حتّى ساعة متقدّمة من ليل أمس، كانت المشاورات لم تصل بعد الى خلاصة حاسمة بشأن مصير التعديل الدستوري أو سلّة التوافق السياسي في مرحلة ما بعد الانتخابات الرئاسية. وقد تردّد بقوّة أنّ جلسة الثلاثاء ستتأجّل مرّة الى موعد لاحق، ربما يكون بعد عطل الأعياد.
حيث يبدو ان معركة الحكومة باتت اكثر من معركة الرئاسة، ذلك ان اتفاق الطائف اعتبر مجلس الوزراء مجتمعاً يملك الصلاحيات الاكبر وبالتالي فإن التوافق على العماد سليمان رئيساً للجمهورية لم يحل المشكلة بل نقل المعركة الى الحكومة فالنائب سعد الحريري لا يريد التخلي عن رئاسة الحكومة فيما المعارضة تريد مرشحاً آخر من غير تيار المستقبل كما ان الخلاف هو على طبيعة الحكومة، فالمعارضة تصر على توزير سليمان فرنجية وطلال ارسلان وعبد الرحيم مراد فيما الموالاة تريد حكومة برلمانية لقطع الطريق على دخول فرنجية وارسلان ومراد.
وفي شأن تعديل الدستور، اقترح الرئيس نبيه بري الأخذ بما قدّمه الرئيس حسين الحسيني لجهة القول بالظروف الاستثنائية التي تسمح للمجلس النيابي بتعليق العمل بإحدى مواد الدستور (المادة 49)، ما يسمح عندها بانتخاب رئيس جديد للجمهورية يكون من الذين تعوق المادة ترشحهم. ورأى برّي في هذا الطرح مخرجاً يؤمّن حصول التعديل الدستوري من جهة، ويعفي المعارضة من مهمّة الاعتراف بشرعيّة حكومة الرئيس فؤاد السنيورة من جهة أخرى، لأنّ التعديل الدستوري لن يمرّ في هذه الحال عبرها.
وتشير أوساط سياسية رفيعة المستوى الى ان هذا الاقتراح ينسجم بالكامل مع الاجتهادات الفرنسية وقرارات المجلس الدستوري ولاسيما القرار رقم اثنين الصادر عن المجلس الدستوري عام 1997والقرار رقم 4 الصادر عام 1996.
لكن أوساط فريق 14 آذار سارعت الى رفض الاقتراح، حيث أبلغ الرئيس السنيورة زوّاره بأنّه لن يقبل بأي اقتراح يلزمه الاستقالة قبل حصول انتخابات رئاسية، وأنه لن يوافق على أي تعديل دستوري لا يمر عبر الحكومة، فيما قال مصدر بارز في المعارضة إن «التعديل حتى يحصل ينبغي أن يكون ضمن إجماع، والإجماع هو في مجلس النواب. أما هذه الحكومة فهي تمثل فريقاً، وإذا حصلت مصادقة فيها على التعديل فهذا يعني اعترافاً بشرعيتها، وهذا لن يحصل».
وبذلك يمكن القول ان يوم الثلاثاء لن يشهد انتخابات رئاسية وتبقى الاجواء ضبابية وغير واضحة الى ان تقرر آلية تعديل الدستور والتفاهم على الحكومة القادمة.
ذلك هو فصل آخر من فصول التعنت الشباطي وحالة أخرى من حالات الخرف السياسي التي تعاني منها الحكومة اللاشرعية، فيما يخص الموقف من التعديل الدستوري وسلة التوافق السياسي في مرحلة ما بعد الإنتخابات الرئاسية، إلى درجة أن الموقف الشباطي من إقتراح الرئيس الحسيني في شأن تعليق الفقرة الثالثة من المادة 49 من الدستور، ما عاد متقبلا" حتى للتفسيرات الإجتهادية في القانون الدستوري، فهل هذه هي دولة سيادة القانون التي وعدنا بها ما يسمى برموز ثورة الأرز؟.
كما أن رفض الفريق الشباطي لأن يتولى رئاسة الحكومة المقبلة مرشح توافقي وأن تضم تلك الحكومة مرشحين بالإسم عن المعارضة، من شأنه أن يضع أكثر من علامة إستفهام حول ماهية النوايا الحقيقية لمواقف أهل السلطة من موضوع الإستحقاق الرئاسي ومدى تلائمها مع المصالح الوطنية ومراعاتها للأصول الدستورية ولوثيقة الوفاق الوطني المبنية أساسا" على وجوب إحترام مبدأ العيش المشترك.