الأخير جزء مِن الشركة الأم. الكثير مِن الأسئلة ستحتاج أجوبة هنا. ولد نيف في فلسطين المحتلّة، في حيفا، قبل أن تُهاجر عائلته إلى الولايات المتّحدة الأميركيّة. عاد لاحقاً إلى حيث ولد، ليخدم في الجيش الإسرائيلي طوعاً، في سلاح المدرَّعات تحديداً. بعد ذلك عاد إلى أميركا.
يقول في إحدى مقابلته الصحافيّة: «الكلّ قالوا لي لا تعد إلى إسرائيل للخدمة في الجيش، لكني شعرت بأنّ عليّ فعل ذلك». شقيقته، أورنيت نيف، تدير أنشطة الشركة التي يرأسها خارج أميركا، أي هي المسؤولة عن الفرع الإسرائيلي للشركة، فضلاً عن نشاطها في غرف التداول المالي الإلكتروني في دبي والمنطقة (وبيروت ضمن نشاط الشركة). في مقابلة أخرى لدرو نيف، ردّاً على سؤال إن كانت جنسيّته الإسرائيليّة تُزعج الدول العربيّة، يقول: «إنّها شركة أميركيّة، ولذا فإنّهم لا ينزعجون، كذلك لدينا أحد المستثمرين الكبار مِن لبنان... على أيّ حال، المال هو المهم». يلفت إلى أنّه هو الإسرائيلي الوحيد في الشركة، بينما أكثر الشركاء هم يهود مِن جنسيّات مختلفة، وأحدهم حاخام. الفرع الأمّ للشركة، على الأراضي الأميركيّة، افتضح أمره إثر تحقيقات أجرتها السلطات الماليّة الأميركيّة، أظهرت وجود عمليّات احتيال على الزبائن، ما أدّى إلى إصدار قرار بتجميد عمله مع تغريمه. الفروع الأخرى في العالم ظلّت تعمل، باستثناء فرع لبنان الذي جُمِّدَت أعماله بعد تحقيق أجرته «هيئة الأسواق الماليّة» (التي يرأسها حاكم مصرف لبنان). تزامن هذا التحقيق الأخير مع تضرّر أحد الزبائن، في لبنان، الذي أدّى سعيه في النهاية إلى ادّعاء النيابة العامّة الماليّة على ضاهر. الآن يُمكن القضاء اللبناني ضمّ هذه الأسئلة، أو الشبهات، إلى ملف التحقيق مع ضاهر، أو يُمكن النيابة العامة التمييزيّة، أو الماليّة، عدّها إخباراً والعمل بالمقتضى القانوني.
النيابة العامة تعرف، بالتأكيد، مواد قانون العقوبات في هذا الشأن، فضلاً عن «قانون مقاطعة إسرائيل» الذي يستفيض في تجريم التعامل التجاري، على وجه الخصوص، مع إسرائيليين في أي مكان في العالم. المادّة الأولى مِن القانون الأخير تنصّ على الآتي: «يحظر على كل شخص طبيعي أو معنوي أن يعقد بالذات أو بالواسطة اتفاقاً مع هيئات أو أشخاص مقيمين في إسرائيل، أو منتمين إليها بجنسيتهم، أو يعملون لحسابها أو لمصلحتها، وذلك متى كان موضوع الاتفاق صفقة تجارية أو عمليات مالية أو أي تعامل آخر أيّاً كانت طبيعته، وتعتبر الشركات والمؤسسات الوطنية والأجنبية التي لها مصانع أو فروع تجميع أو توكيلات عامة في إسرائيل في حكم الهيئات والأشخاص المحظور التعامل معهم طبقاً للفقرة السابقة».
وبحسب المادة 7 مِن القانون نفسه، يُعاقب كلّ من يخالف أحكام المادة الأولى بـ«الأشغال الشاقة المؤقتة من ثلاث إلى عشر سنوات (...)». يُشار إلى أنّ هنري شاوول، نجل وزير العدل السابق ورئيس مجلس شورى الدولة السابق، جوزف شاوول، هو أحد شركاء ضاهر في شركته اللبنانيّة، كما يرد اسمه شريكاً أيضاً في الأعمال التجاريّة الخارجيّة (لضاهر الكثير مِن الشركات خارج لبنان، مُسجلة في الجزر العذراء البريطانيّة وجزر كايمان، وتلك مِن الأماكن المشهورة التي يعتقد أنها ملاذات للتهرّب الضريبي). اللافت أنّ أعضاء مجلس إدارة شركة التداول المالي في أميركا (FXCM) عندما يتحدّثون، في مقابلات وتصريحات، عن فروع الشركة في العالم يأتون على ذكر نيويورك ولندن وبرلين وسيدني وباريس وميلان وأثينا وسان فرانسيسكو وهونغ كونغ وطوكيو ودبي وبيروت، مِن غير أن يأتوا غالباً على ذكر الفرع الإسرائيلي، غير أن الحديث عن هذا الفرع يرد باستفاضة في وسائل إعلام إسرائيليّة (جيروزاليم بوست مثلاً)... إضافة إلى تصريحات المسؤولين في المقابلات العبريّة (بعد معاقبة الشركة في أميركا وتغريمها أصبح يتركّز نشاطها في بريطانيا). شريك ضاهر في الشركة الأميركيّة، قبل مغادرته، المدعو كينيث غروسمان، توجّه ــ بتكليفٍ مِن الشركة، بطبيعة الحال ــ إلى القدس المحتلة للاحتفال بافتتاح أول فرع للشركة هناك (2009). في العام التالي، ورد في مقابلة مع ضاهر «أنّ شركة ماستر كابيتال غروب (المُسجّلة في لبنان) هي الذراع الأقليمية لشركة أف إكس سي أم». مسألة أخرى: أسس ضاهر شركة في جزر كايمان، وكان الاتفاق بين شركة «أف إكس سي أم» (يرأس الإسرائيلي ـــ الأميركي درو نيف مجلس إدارتها وهو المفوض بالتوقيع باسمها) وشركة ضاهر (المفوّض بالتوقيع هنري شاوول) بغية تحويل الأرباح إلى الشركة القائمة في جزر كايمان.
«المسار الإسرائيلي»
مألوف في كلّ انتخابات نيابيّة أن تكثر الاتهامات بين المرشّحين. يُمكن هذا أن ينطبق على قضيّة ضاهر، صحيح، كذلك يُمكن الخصوم أن يستغلوا أيّ ثغرة. يبقى هذا ضمن الإطار التقليدي عالميّاً. كذلك صحيح، أيضاً، أنّ ضاهر ليس أوّل مَن يترشّح في انتخابات بظلّ ملفّات قضائيّة عالقة، وهناك سواه في هذه الحالة لبنانيّاً، لكن أن يكون هناك مسائل تتعلق بالعدو الإسرائيلي في الأمر، فهذه مسألة غير تقليديّة. هنا تُصبح الانتخابات النيابيّة برمّتها تفصيلاً عابراً.
أيّاً يكن، فلا يحق لأحد أن يكون محكمة سوى المحكمة. وسائر التفاصيل القضائيّة المتصلة ببعض القضايا المالية للضاهر، هي بيد قاضي التحقيق الأوّل في جبل لبنان. لكن تبقى «شبهة» التعامل التجاري مع إسرائيليين في الخارج، ولدى إسرائيليين على الأراضي المحتلة، مسألة أخرى تماماً. ما أثير هنا هو أسئلة، الصحافة ليست محكمة قضائيّة، لهذا يُنتظر مِن القضاء أخذ هذه المسألة على خطورتها والبتّ فيها. لميشال ضاهر أن يكره الزراعة، وأن لا يرى الحل إلا في الصناعة، فضلاً عن التداول المالي (على ما يقول)... له أن يكون في السياسة هنا أو هناك، له أن يملك ألف شركة وشركة، وأن يتهرّب إذا شاء مِن ضرائب الكوكب في الأنظمة الخارجيّة، وله أن يحصل على كلّ تفّاح لبنان ويعصره، وله أن يُصنّع مع عائلته ما شاء مِن «الكورن فليكس» (بوبينز)، وأن يستورد ما شاء مِن بذور بطاطا هولندا لتصنيع «القرمشة» (كما في الإعلان لعلامة ماستر)، وأن يظل يفعل «الخير» بتنظيم حفلات الزواج الجماعي... لكن، في ظلّ كلّ ذلك، ليس له أن يتوقّع ألا يُبحَث عن اسمه في الخارج، وألا نجد اسمه إلى جانب أسماء إسرائيليّة، ثم لا نطرح الأسئلة، في قضيّة تلقفناها فتقصّينا ووجدنا ما وجدنا... وبالتالي الآن هناك أسئلة ولا بدّ لها مِن أجوبة. ضاهر أرسل إلى «الأخبار» ردّاً على ما أثير بإيجاز في مقال للزميل إبراهيم الأمين («مراجعة مع جبران باسيل»، الاثنين 26 آذار 2018)، جاء فيه: «ينفي المكتب الإعلامي للمرشح ضاهر جملةً وتفصيلاً ما ورد في المقال المتضمن أخباراً كاذبة ومضللة، ولا سيما لجهة وجود شبهة شراكة مع أفراد خدموا في جيش الاحتلال في مؤسسات مالية دولية كبيرة. ويذكّر بأن اختلاق الأخبار المسيئة الهادفة إلى النيل من الشرفاء على مشارف العملية الانتخابية تشكل جرائم القدح والذم وغيرها والمعاقب عليها بموجب القوانين المرعية الإجراء وتسبب إساءة بالغة لمصداقية صحيفتكم». كان ذلك قبل ذكر التفاصيل الواردة أعلاه في هذا التقرير. الآن لدينا تفاصيل هنا، وما ورد سابقاً لم يكن مجرّد تخمين، وبالتالي كلّ هذا السجال يجب أن يكون اليوم لدى القضاء.
اتصلنا لاحقاً بضاهر، وسألناه عن تلك التفاصيل، فأجاب بداية: «أوّل شي أنا منّي عضو مجلس إدارة بالشركة (الأميركيّة)، أنا فتت مع جامعة اسمها يال، وكذلك مع ليمان براذرز، وهيدي الحصّة كانت لشركة اسمها ريفكو، شركة أفلست واشترينا حصّتها مِن المحكمة. بهيديك الفترة أيه في أمركان بالشركة (FXCM)، وأكيد إيه مِن خلفيّة إسرائيليّة، ولكن أنا عم بتعامل كنت مع ناس أمركان. إذا بتشوف اليوم أغلب البنوك بأميركا هي يهوديّة، وبقولوا اليهود هني مسيطرين على المال بالعالم. أنا ما كنت مالك الشركة، أنا عندي 12 بالمية من الشركة». نخبره أن المشكلة ليست في يهودية هؤلاء، بل في إسرائيليّتهم، فيقول: «في شركات أميركية عندها فروع بكل العالم (بما فيه إسرائيل) وفي لبنانيين مساهمين فيها، هيدا منو شرط، ما بدنا نعمل منها قصّة كبيرة». ربما سيكون على القضاء، على المعنيين بالتحقيق، أن يسألوا ضاهر عن هويّة أولئك اللبنانيين (علّ ذلك يفتح أبواباً لا يود البعض فتحها). في مقابلة تلفزيونيّة معه، يُشير ضاهر إلى أنّ نسبة 12 في المئة (مثلاً، كتلك التي كان يمتلكها في الشركة الأميركية) تخوّل صاحبها حق النقض في قرارات الشركات، لذا سألناه: ألم يكن لك حق النقض أو حتى مجرد الاعتراض على افتتاح فرع إسرائيلي؟ أجاب: «هيدي النسبة ما بتخولنا حق النقض، أنا لبناني بقاطع إسرائيل إيه، بس هيدي شركة أميركيّة، وصاحبها من جذور إسرائيليّة. أنا مساهم بـ 40 شركة بالعالم، ويمكن 20 منها فيها يهود أساساً، هيدي أميركا يا عمّي».
عودة إلى اليهود! لكن ماذا عن الفرع الإسرائيلي الذي افتتح عام 2009؟ ألم تكن تكسب من الأرباح الذي يجنيها لكونك تملك في الشركة الأم، وماذا عن مبدأ المشاركة فيه أصلاً؟ يجيب: «أنا قدّمت استقالتي من مجلس الإدارة سنة 2010 (في بداية الحديث معه قال إنه لم يكن عضواً في مجلس الإدارة)، أنا كنت عضو مجلس إدارة، بس أنا واحد من 8 أشخاص. اشتريت حصة عام 2008 وقدمت استقالتي عام 2010 وبعدين في سنة 2012 كنت بعت كل حصتي، وطلعت منها». جواب على غير السؤال. كرّرناه، فجواب مماثل. عندما أجرينا الاتصال بضاهر كان خارج لبنان، كان في روما، هناك «لأن عندي بكرا اجتماع مع قداسة البابا، وسأعود بعد أيّام، يُمكن أن نلتقي لنتحدّث أكثر».