برغم حالة التهدئة المُعلنة في قطاع غزّة، بين المقاومة الفلسطينيّة والاحتلال الإسرائيلي، عقب عدوان صيف العام الماضي، إلّا أنّ بعض التنظيمات السلفيّة الفلسطينيّة الصغيرة تقوم، بين الحين والآخر، بإطلاق صواريخ معدودة باتجاه البلدات المحتلّة، خصوصاً تلك المُتاخمة لحدود القطاع، ما يدفع بجيش الاحتلال إلى الردّ عبر قصف مواقع عسكريّة تتبع لـ "كتائب القسّام"، الجناح العسكري لحركة «حماس»، كان آخرها صاروخ استهدف، فجر يوم أمس، موقع عرين وسط القطاع.
وبحسب بيان لجيش الاحتلال، فإنّ المقاتلات الإسرائيليّة استهدفت موقعاً عسكريّاً يتبع لـ "كتائب القسّام" في غزّة، فجر الخميس، رداً على إطلاق صاروخ من القطاع باتجاه جنوب فلسطين المحتلّة. وقال البيان إنّ القصف استهدف منشأة لتصنيع الصواريخ والأسلحة، تابعة لـ "حماس" في وسط القطاع.
ومنذ الإعلان عن تفاهمات التهدئة بين المقاومة والاحتلال، في 26 آب 2014، لم تتبنَّ أيّ جهة فلسطينيّة مسؤوليَّة إطلاق صواريخ صوب إسرائيل، بيدَ أنَّ مصادر أمنيّة تقول إنّ بعض التنظيمات الجهاديّة السلفيّة الصغيرة في قطاع غزّة، هي التي تقف وراء إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، كورقة ضغط على "حماس" التي تعتقل، بين الحين والآخر، بعضاً من عناصر هذه الجماعات التي بدأت تتوسّع في القطاع.
القيادي البارز في حركة "حماس"، مُشير المصري، اعتبر في تصريحات لـ "السفير"، أنَّ شنّ الاحتلال الإسرائيلي غارة جويّة على موقع تابع لـ "القسّام" يُعدّ "تطوّراً وتصعيداً خطيراً من قبل الاحتلال، وخرقاً واضحاً لاتفاق التهدئة المُعلن بين الجانبين بعد عدوان صيف العام الماضي"، مُشدداً على أنّه "على العدو ألّا يختبر صبر حركة حماس، وأن يُدرك تماماً أنّ استمرار التصعيد، وخرق التهدئة؛ يزيد من غضب المقاومة، وفاتورة الردّ التي لن تطول".
وبشأن الجهات التي تقف خلف إطلاق الصواريخ من قطاع غزّة صوب البلدات الفلسطينيّة المحتلّة، والتي على أثرها تستهدف إسرائيل مواقع لـ "حماس"، قال: "نحن لا علم لنا بذلك.. الفصائل الفلسطينيّة مُلتزمة بالتهدئة؛ لأنَّها جاءت بتوافق وطني، ووفق المصلحة العامة، وأيّ خروج عن إطار التهدئة سيكون بتوافق بين الفصائل، وسيتحمّل العدو المسؤوليّة الكاملة، وتداعيات ذلك".
ويرى الجيش الإسرائيلي في حركة "حماس" المسؤولة الوحيدة عن الأوضاع في غزة، بفعل سيطرتها على القطاع، ويُحمِّلها بالتالي المسؤوليّة عن أيّ صاروخ يُطلق من القطاع، ويُغير على مواقعها العسكريّة في حال أُطلقت صواريخ من غزّة. وعادةً ما تُدرك الحركة هذا الأمر، ففي كلّ مرّة تُعلن فيها المصادر الإسرائيليّة سقوط صواريخ أُطلقت من قطاع غزّة، يعمل عناصر "القسّام" على إخلاء مواقعهم العسكريّة؛ تحسّباً لردّ من الطائرات الإسرائيليّة.
من جهته، يؤكِّد الكاتب والمحلل السياسي الفلسطيني حسن عبده، في حديث إلى "السفير" أنَّ الفترة الماضية في قطاع غزّة لم تشهد هدوءاً حقيقيّاً كما كان مأمولاً من الاتفاق الذي جرى بين المقاومة والاحتلال عقب العدوان الأخير، خصوصاً أنَّ إسرائيل تخترق التهدئة في أوقات كثيرة، وتقوم بعمليّات توغّل وتجريف على الحدود الشرقيّة والشماليّة لقطاع غزّة، كما تُطلق الرصاص الحيّ تجاه الصيّادين بشكل شبه يومي.
ويقول إنَّ "هناك بعض الجماعات في غزّة التي ترى أنَّ خرق إسرائيل للتهدئة يحتاج إلى ردّ، فتقوم بإطلاق بعض الصواريخ قصيرة المدى، لكن القوى المركزيّة للمقاومة في غزّة، كسرايا القدس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، وكتائب القسّام، أبدوا التزامهم بالتهدئة طوال الفترة الماضية، ولم يُعلن أيّ منهم إطلاق صواريخ تجاه إسرائيل، كما أنَّ الصواريخ التي تخرج من غزّة لا تُشبه الصواريخ التي تملكها السرايا وكتائب القسّام، والتي يُمكن أن تصل إلى التجمّعات الرئيسيّة في قلب إسرائيل".
ويوضح عبده، أنَّ الجهات التي تقف خلف إطلاق الصواريخ تجاه إسرائيل، إمّا أنها خارجة عن الصف الوطني الفلسطيني، أو تقوم بهذا العمل بإيعاز من الاحتلال الإسرائيلي نفسه، ويشير إلى أنَّ إسرائيل "إذا ما أرادت أن تتّخذ ذريعة من إطلاق بعض الصواريخ قصيرة المدى من قطاع غزّة؛ فإنّها تُحضّر لعدوان وتصعيد ضدّ القطاع".
ويلفت إلى أنَّ بعض الجماعات السلفيّة في قطاع غزّة تعمل على إطلاق صواريخ تجاه "إسرائيل" بين الحين والآخر، ردّاً على الاعتقالات التي تمارسها "حماس" بحقّ أعضائها في القطاع، مُضيفاً: "هذه الجماعات مثل داعش وغيرها تُطلق الصواريخ على إسرائيل من دون إستراتيجيّة مُعيّنة، إنَّما هو تكتيك للضغط على حركة حماس للإفراج عن عناصرها".
وساءت العلاقة بين "حماس" والتيّارات السلفيّة في قطاع غزّة بعد رفض الأولى تدخّل تنظيم "داعش" في مُخيّم اليرموك للاجئين الفلسطينيين في سوريا في نيسان الماضي، بالإضافة إلى تأييد بعض المُتشددين في غزّة لـ "داعش" علناً، ما دفع الحركة إلى شنّ حملة اعتقالات واسعة في صفوف السلفيين في غزّة.
المصدر: صحيفة "السفير"