لا شيء يحدُّ روّاد الـ"فيسبوك" و"تويتر". ناشطو مواقع التواصل الاجتماعي لا يهدأون في "مطاردة" أخبار كلّ ما يعتبرونه يَمسّهم، غير أنّ للسياسة حصّة الأسد في متابعاتهم. أبرزُ الاهتمامات التي يُسارعون للحديث عنها ما يرتبط مباشرةً بالعداء لـ"اسرائيل"، فيتعقّبون جديد الصهاينة ويعلّقون ويطلقون المواقف الجادّة أو حتى الساخرة. وسط هذا الحراك، تلفُت المشاركة العربية عموماً واللبنانية خصوصاً في الحسابات الاسرائيلية.. يكفي أن يجول أيّ شخص في الصفحات الرسمية لمسؤولي الكيان الغاصب ولا سيّما أفيخاي أدرعي أو بنيامين نتنياهو، ليجد أن عدداً "لا بأس به" من المتابعين لهم هم من العرب لا بل من اللبنانيين. الأمر بات يُلامس حدود الظاهرة، فهل يعدّ ذلك تطبيعاً مع العدو أم أن للأمر تفسيراً آخر؟
لا شكّ أن الأمر ليس عادياً، ولأنه كذلك، يتردّد عدد ممن يتبّنون فكر المقاومة بالضغط على خاصيّة اللايك (إعجاب) أو الفولو (تتبّع) في صفحات المسؤولين الاسرائيلين. هي إشكالية واقعية اليوم تقوم على التناقض بين الفعل والعقيدة، وقد تكون انسجاماً بين الإثنين في بعض الأحيان. بين من يودُّ حقاً تعقّب الأعداء لكن قناعته في مواجهتهم تمنعه، وبين من يريد معرفة أخبارهم ولا يجد حرجاً في الانضمام الى حساباتهم دون مراعاة أية معايير وطنية.
الناشط في حملات مقاطعة "اسرائيل" عبد الملك سكرية يرى في ملاحقة بعض اللبنانيين للصهاينة على الانترنت "تطبيعاً رغم أن الدوافع قد تكون مختلفة بين متصفّح وآخر، فالقانون يمنع أي تواصل مع الاسرائيليين، مدنيين كانوا أم عسكريين، داخل الاراضي المحتلة أم خارجها، وبالتالي هم عدوّ لبنان الأوّل".
ولأنّ المسألة قبل أن تكون سياسية هي أخلاقية وإنسانية، يشير المتخصّص في مقاومة التطبيع الاقتصادي الى أنه وبينما يتهافت البعض في لبنان الى تتّبع حسابات المسؤولين الصهاينة، ينصرف بعض الاوروبيين الى مقاطعة البضائع الاسرائيلية على خلفية عنصرية "تل أبيب" واحتلال جيشها لفلسطين. أمام هذا المشهد، يأسف سكرية لوصول عدد من اللبنانيين الى هذه الحال، وهو يرجع ذلك الى "قُصر النظر وضعف الحسّ الوطني الذي يسهّل عليهم التعاطي مع الأعداء ولو افتراضياً على "تويتر" أو "فيسبوك"".
سكرية يشير الى تراخي الدولة في مراقبة ما يحدث على مواقع التواصل الاجتماعي، ويوضح في هذا السياق أن "مكتب مقاطعة "اسرائيل" التابع لوزارة الاقتصاد هو المرجعية الوحيدة في لبنان المولجة النظر في "هذه الظاهرة"، وقد أنشئ هذا المكتب بعد صدور قرار مقاطعة كيان الاحتلال عن جامعة الدول العربية عام 1953، والذي لا يزال ساري المفعول". وإذ ينبّه الى "ضرورة تحرّك المعنيين لمنع التطبيع الالكتروني"، يلفت سكرية الى "نقص موارد ذلك المكتب بشرياً ولوجستياً ما يعيق قيامه بالمهمة الموكلة إليه".
مراقبة التواصل مع الاسرائيليين مهمّة شاقة وخصوصاً على الانترنت، يُقرّ سكرية، إلّا أنه يتوّقف عند ما يمكن أن يقلب التوصيف: المقاومة. المقاومة الالكترونية بحسب سكرية موجودة بقوّة على مواقع التواصل الاجتماعي على اختلافها، وهدفها ضرب الصهاينة على الشبكة العنكبوتية وتقصّي أخبارهم وكلّ ما شأنه الإيقاع بهم ورصدهم الى حدّ اصطيادهم، وفي هذه الحالة لا بدّ من تفهّم الغاية التي تبرّر الوسيلة أي "الاتصال المفترض"، وعليه، يخلص الى أن خرق العدو الكترونياً يشفع لأية عملية "لايك" أو "فولو" لصفحاته الكثيرة.
انطلاقاً من أن العقيدة هي المبدأ، يرفض مدير عدد من الصفحات الداعمة للمقاومة على الـ"فيسبوك" و"تويتر" حسين حمّود اعتبار تتّبع حسابات الصهاينة و"مصادقتهم" ولو افتراضياً تطبيعاً. برأيه، من الطبيعي جداً أن نراقب ونلاحق الاسرائيليين.
حدود التطبيع من وجهة نظر حمود تقف عند طريقة التعبير عن المواقف لدى تتبّع الشخصية الاسرائيلية، أي كيف يُقدّم من ضغط على "لايك" أو "فولو" لحساب اسرائيلي، رأيه المناصر للعدوّ أو المناهض له.
يؤكد حمود أن حضور المسؤول الاسرائيلي الكترونياً ليس قائماً على أساس عدد متابعيه أو معجبيه، من هنا ينتقل للقول "إنني وفور الاشتراك بصفحته، أعمل على وضع تعليقات تسفّه أفكاره وسياسته مع التنبّه الى عدم الوقوع في الاستدراج عبر مجادلته بطريقة عادية وكأن عداءً لم يكن، وعليه أنا لا أحاور الاسرائيلي ولا أناقشه بل أواجهه".
حمود يعترف بأن "الدخول الى الحسابات الاسرائيلية ليس أمراً ضروياً أو مفيداً في بعض الأحيان"، لكنّه يقسّمه الى فئتين: "الدخول الواعي والدخول غير المسؤول. وفي هذا الاطار، يشرح أن "الدخول المنظّم والواعي عند الحاجة يكون مقصوداً وممنهجاً وواضح النوايا وهدفه إضعاف أفكار الصهاينة وما يروّجون له، وهو ما يحوّل النشاط الالكتروني الى ساحة للمقاومة والمواجهة والنضال، أما الثاني فيكون تطبيعاً حقيقياً فجلّ ما يحصل هو تواصل عادي مع اسرائيليين الى حدّ توقيع معاهدة سلام معهم ربّما!".
بناءً على المشاركة الواعية في الصفحات الاسرائيلية، يوحّد الناشطون المقاومون جهودهم لضرب الأعداء في "ميدان الانترنت".. من أجل ذلك يُطلقون عنان الحملات الالكترونية لإغلاق حسابات الصهاينة واكتساحها ضربةً تلو ضربة، حيث لا مكان لأية تسوية معهم ولو افتراضياً!.