يحدد دستور جمهورية إيران الإسلامية وفق ما ورد في ديباجته "المؤسسات الثقافية والاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الإيراني، بناء على المبادئ والقيم الإسلامية التي تمثل آمال الأمـة الإسلامية"، أي بعيداً عن أية تبعية".
وتتجلى الميزة الأساس لهذه الثورة بحسب ما تشير إليه الديباجة عن سائر النهضات التي شهدتها إيران في القرن الماضي في عقائدية الثورة وطبيعتها الإسلامية. لذلك "أدرك الضمير الحي للشعب بقيادة المرجع الديني الكبير حضرة آية الله العظمى الإمام الخميني ضرورة التزام مسار النهضة الإسلاميّة الأصيلة والعقائدية. فوجد علماء الإسلام المجاهدون في إيران، الذين كانوا دائماً في مقدّمة صفوف النهضات الشعبيّة، بمشاركة المفكرين والمثـقـفين الملتزمين، زخما جديدا باتباع قيادته".
ويحدد الدستور الحكومة الإسلامية بانها على "أساس ولاية الفقيه" التي طرحها الإمام الخميني، عندما كان النظام الطاغي في قمة قمعه وسطوته على الشعب، دافعاً جديداً محدداً ومنسجماً لدى الشعب المسلم، ورسمت له الطريق الحق في النضال العقائدي الإسلامي، وأعطت زخماً أكبر لكفاح المسلمين المجاهدين والملتزمين داخل البلاد وخارجها.
و"بالنظر إلى محتوى الثورة الإسلامية في إيران، التي كانت حركة تهدف إلى نصرة جميع المستضعفين على المستكبرين، فإن الدستور يعدّ الظروف لاستمراريّة هذه الثورة داخل البلاد وخارجها، خصوصاً بالنسبة لتوسيع العلاقات الدولية مع سائر الحركات الإسلاميّة والشعبيّة حيث يسعى إلى بناء الأمة الواحدة في العالم ويعمل على مواصلة الجهاد لإنقاذ الشعوب المحرومة والمضطهدة في جميع أنحاء العالم"، هذا ما ورد في دستور الجمهورية، وهذا ما يؤرق واشنطن التي تخشى ما تنسجه الجمهورية الإسلامية من علاقات مع حركات التحرر والمقاومة، فضلاً عن الانفتاح على دول لها ثقلها السياسي الدولي.
الشعار المزلزل: رفض الاستكبار
لقد شكلت الجمهورية الإسلامية بناء على ثورة الإمام الخميني العظيم والشعب الإيراني المضحي تجليًّا من تجليات انتصار المظلوم على الظالم وانكسار المستكبر، وقد جاء دستورها بشكل يلائم العمل بما يقتضيه الإسلام المحمدي الأصيل على النهج القراني وسنة النبي الأكرم "ص" وأهل بيته، بشكل يرفض كل أشكال الهيمنة والتسلط التي تشكلها أنظمة الاستكبار والتي على رأسها الولايات المتحدة الأميركية التي وصفها الإمام الخميني المقدس بالشيطان الأكبر والتي تعدُّ أحد أهم أركانه.
وليست مشكلة الولايات المتحدة الأميركية كما يخال للبعض مع إيران إذا كانت نووية، إنما مشكلتها مع إيران التي لديها عزيمة وإرادة وقرار حر يُبنى على عزة الإسلام وعنفوانه ويحارب الاستكبار وأركانه وينصر المستضعفين ويدعم حركات التحرر ضد المحتلين، هذا الإسلام الحقيقي غير الخاضع، وحتى أن مشكلتها ليست مع اسلامية إيران إنما مشكلتها مع تطبيق هذه الإسلامية بأطرها الصحيحة التي تمنع التبعية لواشنطن وتجعل إيران حرة بفضل ما ينص عليه الدين الإسلامي القراني النبوي الأصيل.
لا تنظر واشنطن إلى إيران كما تنظر إلى بعض الدول الأخرى الخاضعة لها، بل هي تنظر إلى الجمهورية الإسلامية التي يقول قائدها الإمام الخامنئي: "إن جهة خصومة النظام الإسلامي مع النظام الاستكباري، هي أننا نخالف الاستكبار، نحن نحارب الاستكبار. الاستكبار هو مصطلح قرآني استخدم في القرآن لأمثال فرعون والمجموعات الشريرة والمعادية للحق والحقيقة. لقد كان الاستكبار موجوداً في جميع العصور وحتى اليوم هناك نظام استكباري أيضاً، ورأس الاستكبار في العالم حكومة الولايات المتحدة. علينا أن نعرف الاستكبار وأن نعرف خصوصياته وأسلوب عمله وتوجهاته كي نحدد اسلوب عملنا في مقابله بشكل حكيم".
من هنا تضمر الولايات المتحدة الأميركية العداء لإيران، وتعمل على إسقاط نظامها الإسلامي بشتى الوسائل، وما فتنة استغلال التظاهرات التي خرجت في نهاية عام 2017 ما هي إلا إحدى وسائل هذا الهدف الأميركي، حيث أن الإدارة الأميركية تبحث دائماً عن وسائل لتشويه صورة نظام الجمهورية الإسلامية وتقليب الرأي العام ضده والسعي إلى إسقاطه، بغض النظر عمن يحكم البيت الأبيض سواء دونالد ترامب أو غيره فالهدف واحد من قبل الاستكبار مع إختلاف الوسيلة المستخدمة.
فتنة التظاهرات في مجلس الأمن
لقد كشفت التظاهرات الأخيرة كيف تعمل الولايات المتحدة الأميركية ـ التي تتبع استراتيجية براغماتية تقوم على استغلال كل شيء بأي وسيلة كانت من أجل تحقيق الهدف الاستراتيجي لها ـ لأسقاط نظام الجمهورية الإسلامية التي تشكل الجمهورية عدواً استراتيجياً لواشنطن.
استغلال التظاهرات، ظهر جلياً عندما ركبت واشنطن موجة التظاهرات عام 2009 ومن ثم 2017، علماً أن حصل لا يتعلق بحقوق إنسان ولا طلب حريات، إنما بأزمة لبعض الناس مع شركات مالية خاصة مفلسة، وهو نموذج مصغر لما يحصل بشكل دائم في الولايات المتحدة، ومع الإشارة إلى أن الذين تظاهروا وحولوا القضية إلى شعارات أخرى لا يتعدون جزءا من واحد بالمئة من الشعب الإيراني مقابل ما خرج من تظاهرات داعمة لنظام الجمهورية الإسلامية والإمام الخامنئي.
فشلت الفتنة الأميركية، فحاولت واشنطن تحويل الحدث إلى مجلس الأمن الدولي، لعلها تستطيع اكتساب فرصة لفرض عقوبات جديدة ضد طهران، تحت مسمى شماعة حقوق الإنسان التي باتت مكشوفة في العالم حتى لدى حلفاء واشنطن الأوروبيين الذين رفضوا تسييس القضية أو محاولات المس بالاتفاق النووي الإيراني تحت مسمى الأحداث بإيران، وقد إدى طلب عقد جلسة في مجلس الأمن حول أحداث إيران إلى سجال كبير بين الولايات المتحدة الأميركية وروسيا، بدت من خلاله واشنطن مغردة خارج سرب التوافق الدولي والشرعية الدولية الرافضة لتسييس هذه التظاهرات الداخلية.
وقد فضح التحفظ الأوروبي للمساعي الأميركية والرفض الروسي لها بعقد هكذا جلسة، محاولات التسييس الأميركي لعمل مجلس الأمن الدولي، سيما أن هذه الجلسة التي دعت إليها المندوبة الأميركية غير واقعية على اعتبار أن ما حصل لا يهدد بتاتاً السلم والأمن الدولي كما أكد فرانسوا ديلاتر المندوب الفرنسي، ولا يمت بصلة إلى عمل مجلس الأمن الدولي الذي شرحه الفصل الخامس من ميثاق الأمم المتحدة. فقد حددت وظائف المجلس في المادة 24 من الفصل الخامس التي تقول "رغبة في أن يكون العمل الذي تقوم به "الأمم المتحدة" سريعاً فعالاً، يعهد أعضاء تلك الهيئة إلى مجلس الأمن بالتبعات الرئيسية في أمر حفظ السلم والأمن الدولي ويوافقون على أن هذا المجلس يعمل نائباً عنهم في قيامه بواجباته التي تفرضها عليه هذه التبعات.
ويعمل مجلس الأمن، في أداء هذه الواجبات وفقاً لمقاصد "الأمم المتحدة" ومبادئها والسلطات الخاصة المخوّلة لمجلس الأمن لتمكينه من القيام بهذه الواجبات مبينة في الفصول السادس والسابع والثامن والثاني عشر". وبالتالي يمنع التدخل في شؤون الدول الأخرى وهو يعمل من أجل إحلال السلم والأمن الدوليين في حال كان هناك أي تهديد لهما وهذا ما كان فرض المحال في الأحداث الإيرانية.
يبدو في المحصلّة أن الولايات المتحدة الأميركية أصبحت تعيش منزلقات سياسية متعددة، مع رئيسها دونالد ترامب، بدءا من قرار اعلان القدس عاصمة للكيان الصهيوني إلى الدعم اللامتناهي للسعودية في حربها ضد اليمن إلى فتنة تظاهرات إيران، هذه الإخفاقات السياسية المتكررة أصبحت تكشف ألاعيب الإدارة الأميركية التي باتت تغرد خارج سرب السياسة الدولية.