المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

«السفير» مع المقاومين في أرض الانتصار بالوطن

اللقاء بالمقاومين في أرض الانتصار بالوطن.. مربك. هؤلاء الذين لطالما سمعت عنهم صاروا أمامك يحدثونك بفائض من لطف شديد.. يزيل سريعاً أي أحكام مسبقة عن «المتهمين» بجريمة الخامس والعشرين من أيار.
من صور تبدأ المغامرة. «الأخوة» في الانتظار. تركن السيارة وتنتقل إلى سيارة رباعية الدفع. من يرسم الحد الفاصل بين المسموح والممنوع؟ يبتسم مستقبلك محاولا تهدئتك. لا ممنوعات ولا محاذير «إلا تلك التي يمكن أن يستفيد منها العدو».
في ذلك البيت الذي يعرف أهالي القرية أنه مقر لـ «حزب الله»، يتم تبديل الملابس. لا بد لمن يزور المقاومين الرابضين في الحقول الحدودية أن يرتدي لباساً عسكرياً يتناغم مع لون الأرض والشجر. هذه هي القاعدة العسكرية الأولى التي يتعلمها من لم يعرف في حياته معنى الحياة العسكرية. أما الغاية من هذا الإجراء فهي إعاقة طائرات الاستطلاع من رؤية «الأهداف».
لا تقدير محددا لزمان الرحلة أو المكان المقصود. في تلك الغابات التي تفاجأ بكثافتها تصبح كل الطرق متماثلة. كادت الجولة تلغى لو لم تغادر طائرة الاستطلاع أجواء المنطقة المقصودة.
الفطور الصباحي مع المقاومين مفاجأة. صعتر أخضر مع الخضار، لبنة بلدية، زيتون، وبيض بلدي بدا أحد المقاومين فخوراً بجلبه مبكراً. حضر الشاي أيضاً. ولدواع أمنية، استبدل مكان الفطور من تحت الشجرة الوارفة إلى منزل أمامه سيارة وخزان مياه. نحن ضيوف عائلة تناصر «حزب الله»، لا مراكز عسكرية حزبية في القطاع الغربي.
الطرائف لا تفارق المقاومين. لكنها تصدم الجديد على «الكار». معظمها يدور حول الشهادة. يتحدون بعضهم بمن سينال «شرف الشهادة» قبلاً. «الحاج هادي» قائد الموقع، نجا للمرة الثالثة. في العام 1997 جرح أثناء عملية ضد العدو لكنه زحف كيلومترات عدة حتى وصل إلى منطقة آمنة. في العام 2006 أصيب أثناء معارك تموز. عندما أعيد إلى منزله، اكتشف أن أخاه قد استشهد مع آخرين. منذ عامين تكرر الأمر في سوريا. «لم تكتب لي الشهادة»، يقول، لكن أحد أشقائه انضم إلى القافلة.

هدية «السيد».. خاتم فضي
عاد «الحاج كميل» مؤخراً من العراق. يلبس في أحد أصابعه خاتماً فضيا مميزاً يرفض إظهاره في الصورة. يقول إنه علامة فارقة يمكن التعرف إليه من خلاله. وللخاتم قصة يتكفل «أبو مهدي» بروايتها باختصار: «هذا الخاتم هدية من سماحة السيد (حسن نصرالله)». يقول زملاؤه إنه استحقه بجدارة بسبب الدور الذي لعبه في حرب تموز، فهو من أمهر رماة الصواريخ في القطاع الغربي.
لولا التصاقنا بتلك السيارة لما اكتشفنا وجودها. تكاد تتآخى مع الشجر الذي يحميها، لكنها ليست آلية عادية إنما راجمة صواريخ تحمل 12 صاروخاً جاهزا للإطلاق، يضاف إليها مخزن لصواريخ أخرى. «أبو علي» المسؤول عن الآلية، هو الآخر كان قد عاد من سوريا مؤخرا ويقول انه مستعد للعودة «كلما ناداني الواجب».
السؤال يتكرر والإجابة تتكرر. الكل جاهز للذهاب إلى سوريا، لا بل متحمس للمهمة، والسبب «لم يعد ممكنا الحديث عن فصل الساحات». وما يردده «حزب الله» في الإعلام، هو خطاب مقاوميه في المواقع الامامية. بالنسبة لأحد هؤلاء «المعارك في سوريا والعراق وحتى في اليمن هي امتداد للمعركة الأساس مع إسرائيل».
يذكّر «أبو مهدي» أن إسرائيل هي التي سبقت الحزب إلى توسيع رقعة الصراع، وبصماتها واضحة في كل مكان، إن لم يكن بأصابعها فبأصابع حلفائها. وبالتالي لم يكن أمام الحزب من خيار سوى مواجهتها أينما تكون، وأن تبقى جبهة الجنوب هي الجبهة الأم، مشيراً إلى أن حمايتها «تتطلب منا أن نحمي ظهرنا من الخطر التكفيري الآتي من خلف الحدود أيضاً». لذلك، يقول «أبو مهدي» أكثر من مرة: «مشتبه من يظن أن وجود الحزب في سوريا هو على حساب وجوده هنا في قلب الجنوب». ويضيف «يعرف العدو ذلك جيداً، ولولا ذلك، لما تردد باستغلال الفرصة».

جهوزية لاحتمال تدحرج الموقف فجأة
يذكر «الحاج سراج» أن الحزب كان لإسرائيل بالمرصاد ثلاث مرات في الفترة الأخيرة. الأولى، عندما تسلل «أفراد وحدة اسرائيلية مسؤولة عن تنفيذ عمليات خاصة، فتصدت لهم المقاومة من خلال كمين محكم، برغم أن معركة القصير كانت في أوجها، والمرة الثانية، عندما استهدفت المقاومة دورية إسرائيلية في مزارع شبعا بعبوة، رداً على تفجير إسرائيل لجهاز التنصّت الذي كان مزروعاً على شبكة الاتصالات الارضية التابعة للمقاومة، عندما كان أحد المقاومين يعمل على تفكيكه قرب بلدة عدلون. المرة الثالثة، عندما حاول العدو تغيير قواعد الاشتباك باستهداف عدد من كوادره في القنيطرة وقد جاءه الرد الحاسم في مزارع شبعا، لتأكيد جهوزية المقاومة في لبنان، علماً أن الحزب كان جاهزاً حينها لاحتمال تدحرج الأمور وصولاً إلى الحرب.
في اللامكان أيضاً ظهرت دشمة وقد نصب في وسطها مربض مدفعي من عيار 120 ملم بدا موجها نحو هدف ما في فلسطين المحتلة. الصاروخ من هناك لا يحتاج إطلاقه لأكثر من خمس ثوان. عندما يأتي الأمر من القيادة (كل المواقع الأمامية موصولة بالشبكة السلكية، التي يفاخر المقاومون بأنها أحد أهم أسلحتهم في حربهم مع اسرائيل) ليس على المقاتل سوى إحضار الصاروخ من المخزن المجاور ثم تذخير المنصة وإطلاقه، قبل التواري في نفق متداخل مع الدشمة.
وللنفق رواية أخرى، خصوصا أنه يقع في نقطة حدودية أمامية حساسة جدا. صحيح أن تقنية الأنفاق سبق للعدو أن اكتشف مفاعيلها في حرب تموز، لكن الأسلوب تطور. نوع الاسمنت تغير. طريقة التهوئة تبدلت وطرق توضيب السلاح والطعام تغيرت. الكهرباء مؤمنة 24 على 24 من خلال مولدات وضعت تحت الأرض أيضاً. أما الطعام، فلم يعد يعتمد على المعلبات. صار أخصائيو تغذية يعدون الطعام المعد للتخزين، بما يضمن للمقاتل أثناء الحروب الحصول على حاجته من المواد الغذائية والطاقة على مدى أسابيع. كل كيس يحتوي ثلاث علب كتب على كل منها ما تحتويه من طعام، إضافة إلى فوائدها الصحية، حيث يكون على المقاتل أن يأكلها بالتسلسل المحدد سلفاً، حتى يضمن حصوله على وجبة غذائية كاملة ومتوازنة. هذه الحصص ليست للاستهلاك سوى أثناء الحرب، أما في أيام التجهيز والتحضير، فللمقاومين أن يحصلوا على طعامهم بشكل روتيني.

ظاهرة الأنفاق.. استثنائية
جهوزية المقاومة توحي أن الحرب ستندلع اليوم أو غداً. الطعام جاهز والفرقة اللوجستية لديها إحصاء عن كل وحدات الطعام وتوزيعها على كل الدشم والمواقع، وقد درجت العادة على استبدالها قبل خمسة أشهر من انتهاء صلاحيتها. في النفق، لا يختلف الهواء عن الخارج. آلات سحب الرطوبة لحماية الحديد من الصدأ موجودة وآلات التهوئة موجودة أيضاً، كما مخارج الطوارئ يمينا ويسارا. المعنيون لم يفتهم تفصيل صغير.
وبعدما صارت الصواريخ تغلف بنايلون مسحوب منه الهواء وتوضع في داخله مادة مضادة للرطوبة، لم ينس المعنيون أن يتركوا إلى جانبها الشفرات ليتمكن المقاتل من فتحها بسرعة في لحظة الحرب.
من يظن أن المقاتلين المرابضين يتحدون الملل باللهو أو الانتظار الطويل مخطئ.. اختصروا سنوات عديدة بشهور واختصروا عقودا بسنوات، وإذا كانت الحرب لم تأت بعد فهي قد تأتي يوماً، لذلك، فإن العمل في بناء تحصينات وأنفاق جديدة لا يهدأ على مدار الساعة، وبدل عشرات آلاف الصواريخ الجاهزة للإطلاق، لا ضير بوجود مئات الآلاف، علماً أن الحفر يتم بشكل يدوي وبمعدات بدائية منعاً للفت الأنظار. أما الردم الذي ينتج عن هذه العملية، فيصار الى تعبئته بأكياس ثم يحمل إلى أماكن بعيدة نسبياً حيث يصار إلى رشها في الحقول ومن ثم تغطيتها بأوراق الشجر حتى تتآخى مع الطبيعة، لأن بقاءها في الأكياس، قد يلفت نظر العدو.
من يزور الحدود الجنوبية ويلتقي المقاومين، يدرك أن بنية «حزب الله» الرئيسية في مواجهة الخطر الاسرائيلي لم تتبدل. فمن يذهب في مهمة إلى سوريا، يعود فور انجازها إلى موقعه. لا شغور أو فراغ في أي موقع في هرمية الحزب حتى ولو لثوان معدودة. لكل مقاتل بديله إن ذهب إلى سوريا أو في إجازة. المواقع القيادية الرئيسية لم تترك الجنوب أبداً. «السيد جهاد» وكل فريقه ثابتون في أماكنهم. هم مسؤولون عن جهوزية قطاعهم للتصدي لأي اعتداء محتمل، وكما القوة الصاروخية، يفترض أن تكون الكمائن جاهزة، التي يشكل كل منها منظومة متكاملة قد لا تقتصر على العبوات والأشراك، إنما تشمل سلاحاً ضد الدروع ودعماً نارياً.


ايلي الفرزلي - السفير
22-أيار-2015

تعليقات الزوار

استبيان