المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

دوما.. وليل أهالي المختطفين الطويل

 


خرجت الدفعة "الأخيرة" من مختطفي سجن "التوبة" السيئ الصيت إلى الحرية، دون أن يطوى هذا الملف من التداول. فعدد المختطفين المحررين الذي أعلن وبشكل رسمي كان أقل بما لا يقارن مع المتوقع والموثق بالأرقام. دموع الأهالي الذين قضوا السنوات الأخيرة من عمرهم في جمع الأدلة والإستقصاء عن مصير أبنائهم، كانت حاضرة قبل أن يفاجؤوا بحافلتين يتيمتين تعبران طريق الحرية الواصل بين معبر مخيم الوافدين وصالة الفيحاء بدمشق، حيث كان اللقاء الذي جمع محررين مع أهاليهم، وأهال مع الحقيقة الصادمة والمفتوحة على المجهول بشأن مصير أولادهم.

الرقم الفاجعة

لا تقاس المسافة بين معبر مخيم الوافدين المتاخم لدوما وصالة الفيحاء الرياضية في دمشق بالكيلومترات ولا حتى بالزمن، بل تقاس بالدموع والأصوات المتهدجة. يخطئ من يعتقد بأن الفرح كان لوحده سيد الموقف بين الجموع المحتشدة هناك على أمل قيامة أبنائهم من المجهول، قليلون هم الذين بقيت قلوبهم مطمئنة حتى اللحظة الأخيرة، فمن قتل الأطفال وألقى بهم من برجيات مدينة عدرا العمالية لن يتورع عن تصفية مختطفين جهد حتى اللحظات الأخيرة في إخفاء مصيرهم دون أن يقبض مقابل ذلك أي ثمن سياسي ملموس. يكفيه أن يستمر في لعبة الدم وكي الأهالي بنار الإنتظار حتى اللحظة الأخيرة، وهذا أجزل ثمن يمكن أن يتحصل عليه قاتل ومجرم بالفطرة. العدد المتوقع للمختطفين تراوح بين الخمسة والثمانية آلاف ليخرج بعدها البيان الرسمي متحدثاً عن مئات قليلة ساقتها ميليشيا "جيش الإسلام" الإرهابية في مفاوضاتها الأخيرة مع الجيش السوري قبل الخروج الذليل من دوما. سيخلق ذلك حالة من الإضطراب والهيجان في صفوف الأهالي المنتظرين الذين ارتفعت أصواتهم بالغضب دون أن ينزلقوا إلى ما هو أكثر من ذلك "نناشد قيادتنا الوطنية بعدم السماح بخروج المسلحين إلى جرابلس دون أن ينالوا القصاص العادل"، يقول أحد أهالي المختطفين لموقع "العهد" الإخباري.


 

الفرح يسير بجوار الحزن

في الصالة الرياضية ستجتمع التناقضات. فرح مؤجل وآمال معلقة وبكاء ودموع ويأس وانتظار معجزات في غير زمنها. بشار طفل صغير لا علم لأبيه المختطف بوجوده أصلاً، صاحب السنوات الست التي هي عمر مأساة أبيه سيتقدم الصفوف لإستقباله محمولا على كتف عمه في أسرة ارتقى منها شهيدان وعاد ثمانية آخرون بعد انقطاع دام لست سنوات. وفاء ستفرح بعودة أبيها وخالها بعدما كان اليأس من بقائهم أحياء قد بلغ مقطعه، قبل أن ترد أسماؤهم في القوائم الشحيحة للفرح. يصل أول مخطوف محرر إلى الصالة، يتزاحم حوله الأهالي كل يحمل في يده صورة لمخطوف يخصه ويريد معرفة مصيره. المحرر تتجاذبه أحضان أمه وأخوته، يعصر هذا تفكيره قبل أن يجيب، كم من صورة مضيئة لمخطوفين على شاشات الهواتف الذكية الخاصة بأهاليهم، والمّشهرة في وجه المحررين، انطفأت قبل أن ينطق هؤلاء بمصيرهم. "يحتاج الأمر إلى التدقيق قبل الإجابة، كنا محرومين من التواصل كثيراً مع بعضنا البعض" يبرر أحدهم للمتحلقين حوله من أسر المخطوفين.

 

تاهت معالم الطريق في الصالة المكتظة، أمٌّ في المدرجات تلمح ابنها المحرر بين الجموع، تنادي عليه وتوشك أن تسقط مستعجلة لقائه، يعينها الناس فيرفعونها إليه على أكتاف المروءة، فيما يقفز آخرون من على السور مختصرين لحظات الصبر الثقيلة. في الصورة مشهد آخر، يجلس البعض على أرضية الساحة، يمر فرح الآخرين بجواره مترفعاً عن حزنه، ينتبه آخرون إلى عدم جواز المبالغة في الإحتفاء احتراماً لمشاعر الآخرين، تلف أم أحمد رقبتها بالعلم الوطني وتستغرق في البكاء، لم يسعفها أحد ولو بكلمة عن وحيدها الذي اختطفه الإرهابيون في ريف القنيطرة من بيته حين لم يجدوا إلى والده الضابط في الجيش السوري أي سبيل. على مرأى منها جُرَّ الفتى إلى غياهب المجهول.
 
سباق الأحزان

كل قصة حزينة كنا نسمعها سرعان ما كانت تطويها قصة أخرى أشد مرارة وحزناً. أبو الليث قائد في الدفاع الوطني تشهد له المعارك ببأسه ورجولته، استودع أهله في الأردن وعاد لممارسة شرف الجندية في الجيش السوري، غير أنه لم يطق فراق طفلته ريم صاحبة السنوات العشر وأحب أولاده إليه، فعاد بها لتقضي معه إجازة قصيرة في منطقة كشكول المتاخمة للغوطة، وبينما كان يستثمر كل وقته في رفقتها، استأذنته لشراء بعض الحلويات من الدكان القريب فأذن لها مطمئنا للوجوه والناس في منطقة تقع تحت سيطرة الحكومة، ودون أن يفطن إلى طيور الظلام التي تلاحق خطواتها "غابت لحظات عن ناظري، بحثت عنها في كل مكان فلم أجدها لدرجة أنني اقتحمت مع مجموعتي مواقع الإرهابيين القريبة على أمل أن أجدها هناك ولكن دون جدوى، أعرف أنهم  يعاقبونني بها، الآن أصبح عمرها أربعة عشر عاما، وليس هناك أية معلومات عنها "، يقول الرجل لموقع العهد وهو يمسح دمعة انحدرت على خده.

 

طال الليل على أهالي المخطوفين وهم يتداولون الأخبار ويقتاتون على الأمل حينا واليأس أحيانا. وفي لحظات نادرة لهدوء عابر مر بالصالة مرور الكرام  كان صوت متهدج يأتي من وسط الزحام في المدرجات منادياً على حبيب غائب لم يعرف منه غير اسمه "يا علاء ...يا علاء ..يا علاء ..يا حبيب أمك يا علاء ..رد عليي يا أمي وينك يا حبيبي قلبي".

11-نيسان-2018

تعليقات الزوار

استبيان