نسي الجميع فلسطين. وللدقة، نسي من تبقّى من العرب قضية فلسطين. يمكن الجزم، من دون أي تردد، أنه ليس هناك بين الدول العربية من يهتم لقضية فلسطين اليوم. الدولة الوحيدة التي تقوم بالاتصالات هي قطر، ولكنها تقود وساطات سرية بين حكومة العدو وقياديين في حركة «حماس» في سياق مشروع «تهدئة طويلة الأمد». وذريعة المتواصلين أنه لا مجال للمقاومة المنتجة، أو لاتفاقية سلام مثمرة في الوقت الحاضر. والبديل هو تهدئة طويلة لا تلزم الطرفين بالتراجع عن مواقفهما وشعاراتهما، لكنهما يلتزمان عدم التقاتل الى حين. ويبدو أن المسعى القطري يحظى بموافقة تركيا ودعمها، وبدفع من جهات فاعلة في الولايات المتحدة الأميركية.
ومع الأسف، فإن في قيادة «الإخوان المسلمين» عموماً، وداخل قيادة «حماس» خصوصاً، من لا يمانع في الأمر. هؤلاء يتصرفون على أساس أن الأولوية، اليوم، هي لإعادة الاعتبار إلى التمثيل السياسي الشعبي والإقليمي والدولي لتنظيم الإخوان، وأن الجهد يجب أن يتركز على سبل منع تحطيم التنظيم من قبل جهات وحكومات باتت «تشكل خطراً لا يقل عن خطر إسرائيل».
لكن هذا الموقف ليس محل إجماع كامل، وخصوصاً بين قيادات حركة «حماس». ويعكس النشاط الخاص لكتائب عز الدين القسام، الذراع المقاومة، توجهاً مختلفاً. أو لنقل، إنه التوجه الذي يلتزم ثقافة وتوجهات الحركة التي لم تتعدل بعد.
وهو توجه، لا يمكن لقيادة الحركة السياسية الوقوف في وجهه، أو منعه. لكنها تحاول أن يكون، طوال الوقت، تحت إشرافها، لاعتبارات عدة، أبرزها أن هناك خشية ـــ وهي حقيقية ـــ من أن السير في خط تعزيز قدرات المقاومة، وتوفير كل الجهود لها، وحمايتها، يعني، أنها ستكون من حيث تعي، في قلب المحور الذي تقوده إيران في المنطقة. والخشية تعود، أيضاً، الى أن إيران قررت، وباشرت قبل أشهر عدة، إعادة تنظيم العلاقة وتفعيلها مع الجهاز العسكري في حماس، وقد استؤنفت عمليات الدعم بالمال والعتاد، ويعرف البعض أن هناك عملاً على مشاريع تطوير لقدرات المقاومة في سياق يؤهلها لخوض مواجهات أقوى وأفضل مع العدو.
وبحسب مطلعين، فإن حصيلة السنوات الخمس الماضية من السجالات السياسية والعلاقات مع دول المنطقة والإقليم، وحصاد البرنامج السياسي لتنظيم «الإخوان» في العالم العربي، لم تكن على مقاس المقاومة الفلسطينية. يكفي الاستناد الى حديث لقائد في «القسام»، عن أن زخم السنوات الماضية، لو استفيد منه حصراً في تعزيز بنية المقاومة، لكانت الأمور على غير ما هي عليه الآن. وهو يعود الى الحديث عن التفاهم الجديد مع إيران، والذي يقوم على تحييد النقاش السياسي، وعلى التفاهم بأن مقاومة العدو هي العنوان الوحيد أمام كتائب القسام، وأن مراجعة الأخيرة لآخر حرب مع العدو تجعلها أقرب الى بنية عملانية تأخذ بالاعتبار أموراً كثيرة، أبرزها تفعيل التنسيق مع قوى المقاومة الأخرى. وقد جرى الحديث أخيراً عن مناورة نفذتها كتائب القسام، بالتشارك مع سرايا القدس، التابعة لحركة الجهاد الإسلامي، عدا عن كون القسام تلمس على الأرض أن إيران وحزب الله يوفران دعماً إضافياً وكبيراً للجهاد الإسلامي، كما هي الحال بالنسبة الى فصائل مقاومة أخرى، من بينها مجموعات تابعة لحركة فتح.
وبحسب المعطيات، فإن إيران وحزب الله تفهّما بقوة واقع حماس. ومع الخبرة، يقدر الجانبان على التمييز فعلياً بين واقع القيادات التي لا تفكر سوى بمشروع المقاومة، وبين تلك التي تبحث عن استثمار سياسي سريع. كما أن إيران وحزب الله لا يبالغان البتة في حجم الأوزان بين مجموعات القرار في حماس، علماً بأن التطور الأبرز على هذا الصعيد، هو في قرار إيران إنشاء قناة اتصال مباشرة بقيادة كتائب القسام، من دون الحاجة الى المرور بالمكتب السياسي، وذلك لإيصال الدعم المطلوب مالياً وعسكرياً، بالإضافة الى التعاون في مجالات التدريب. ويبدو أن الأمور تجري بطريقة ترضي الطرفين، وخصوصاً كتائب القسام، التي لا تعيش تحت أي ضغط من جانب إيران وحزب الله لاتخاذ أي موقف سياسي مغاير لموقف قيادة حماس، علماً بأن في إيران وفي قيادة حزب الله من يؤكد رفض الدخول في أي محاولة لشق حماس، وأن الأمر ليس وارداً على الإطلاق، وأن وحدة حماس ضرورية وحاسمة في سياق حاجات مشروع المقاومة. لكن قرار طهران وبيروت هو عدم ربط التعاون العسكري مع كتائب القسام بنتائج التواصل السياسي مع قيادة حماس السياسية، حيث لا تزال الفجوات قائمة في عدد غير قليل من الملفات.
وفي هذا السياق، تستمر الاتصالات التي تتولاها حركة الجهاد الإسلامي مع القيادة المصرية بشأن الموقف من قطاع غزة. ويبدو أن هناك تغطية من جانب كتائب القسام لأي تفاهم يتم التوصل إليه، وتكون نتيجته تخفيف الحصار القائم من الجانب المصري على القطاع، مقابل المزيد من التطمينات الصادرة عن جهات فعالة في كتائب القسام حيال منع أي أعمال عسكرية مباشرة أو غير مباشرة من داخل القطاع تجاه منطقة سيناء، علماً بأن حماس تنفي بصورة قاطعة علاقتها بكل المجموعات التي تعمل في سيناء، سواء تلك المتصلة بالمجموعات الإسلامية، أو حتى ما يقول المصريون إنها مجموعات تتخذ من غزة قاعدة لها.