تجاوز الاحتلال الإسرائيلي كل الخطوط الحمراء، حيث قام جنوده، يوم امس، باقتحام المسجد الأقصى، بعدما تصدّى المرابطون في الحرم المقدسي لزيارة استفزازية قام بها مستوطنون وسياح أجانب عشية رأس السنة العبرية.
واستخدمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الغاز المسيّل للدموع والرصاص المطاطي والقنابل الصوتية لقمع شبان فلسطينيين تحصنوا داخل الأقصى لحمايته من الزيارات الاستفزازية للمستوطنين، ما أدى إلى إصابة عشرات الفلسطينيين وإحراق بعض محتوياته، وتهشيم عدد من نوافذه، في ما وُصف بأنه الاعتداء الأكبر منذ جريمة إحراق المسجد في العام 1969.
وبدأت المواجهات بين المرابطين في المسجد الأقصى وقوات الاحتلال حين دخلت مجموعات يهودية صباحاً المسجد الأقصى عبر باب المغاربة، الباب الوحيد المخصص لغير المسلمين، بينما اغلقت الشرطة الإسرائيلية كل الأبواب الأخرى المؤدية الى المسجد.
وقالت وسائل الإعلام الإسرائيلية إن وزير الزراعة الإسرائيلي أوري أريئيل، وهو من اليمين المتطرف، كان بين الزوار.
وقال بيان للشرطة الإسرائيلية إن متظاهرين فلسطينيين شباناً تمركزوا، ليل أمس الأول، في المسجد الأقصى «للإخلال» بزيارات اليهود.
وقالت الشرطة الإسرائيلية، في بيان إن الشبان الفلسطينيين كانوا يستهدفون «تعطيل مسار زيارة لجبل الهيكل (الحرم المقدسي) عشية روش هاشاناه (رأس السنة اليهودية)» التي بدأت مع غروب يوم امس.
وأضافت الشرطة الإسرائيلية أن «متظاهرين ملثمين كانوا في المسجد قاموا برشق رجال الشرطة بالحجارة والمفرقعات»، موضحة أن «أنابيب مشبوهة يمكن أن تملأ بمتفجرات يدوية الصنع عثر عليها عند مدخل المسجد».
فلسطينيون يزيلون الركام الذي خلفه اقتحام جنود الاحتلال المسجد الأقصى في القدس المحتلة أمس
من جهته، قال رئيس قسم المخطوطات والتراث في المسجد الأقصى رضوان عمرو إن 32 من نوافذ المسجد دُمرت بالكامل أو لحقت بها أضرار وإن أحد الأبواب دُمر بينما احترق السجاد في 12 موقعاً.
وأضاف أن «ما جرى في المسجد الأقصى لم يحصل منذ العام 1969»، حين عمدت إسرائيل إلى إحراق المسجد.
وتابع «قمت بجولة مع رئيس قسم الإعمار في المسجد وقدرنا هذه الأضرار أنها في حاجة الى ثلاث سنوات من العمل المتواصل»، مشيراً الى ان «الابواب الخشبية دُمرت. وأحد الأبواب قُلع بالكامل ورُمي على الأرض وهناك سبع أو ثماني نوافذ مدمرة بالكامل ومعظم النوافد الخشبية والزجاجية، حوالي 25 أو 30، مدمرة بالكامل».
وكانت آخر مرة اندلعت فيها الاشتباكات بين الشرطة الإسرائيلية وشبان فلسطينيين خارج المسجد الأقصى في أواخر تموز الماضي.
وأشار الى أن «هناك حرائق في أكثر من 12 موقعاً في السجاد داخل المصلى القبلي، بالإضافة الى حريق في غرف الحراس، وهناك تدمير كامل في الإنذار المبكر للحرائق في المصلى القبلي».
وقال مدير المسجد الشيخ عمر الكسواني لوكالة «معا» إن المسجد الأقصى احتل عام 1967، أما اليوم فقد فرضت سلطات الاحتلال سيادتها عليه بقوة السلاح، بتحكمها بالدخول والخروج، وتحكمها بكل الأمور، واعتدائها على موظفي دائرة الأوقاف من المسؤولين والمشايخ والحراس والسدنة، فهي هدفت لإخلائه بالكامل من المسلمين لتوفير حمايتها لاقتحامه من قِبل المستوطنين احتفالاً بما يسمى «عيد رأس السنة العبرية».
وأشار الكسواني الى ان العشرات من موظفي الأوقاف الإسلامية أصيبوا برضوض بعد الاعتداء عليهم بالضرب بالهراوات والدفع، كما أًصيب احد الحراس بعيار مطاطي في صدره، وأخر بعيار مطاطي بكتفه.
ولفت الشيخ الكسواني ان الاحتلال اعتدى على رئيسة الحارسات زينات أبو صبيح، ولدى محاولته التدخل ضرب هو الآخر، وألقيت باتجاهه قنبلة صوتية.
وأضاف الشيخ الكسواني أن الاحتلال أخرج حراس الأقصى بالقوة من الساحات، واعتدى عليهم بالضرب.
وأشار إلى أن دائرة الأوقاف الإسلامية طالبت السلطات الإسرائيلية بإغلاق باب المغاربة وعدم السماح للمستوطنين باقتحامه، حفاظاً على حرمة المسجد ومشاعر المسلمين، إلا أن شرطة الاحتلال أصرت على موقفها واقتحمت الأقصى بعد انتهاء صلاة الفجر وهاجمت المصلين بالقنابل والأعيرة المطاطية.
ولفت إلى أن 158 مستوطناً اقتحموا الأقصى خلال فترة الاقتحامات الصباحية والمسائية، معتبراً ان مشاركة وزير الزراعة الإسرائيلي في هذا التحرّك يهدف الى شرعنة الاقتحامات للمسجد الأقصى.
وأتت هذه التطورات، مع تصاعد التوتر على اثر إعلان وزير الدفاع الإسرائيلي موشيه يعلون، الأربعاء الماضي، حظر جماعة «المرابطون» التي تضم نساءً ورجالاً يتصدون للمستوطنين اليهود في المسجد الأقصى.
وقال يعلون، في بيان، إن المرابطين والمرابطات «هم السبب الرئيسي في خلق التوتر والعنف على جبل الهيكل وخاصة في القدس بوجه عام»، محذراً من ان أي شخص يشارك أو ينظم أو يمول نشاط الجماعتين سيكون عرضة للمحاكمة الجنائية.
ورفضت السلطة الفلسطينية الحظر وعبرت عن تأييدها للناشطين.
وقال عدنان الحسيني محافظ القدس: «الإرهابيون ومن هم خارج القانون هم هذه المؤسسات التي تعتدي على المسجد صباح مساء والحكومة (الإسرائيلية) تساعدها... هؤلاء هم من يجب أن يتوقفوا وأصحاب المكان عليهم أن يرابطوا وأن يدرسوا وأن يقيموا الصلوات لأن هذا هو دور المسجد». وأضاف «هذا القرار مرفوض جملة وتفصيلاً وسيبقى الناس موجودين في الأقصى وهذا القرار لن يغير شيئاً»، مشدداً على ان «رباط الإنسان في مقدساته هو جزء من العقيدة... ولا يحق لإسرائيل التدخل فيه».
وفي وقت لاحق، اعلن رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو، بعد المواجهات، انه يريد الحفاظ على الوضع الراهن في المسجد الأقصى.
والوضع الراهن الموروث منذ حرب العام 1967، يجيز للمسلمين الوصول الى المسجد الأقصى في كل ساعة من ساعات النهار والليل، ولليهود بدخوله في بعض الساعات، لكن لا يجيز لهم الصلاة هناك. ويسمح لغير المسلمين بزيارة المسجد الأقصى من الساعة السابعة صباحاً حتى الحادية عشرة صباحاً يومياً ما عدا الجمعة والسبت. وغالباً ما يستغل اليهود المتشددون زيارات السياح للتسلل الى المسجد الأقصى لإقامة شعائرهم التلمودية.
وقال نتنياهو في بيان إن «إسرائيل ستتحرك بكل الوسائل للحفاظ على الوضع الراهن في جبل الهيكل»، الاسم الذي يطلقه اليهود على المسجد الأقصى.
وحذر نتنياهو من أن «من واجبنا ونحن قادرون على التحرك ضد مثيري الشغب لإتاحة حرية الصلاة في هذا المكان المقدس. سنتحرك بحزم ضد رماة الحجارة وزجاجات المولوتوف».
من جهته، قال وزير الأمن الداخلي الإسرائيلي جلعاد أردان، «سنضمن الحفاظ على الوضع الراهن».
وبحسب أردان فإن اعمال العنف التي وقعت «يجب ان تدفعنا الى التفكير: لا يجب ان يقوم مثيرو شغب مسلمون بتحويل هذا المكان المقدس الى ساحة قتال».
وأدان الرئيس الفلسطيني محمود عباس الاحد بشدة اقتحام الشرطة الاسرائيلية المسجد الاقصى. وقال الناطق باسم الرئاسة الفلسطينية نبيل ابو ردينة «ندين بشدة اقتحام جيش وشرطة الاحتلال المسجد الاقصى المبارك والاعتداء على المصلين» مشدداً على ان «القدس الشرقية والمقدسات الإسلامية والمسيحية خط احمر، ولن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه الاعتداءات على مقدساتنا».
وأدانت مصر «اقتحام قوات الاحتلال الاسرائيلي» باحة المسجد الأقصى ومهاجمة المصلين، محذرة اسرائيل من «الاستمرار في سياسة انتهاك المقدسات الدينية».
كما أدانت الحكومة الأردنية قيام قوات اسرائيلية باقتحام المسجد داعية الحكومة الاسرائيلية الى «التوقف عن استفزازاتها» و «منع الاعتداءات على الأماكن المقدسة».
في المقابل، حث مبعوث الأمم المتحدة الى الشرق الاوسط للسلام نيكولاي ملادينوف الطرفين على ضبط النفس. وصرح في بيان «أحث كل طرف على لعب دوره لضمان إبداء الزوار والمصلين ضبط النفس واحترام قدسية المكان». وتابع «اطلعت على بيان رئيس الوزراء الإسرائيلي ومفاده الإبقاء على الوضع الراهن في المواقع المقدسة».
ودان وزراء الخارجية العرب، في ختام اجتماع في القاهرة، «اقتحام قوات الاحتلال الاسرائيلي والمستوطنين» للمسجد الاقصى. وحذروا اسرائيل من «مغبة تماديها في استفزاز مشاعر العرب والمسلمين حول العالم، من خلال استكمال خطتها العدوانية وغير القانونية الرامية إلى تغيير الوضع القانوني القائم للمسجد الأقصى المبارك ومحاولة تهويده وتطبيق تقسيمه زمانياً ومكانياً والسماح لليهود بالصلاة داخل أسواره». وأكدوا عزمهم « على التصدي لمثل هذه الاعمال العدوانية بكل الطرق المتوافقة مع القانون الدولي وآليات العدالة الدولية حتى ترتدع سلطات الاحتلال الاسرائيلي عن مثل هذه النوايا والاعمال».
المصدر: صحيفة "السفير"