يخوض العدوّ الصهيونيّ حروبَه الوجوديّة في قلب منطقتنا العربيّة على جبهات عديدة، سعياً وراء شرعيّةٍ لا تؤمّنها له القوّةُ وحدها. وفي طليعة هذه الحروب حربٌ إعلاميّة تهدف إلى تسفيه صراعنا معه، طمعاً في إعادة تشكيل الرأي العامّ المعادي لأصل وجوده، ومن أجل خلق «وعي» يرى في الاعتراف به وفي إقامة العلاقات معه أمراً «طبيعيّاً»، بل ضروريّاً أيضاً.
في هذا السياق، تنشط في مجتمعاتنا «منظماتٌ غير حكوميّة» كثيرة، تتوسّل قيماً نبيلةً في الظاهر، مثل الحريّة والسلام وحوار الثقافات، فتستقطب الشبابَ المهمَّش، والطموحَ، والمفتقرَ إلى فرص عملٍ لم توفّرْها له الدولةُ. ونظراً إلى كون الفضاء الإلكترونيّ أنجحَ وسائط الإعلام الحديث، وأسرعَها وصولاً وتأثيراً في فئة الشباب، فقد لاحظنا في السنوات الأخيرة ازديادَ الصفحات الإلكترونيّة والمدوَّنات ومجموعات الفيسبوك التي تشترك في هدفٍ واضح: اصطناع فضاء تفاعليّ مفتوح بين العرب والمحتلّين الإسرائيليين، بمحتوى إنكليزيّ وأحياناً عربي، خدمةً لأهداف تطبيعية.
إنّ حملة مقاطعة داعمي «إسرائيل» في لبنان، إذ تؤكّد خطورةَ أيّ تواصل افتراضيّ مع الاحتلال، ولو بهدف الدفاع عن قضايانا المحقّة، تعطي في ما يأتي بعضَ الأمثلة المباشرة عمّا تقوله.
1) موقع Yala Academy ومنصّة Yala Press الإعلامية يرِد في التعريف بـYala Academy على موقعها الآتي:
«Yala للقادة الشباب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا حركةٌ تهدف إلى تعزيز الحوار والتغيير. أنشأها في أيّار 2011 مركزُ بيريز للسلام وYala Palestine. تسعون في المئة من أعضاء الحركة، وعددُهم مليون تقريباً، من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، مثل: إسرائيل، فلسطين، مصر، الجزائر، العراق، إيران، الأردن، المغرب، تونس، العربيّة السعوديّة، سوريا، اليمن، من بين دول أخرى».
يكتب في منصّة Yala Press الإعلاميّة شبابٌ من الدول المذكورة مقالاتٍ بالإنكليزية والعربية والفرنسية والعبرية عن مواضيع الهوية، والهجرة، والتسامح، والسلام، والمساواة بين الجنسين، والحروب، وسواها. ومؤخّراً أُعلن عن دورة تدريبيّة مجانيّة عن بُعد لمدة أربعة أشهر، تبدأ في آذار القادم، يقودها صحفيّون من نيويورك تايمز، ووكالة أسوشييتد برس، وموقع فيسبوك، وغير ذلك. وعلى المشاركين أن يأتوا من «إسرائيل» أو فلسطين أو أيّ دولة من دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا، أو أن يكونوا من سكّان هذه الدول وأعمارُهم بين 17 و36 سنةً. وجاء في الإعلان عن هذا التدريب أنّ الوقت حان لإيصال الصوت والاستفادة من الانترنت بأفضل ما يمكن من «أجل بناء جسور لمستقبل أفضل وأكثر سلاماً».
تكمن خطورةُ هذه التدريبات والمنصّات الإعلامية، المشغولة بعنايةٍ وحِرَفيّة، في الإضاءة على قضايا ساخنة من زاوية واحدة، أو بـ«حياديّة» مصطنعة في أفضل الأحوال تكرّس في نهاية المطاف «طبيعيّة» الحوار مع الكيان الصهيونيّ.
2) حسابات افيخاي أدرعي، المتحدّث باسم جيش الاحتلال الإسرائيليّ أمام الإعلام العربيّ
حسابات أفيخاي أدرعي، على فيسبوك وتويتر وغيرهما، هي من الأذرع الإعلاميّة لجيش الاحتلال الصهيونيّ التي تصل، للأسف، إلى ملايين المتابعين العرب. يدير هذه الصفحاتِ عسكريون إسرائيليون محترفون، عارضين محتوى عربيّاً هدفُه الأساسُ الترويجُ للجيش الإسرائيليّ والكيان الصهيونيّ، ومقدّمين أفيخاي أدرعي بلبوسٍ جذّاب:
فها هو الإسرائيلي «المتحضّر» و«المسالم» يهنِّئ المسلمين والمسيحيين بأعيادهم، وعلى طريقتهم، وقد يتلو آيةً من القرآن أو الإنجيل. وهو «يقدّر» الطربَ العربيَّ الأصيل. كما أنّه «يحرص» على اللاجئين العرب في البلدان العربيّة وخارجها. ثمّ إنّه «يخاف» على الفلسطينيين من «إرهاب» حركة حماس، وعلى اللبنانيين من «إرهاب» حزب الله. وفوق ذلك كلّه فإنّه متقبّل للرأي الآخر على صفحته، ولو خرج هذا الرأيُ عن أصول اللياقة المعروفة.
السؤال: هل يحلم الجيشُ الإسرائيليّ بتلميعٍ أفضل من ذلك لصورته الدمويّة... ومن دون أيّ مقابل؟
هنا بيتُ القصيد. فخطورةُ حسابات أفيخاي أدرعي تكمن في أنّ مجرّد التفاعل معها يعطي فرصةً لا تقدَّر بثمن للجيش الإسرائيليّ، وبالشكل الذي يتمنّاه. ولا يخفِّف من خطورة الأمر أن نقارعَ هذا الناطقَ باسمه بالحجّة، أو أن نشتمَه؛ فهذا ما تبحث عنه صفحتُه بالذات: أن تبقى موجودةً بيننا، بل أن تزداد متابعتُها وانتشارُها. ولذلك، فإنّنا نتمنّى على شبابنا عدمَ خوض أي نقاش عليها، كي نَحرم الجيشَ الإسرائيليّ ودولتَه فرصةً من فرص تلميع صورتهما البشعة على حسابنا، ونحن باسمون أو متوهّمون أنّنا «ندافع عن حقّنا».
3) صفحة «إسرائيل تتكلم بالعربية» على فايسبوك
هذه الصفحة الإسرائيلية الرسميّة، التي يتابعها حوالى مليون و300 ألف على فايسبوك، دعائيّة بامتياز. فالمحتوى العربيّ الذي تقدّمه يهدفُ إلى الترويج لدولة الاحتلال كدولة مسالمة، ومنفتحة، ومتسامحة، تحترم التنوّعَ الدينيّ والعرقيّ واللغويّ لدى «مواطنيها». تنشر الصفحة مقاطعَ فيديو عن السياحة في الكيان الإسرائيليّ، والثقافة، والفنّ، وإحصائيّات عن التنمية البشريّة فيه. ويحرص القيّمون عليها على السخرية من الدول العربيّة التي «يدمِّرها» أبناؤها قبل أن يلقوا باللوْم على الكيان الإسرائيليّ. كما تقدِّم الصّفحة أخباراً وصوراً ومقاطعَ فيديو عن العمليّات التي تقوم بها المقاومة، مسقطةً عليها كلَّ «شرٍّ» مستطير.
ثمّة حساباتٌ خاصّةٌ بأسماء عربية، أكثرُها منحولٌ أو وهميّ، تتفاعل مع الصفحة تأييداً لطروحاتها: فتَسْخر من حركاتِ المقاومة والدول العربيّة «المتخلّفة»، وتدّعي أنّ كثيراً من العرب معجبون بالكيان الإسرائيلي «الحضاري» ويرغبون في زيارته. هؤلاء المتفاعلون العرب يتلقّون الثَّناءَ من مديري الصفحة لإعلائهم كلمةَ «الحق». وفي المقابل، ثمّة فئةٌ أخرى من المتفاعلين تنتقد الكيانَ الإسرائيلي انتقاداً لاذعاً وانفعاليّاً، فيأتي الردُّ الإسرائيليّ عليها معتدلَ النبرة؛ ما يوحي بـ«تقبّل» الكيان المذكور «للآخرين» وإنْ كانوا من أشدّ منتقديه.
هنا لا بدّ من أن نشير إلى خطرٍ أشدّ، وهو أنّ الإسرائيليين قد يتواصلون مع العرب عبر الفضاء الافتراضيّ، فينجحون في التغرير ببعض شبابنا، وفي تجنيدهم عبر الحسابات الوهميّة.
هذا التواصل قد يبدأ بحوارٍ «عاديّ»، ثم يتحوّل إلى حديث يوميّ، يستتبعه ابتزازٌ، ومن ثم توريطٌ عن طريق المال والجنس والسفر بشكل خاصّ.
إنّ حملة المقاطعة تنبّه من أيّ تواصل مع المحتلّين الإسرائيليين. كما ندعو إلى إنشاء جبهة عربيّة افتراضيّة ضدّ التواصل مع العدوّ، إفشالاً لحربه الإعلاميّة على مجتمعاتنا.
(*) نقلًا عن حملة مقاطعة داعمي الكيان الصهيوني في لبنان