لقد كنت أفتخر دائماً بكافّة مهمّاتي التي كنت أنفّذها خلال تأدِيتي لخدمتي العسكريّة وكانت هذه المهمّات بالنّسبة لي مُقدّسة كما وكنت دائماً أعتبرُها صحيحة وقانونيّة وتتمتّع بشرعيّة كاملة حيث تحترم التّراتُبيّة والأنظمة والقوانين، وكنت دائماً مُقتنعاً بها ولم أسمح لنفسي أبداً ولو لِمرّة واحدة أنْ أُقيّم أو أقدّر وجود أيّة خلفيّات سياسيّة أو طائفيّة أو مذهبيّة وراء تلك الأوامر وما زلت أعتبرها هكذا، كما وكنت انتظر بفارغ الصبر وبفخر ان اكلف بالمُهمّات خارج العاصمة حيث أتعرّف على المناطق اللّبنانيّة ولكن، أقولها بكلّ صدقٍ وبعيداً عن كافّة المُزايدات أو تسجيل المواقف أو ما شابه، لقد تَضاعف شعوري بالفخرعندما قُدِّرَ لي أنْ أكتسب شرف الخِدمة في الجّنوب وذلك بعد عدوان تموز 2006 وبعد صُدور القرار 1701 حيث انتشر الجيش اللّبنانيّ مع قوّة من الأُمم المُتّحدة في كافّة مناطق الجّنوب الحدوديّة مع العدوّ الإسرائيلي.
بعد أنْ تتعرّف بحُكم مُهمّتك على الأرض وذلك عند الإنتقال بين المراكز والنّقاط العسكريّة، وخلال الدّوريّات أو خلال عمليّات الإستطلاع الرّوتينيّة ، ستمرّ بأودية لطالما كان لها إسم مُرادف لعمليّات المُقاومة، ستُشاهِد حُفراً قديمة وخنادق اتّصال غير صالِحة وسيشدّ نظرك ممرّات كثيرة محفورة بين الصّخور والأشجار تصل أمكنة كانت تخفي آليّات صغيرة ربّما كانت حاملة لقواعد صواريخ أو لأسلحة متوسّطة وغيرها، حينها ستكتشف من خلال خبرتك العسكريّة أنّه في هذا المكان وفي أمكنة أُخرى مُماثِلة كانت تنتشر قواعد إنطلاق عمليّات المُقاومة التي كانت تُهاجم وتُدمّر دوريّات ومراكز العدوّ وتُوقِع به الإصابات المُوجِعة والتي أرْغمته على الإنسِحاب المذلّ فكان التّحريرفي الخامس والعشرين من أيار عام الفين .
إنّه شعور غريب سوف تشعر به عندما تنتقل في وادٍ كوادي "السّلوقي" مثلاً، حيث كان لفترة طويلة من أيّام الإحتلال منطقة فاصلة بين الأراضي المُحرّرة وغير المُحرّرة، ستتخيّل كيف كانت هُنا دوريّات العدوّ وعناصره تتعرّض لكمائِن ولعمليّات المُهاجمة من قبل عناصر المُقاومة، ستشعر بالفخر حتماً وبالإحترام عندما تمرّ قرب النّصب العديدة التي فيها صور أو لوحات تذكاريّة لمُقاومين استشهدوا أثناء تنفيذهم لعمليّات مُهاجمة العدوّ أو نتيجة لقصفه المدفعيّ أو الجّويّ، وسوف تجد نفسك في موقع تحسد فيه رجال المُقاومة الذين عايشوا فترة الإحتلال وكان لهم شرف الإشتباك المُباشر معه أو الذين غنموا او فازوا بلذّة قتاله و مهاجمته عندما كانوا ينفّذون عمليّات ناجحة ضدّه... انه سر من اسرار المقاومة .
وتُتابع التعرّف على أرض المُقاومة من خلال إختلاطك اليوميّ مع ابناء هذه الارض إجتماعيّاً أو مهنيّاً، وستصبح قريبا" منهم وستشعر انك احد ابنائهم ، ولكن لن تستطيع أن تُميّز أبداً بين المُقاومين أو بين غيرهم، لقد كانوا جميعاً عمّالاً أو مُزارعين، موظّفين رسميّين أو تُجّاراً أو أصحاب مصالح خاصّة، كُهولاً، رجالاً، شباباً أو فتياناً، جميعهم مُقاومين وفي الوقت نفسه جميعهم مواطنين يمارسون اعمالهم بفرح وبسلام ، ولن تستطيع أبداً أنْ تُشاهد في طريق أو في ساحة أو في إحتفال أو في تجمع أو في أيّ مكانٍ آخر أحدهم يحمل سلاحاً ... ايضا"، إنّه سرّ من أسرار المُقاومة.
إنّ هذا الشّعور بالفخر تجاه أرض المُقاومة والمُقاومين وتجاه أماكن إستشهادهم أو تجاه أمكنة الإشتباك مع العدوّ أو في أمكنة تنفيذ عمليّات المُقاومة على أنواعها لن يجعلك أبداً تبتعد عن إنتمائك لجيشك، إنّما بالعكس سوف يقوّي شعورك وحبّك وإلتزامك بالمؤسّسة العسكريّة وسوف يشتدّ ولاؤك أكثر لأنّك سوف تنظر لهؤلاء الأبطال وكأنّهم أفراداً أو ضبّاطاً في وحدتك، حاضرون لمساعدتك دوما" في اي شيء تحتاجه ، جاهزون لتنفيذ مهمّات خاصّة تقوّي مهمّتك وتدعمها، تفرض ضرورات المعركة مع العدوّ الإسرائيليّ تمايزها عن مهمتك في الموقع أو في توقيت التحرّك أو في نوعه، وستستنتج ان لك عين واعية ساهرة تعطيك الثقة والامان، كيف لا فأرضكم مُشتركة وشعبكم مُشترك وهمّكم مُشترك وكرامتكم مُشتركة وعدوّكم مُشترك... إنّه سرٌ آخر من أسرار المُقاومة.