في بداية تواجد حزب الله في سوريا بعد أن شُنَّت الحرب عليها، كان هذا التواجد في تلك الساحة "خجولا"، "خجولا" بمعنى العديد والعتاد وبمعنى الانتشار والمهمات، وليس بمعنى أنهم كانوا يخجلون به ويخفونه، ولاحقاً مع توسع المعركة على سوريا وتطورها، وبعد امتدادها على قسم كبير من الحدود مع لبنان، والى داخله في أكثر من مكان، توسع وتطور تواجد حزب الله في سوريا، على مقربة من الحدود مع لبنان أو في العمق السوري، وكان كثيرون ينظرون لهذا التواجد بغرابة، فاعتبروه غير طبيعي، ويدعو للتساؤل في أكثر من ناحية.
في الحقيقة، لقد انقسمت تلك الأغلبية المُستغرِبة لتواجد حزب الله في سوريا بين من هو حسن النية وبين من هو سيء النية...
أصحاب النية الحسنة كانوا يعتبرون أن في ذلك التواجد خطرًا على شباب لبنانيين، سيتعرضون حتماً لمصاعب القتال الشرس، وسيستشهدون ويصابون في ميدان من اخطر ميادين الحروب، حيث الأسلحة المتطورة والانتحاريون والانغماسيون، وحيث المقاتلون الاجانب اصحاب الخبرة العالمية في القتال وفي التفخيخ وفي الاختراق، وكانوا يعتبرون أيضاً، ان لبنان وحماية حدوده الجنوبية بمواجهة العدو الاسرائيلي بحاجة اكثر لهذه الشهادة وهو أحق بها من سوريا.
وكان أصحاب النوايا الحسنة أيضًا ينظرون لهذا التواجد من ناحية سيادة الدولة اللبنانية، ووجوب تشريع هذا التواجد بقرار من السلطة السياسية الرسمية في لبنان، وضرورة عدم خلق شرخ داخلي بسبب هذا التواجد والذي ـ ربما قد ـ يؤسس لانقسامات داخلية غير بسيطة، وايضا لبنان بغنى عنها.
أما سيئو النية فكانت عينهم على النظام في سوريا اولاً وأخيراً، وليس على السيادة اللبنانية، والتي لم تكن تعني لهم شيئا يوم جاهروا بانخراطهم ضد الدولة والنظام في سوريا، بالاعلام وبالسياسة وبارسال ابنائهم "الثوار" لدعم "الثوا" على النظام في سوريا، وقد رأوا في تواجد حزب الله في سوريا دعما للدولة وللجيش هناك، الأمر الذي يتعارض مع المشروع الاقليمي والدولي الذي يحضنهم، والمعروفة اهدافه.
وكان هؤلاء السيئو النية يستغلون كل مناسبة يستشهد فيها عناصر من حزب الله للتصويب الخبيث وللضغط الاعلامي والعاطفي على عائلاتهم وعلى بيئتهم، منادين ومدّعين كذباً بحرصهم على هؤلاء الشباب الذين يستشهدون.
اليوم، وفي مناسبة الذكرى السنوية التي يحتفل فيها الحزب لكوكبة من شهدائه، الذين سقطوا في مثل هذه الايام منذ ثلاث سنوات على تخوم الجولان المحتل في الجنوب السوري، وبعد مرور سنوات على هذا التواجد لحزب الله في سوريا، وبعد ان شيع الحزب مئات الشهداء في تلك المعركة التي اطلق عليها معركة الدفاع المقدس، تظهر وتسطع اكثر حقيقة وضرورة الدفاع المقدس...
عندما تجد ان لبنان هو الدولة الوحيدة في الشرق الخالية من الإرهاب، والذي يتمتع باستقرار أمني غير مسبوق، لأن جيشه ومقاومته وأجهزته الامنية وشعبه استفادوا وبفعالية، من نجاح العملية الاستباقية لحماية ما وراء حدوده الشرقية والشمالية مباشرة، تستنج حتما ماذا يعني الدفاع المقدس.
عندما تجد ان الاميركيين يعترفون صراحة بانهم سيبقون في سوريا - ليس طبعا لضمان عدم عودة الارهاب لانهم من خلقه ورعاه - بل لان الدولة السورية صمدت ولأن الجيش العربي السوري وبدعم من حزب الله ومن غيره طبعاً، انتصر على هذا الارهاب "الاميركي بامتياز"، تستطيع ان تفهم اكثر معنى الدفاع المقدس.
عندما تجد قادة العدو الاسرائيلي مصدومين من انتصار سوريا وجيشها وشعبها بوجه الارهاب، هذا الارهاب الذي قاتلوا معه إذ قصفوا لمصلحته، وفتحوا مشافيهم في فلسطين المحتلة لمصابيه، ودعموه بالسلاح وبالاستهدافات الجوية الاستراتيجية، وفي النهاية اندحر وهُزم، تعرف جيدا قيمة ما قدمه شهداء الدفاع المقدس.
اليوم، وفي الذكرى السنوية الثالثة لشهداء حزب الله في القنيطرة، تستطيع ان تفهم اكثر سبب ذلك الذعر الذي اصاب العدو الاسرائيلي من انتقال كوكبة من الابطال، لم يكن يتجاوز عددهم حينها اصابع اليدين، حيث كانوا يستطلعون سلميا وبهدوء وسلام على مرأى من وحداته في الجولان المحتل، حين اقدم هذا العدو على استهدافهم مباشرة، مخترقاً بحساسيةٍ قواعد الاشتباك المعمول بها اقليميا ودوليا، لانه أحسّ بخطورة وبفعالية ما وراء هذا الاستطلاع الهادئ.
وربما اليوم وبكل موضوعية، يجب ان نعترف لهذا العدو، بأنه سبق الكثيرين من أصحاب النية الحسنة او من سيئيها، الذين لم يستوعبوا بداية معنى تواجد حزب الله في سوريا، ولم يفقهوا مضمون وقيمة معركة الدفاع المقدس.