المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي... عندما تأتي من الغرب!

بالتوازي مع احتضار المقاطعة العربية للكيان الصهيوني، شهدت السنوات الأخيرة تنامياً ملحوظاً في ظهور حركات مدنية غربية تدعو إلى مقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة والجولان المحتلين. الكيان الصهيوني يستغل هذا التطور ويشن حملة علاقات عامة من المؤكد أنها ستعود عليه بأرباح جزيلة، مالية وإعلامية وسياسية.    

من المضحك المبكي، بعد سبعين عاماً من اغتصاب فلسطين وبداية عصر النكبات الجديدة في التاريخ العربي الحديث (تمييزاً له عن تاريخ الإمبراطوريات الإسلامية بما هو، من زاوية مصالح الشعوب الإسلامية، تاريخ للنكبات بامتياز)،  أن يظل هناك متسع للكلام عن المقاطعة كشكل من أشكال النضال، مع أنه لا يتوقف عن التراجع في وجه احتلال إسرائيلي لا يتوقف عن التوسع في جميع الاتجاهات.

فالمقاطعة التي تريد لنفسها أن تكون سلاحاً فعالاً في خدمة القضية الفلسطينية هي تلك التي لا تكتفي بمقاطعة البضائع الإسرائيلية أو بعدم تقديم الخدمات للعدو الصهيوني، بل تتوسع لتشمل -وعلى جميع مستويات التبادل التجاري والثقافي والسياسي- كل بلد أو جهة تتعامل بأي شكل من الأشكال مع هذا العدو.

ويظهر لنا مدى الإهانة التي تلحق يومياً بمفهوم المقاطعة، بما هي سلاح فعال، عندما نلاحظ مثلاً أن الأكثرية الساحقة من البلدان العربية والإسلامية لا يمكنها أن تستغني حتى عن منتجات الدانمرك من مشتقات الألبان، مع أن إساءات كبرى لكبار رموز الإسلام المقدسة تجري يومياً في هذا البلد، أو عندما نلاحظ أن الكثير من المنتجات الاستهلاكية الإسرائيلية تباع بكل حرية في الكثير من الأسواق العربية...

فالواقع أن النظر العربي قد صرف عن المقاطعة بالتوازي مع سياسات الاستسلام التي  افتتحها السادات ثم انضمت إليها، كدفعة أولى، سلطة رام الله والأردن والسعودية والبحرين، ثم بقية البلدان العربية باستثناء سوريا ولبنان، بشكل جزئي.      

وإذا كان معظم الدول العربية قد أصبح أكثر ملكية من الملك لجهة حرصه على خدمة المصالح الإسرائيلية بوجه عام، فإن الهمجية الصهيونية تثير -في قطاعات واسعة من الرأي العام والتنظيمات الشعبية في العالم- ردود فعل تميزت خلال السنوات الأخيرة بميل واضح نحو الاتساع والقوة.

أبرز ردود الفعل هذه تتمثل بحملات لمقاطعة منتجات المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية والجولان، وذلك كوسيلة للضغط من أجل انسحاب الكيان الصهيوني إلى حدود العام 1967، كشرط لنجاح حل الدولتين. وتنشط هذه الحملات بوجه خاص في بلدان الاتحاد الأوروبي المعروفة بتأييدها للحل المذكور.   

خطر استراتيجي

أما أبرز الحركات التي تدعو إلى المقاطعة، فهي الحركة المعروفة باسم "مقاطعة، سحب أو إلغاء استثمارات، عقوبات" (بي دي إس BDS). وخلال الأيام القليلة الماضية، حدثت مفاجأة غير متوقعة عندما استجاب اتحاد مجالس طلبة بريطانيا لدعوة بي دي إس إلى مقاطعة الاحتلال الإسرائيلي. والاتحاد المذكور يمثل حوالي 7 ملايين طالب في بريطانيا.

وكانت "المبادرة النسوية الأورومتوسطية" قد انضمت بدورها إلى "بي دي إس" في أواخر أيار / مايو الماضي. وتضم "المبادرة" المذكورة منظمات حقوق المرأة في 17 دولة متوسطية.

والحقيقة أن الحملات الداعية إلى المقاطعة قد سجلت نقاطاً هامة أبرزها مقاطعة العديد من البلدان الأوروبية لمعرض دولي للتجهيزات العسكرية والأمنية أقيم في تل أبيب في بداية الشهر الحالي. كما قرر الاتحاد الأوروبي العودة إلى تطبيق قرار بوضع علامات في الأسواق الأوروبية على منتوجات المستوطنات الإسرائيلية بهدف مساعدة المستهلكين المشاركين في المقاطعة على تمييز تلك المنتجات بسهولة. وكان الاتحاد الأوروبي جمد قراره هذا عام 2013 بعد ضغوط مارستها الولايات المتحدة التي كانت قد أصدرت قوانين تعاقب الدول والشركات التي تقاطع الكيان الصهيوني.

وقد نظرت الأوساط السياسية والإعلامية الإسرائيلية إلى هذه التطورات، ولا سيما بعد المساعي التي كادت تنجح في تجميد عضوية الكيان الإسرائيلي في منظمة الفيفا، على أنها جزء من تسونامي كبير يقف وراءه الرئيس الأميركي باراك أوباما، وأنها تمثل خطراً استراتيجياً على الوجود الإسرائيلي. وعقد الكنيست جلسة بهذا الخصوص تبارى فيها البرلمانيون وغيرهم من المسؤولين على إدانة الحملات الداعية إلى المقاطعة وعلى اتهام القائمين بها باللاسامية.

وفي هذا السياق، تعرض ستيفان ريشار، مدير عام شركة الاتصالات الفرنسية "أورانج"، لحملة شعواء بعد تصريحات أطلقها من القاهرة وأعلن فيها أنه سيلغي شراكته مع إحدى الشركات الإسرائيلية. ورغم تراجعه السريع عن هذه التصريحات وإعلانه أنه "يحب إسرائيل حباً جماً"، ورغم التنافس على "إدانة المقاطعة" بين رئيس الوزراء الفرنسي الحالي ورئيس الجمهورية الفرنسي السابق والطامح إلى العودة إلى الإليزية، لم يتردد نواب إسرائيليون في الكلام عن "النفاق الفرنسي في أبهى حلله".

ألاعيب ممكنة

والأكيد أن "حرب المقاطعة" التي تشنها على الاحتلال الإسرائيلي منظمات مدنية غربية في وقت يقوم فيه أعراب العصر السعودي بتطوير علاقاتهم الاستراتيجية مع العدو الإسرائيلي، قد حققت نجاحات لا تنكر. لكن لا ينبغي أن تغيب عن الذهن ألاعيب إسرائيلية معهودة من نوع اصطناع أو نفخ أحداث بهدف الظهور بمظهر الضحية لاستدرار التعاطف والدعم السياسي والمالي. فقد طالبت وزارة الخارجية الإسرائيلية بمساعدات مالية واستخبارية وإعلامية كبيرة لكسر حملة المقاطعة.

 والأكيد أيضاً أن الكيان الإسرائيلي سيحصل على ما يريد : شيلدون آدلسون، إمبراطور الكازينوهات العالمية، وممول الحزب الجمهوري، انضم إلى حاييم سابان، أحد أباطرة الاتصالات في العالم، وممول الحزب الديموقراطي، حيث عقدا مع مؤيدين آخرين للكيان الصهيوني اجتماعاً في لاس فيغاس للبحث في كيفية مواجهة الدعوات إلى مقاطعة "إسرائيل".

أغلب الظن، أن مشايخ النفط المعروفين بالتفوق في المكرمات لا يمكن أن يتركوا أباطرة المال هؤلاء يحتكرون لأنفسهم كل التكرم على الكيان الصهيوني. فالمسألة ترتدي طابعاً استراتيجياً في منتهى الخطورة.

عقيل الشيخ حسين - موقع العهد
16-حزيران-2015

تعليقات الزوار

استبيان