عماد مغنية قَاتلَ من أجل الحرية وفضح الإرهاب الأميركي في لبنان
يقول بنيامين فرانكلين أحد الآباء المؤسسين للولايات المتحدة الأميركية، وثالث رئيس لها: "... عندما تكون أعمال الإنسان عادلة ومشرّفة، فإن سمعته تزداد وتترسخ كلما ازدادت معرفة الناس بها".
قبل شهر ومع اقتراب الذكرى السنوية لاستشهاد القائد الجهادي الكبير الحاج عماد مغنية (الحاج رضوان)، تعمدت وسائل الإعلام الأميركية وعلى مدى أيام نشر تقارير وأخبار ترتبط بالقائد الشهيد، وزجت باسمه في غير حادثة في محاولة منها لتبرير ـ سواء مباشرة أو بطريقة غير مباشرة ـ اغتياله، بمساهمة فعالة من قبل "الموساد" الإسرائيلي على أرض دمشق.
وقبلها بأعوام كان عدد من المفكرين والمثقفين الاميركيين على موعد مع رسالة موقعة من قبلهم وتحمل عنوان: "لماذا يكرهوننا؟".
التوقف بين هذين الحدثين يكشف جوانب من حياة الشهيد القائد ويجيب على أسئلة هؤلاء.
بئر العبد: مفتاح اللغز
في الثامن من آذار/ مارس 1985 وقرابة الساعة الرابعة والأربعين دقيقة عصراً فجرت مجموعة من العملاء سيارة مفخخة في محلة الصنوبرة ـ سندريلا في بئر العبد في محاولة منها لاستهداف سماحة آية الله السيد محمد حسين فضل الله، فأوقع التفجير نحو 80 شهيداً، من بينهم أكثر من 40 إمراة وطفل، وما يقارب 260 جريحاً. فضلاً عن تدمير أربعة مبان، وتضرر 20 مبنىً سكنياً ضمن دائرة شعاعها 200 متر، وغيرها من الأضرار المادية.
يومها سكت العالم كله، إلا شخص واحد قرر التحقيق في العملية، وبعد عدة إجراءات مهنية وصل إلى المحرض والمنفذ، وكانت بالطبع الاستخبارات المركزية الأميركية وخلية من العملاء، فأوقف عدد من أفرادها بلغ أحد عشر عنصراً اعترفوا جميعاً بما فعلت أيديهم من جرائم، وأنهم من العام 1978م يعملون في مجال التجسس، وبتغطية من أجهزة رسمية داخلية ودعم إقليمي ودولي.
سبعة أعوام عاثت فيها تلك المجموعة فساداً، مع آخرين فروا وقتذاك إلى ما كان يعرف بالمنطقة الشرقية، خلَّفوا ما يقارب العشرين تفجيراً، 277 قتيلاً و1111 جريحاً، إضافة إلى دمار طال العديد من الأبنية السكنية والمحال التجارية، وإثارة الرعب في قلوب الآمنين.
مغنية.. كاشف العملاء والمجرمين
في صبيحة اليوم التالي للمجزرة شمّر عماد مغنية عن ساعديه وقرر الكشف عن المنفذين مهما بلغت التضحيات ومهما استغرقت من جهد ووقت. في الوقت عينه بدأ المجرمون محاولات تضليل الرأي العام عبر تقرير نشرته صحيفة "الواشنطن بوست" لحرف الأنظار عن الضلوع الأميركي في الجريمة.
ذكر التقرير أن الرئيس الأميركي رونالد ريغان كان قد وافق في آواخر العام 1984 على عملية سرية تخوِّل وكالة المخابرات المركزية تدريب ودعم عدد مما أسماه "الوحدات المضادة للإرهاب" والتي كانت مهمتها ضرب من وصفتهم بالإرهابيين المحتملين في الشرق الاوسط.
وتابع التقرير ان لإحدى هذه المجموعات - وهي مؤلفة من استخبارات لبنانية وغير لبنانية - مهمة مستقلة، دفعت مالا للبنانيين ليفجروا في بيروت سيارة محملة كمية من المتفجرات خارج منزل قائد شيعي مقاتل يعتقد أنه وراء الهجمات على المنشأت الاميركية في المنطقة.
وأكمل التقرير أن الإدارة الاميركية عندما وجدت نفسها على صلة غير مباشرة بالتفجير (بئر العبد) عمدت إلى إلغاء العملية السرية...
وحسب التقرير نفسه فإن وزير الخارجية جورج شولتز ومستشار شؤون الامن القومي روبرت ماكفرلين كانا من المؤيدين الرئيسيين للعملية السرية في لبنان.
ونقل التقرير عن أحد المصادر قوله أن "الخارجية والبيت الأبيض دعما هذا، ووفقاً للمصدر نفسه فإن القرار النهائي الذي يقضي إقرار الخطة في آواخر خريف العام 1985 اتخذ بسبب "تشديد شولتز، وتردد وزير (الحرب) كاسبار واينبرغر في استخدام القوة بطريقة تقليدية، وغضب ماكفرلين إزاء "الإرهاب".
الحجاب: مزيد من الفضائح
وفي كتابه "الحجاب" نقل الكاتب المتخصص بحروب أميركا السرية بوب ودورد عن مدير محطة بيروت في CIA وليك كايسي يومها آلية التمويل والتي جاءت حسب كايسي بعد اجتماع بينه وبين الأمير بندر بن سلطان بن عبد العزيز، سفير السعوديّة في واشنطن، وذلك في أحد المقاهي في واشنطن، وقرّرا آنذاك، أنّ السيد فضل الله أصبح عنصراً غير مريح للسياسة الأمريكيّة، وبالتّالي عليهم التخلّص منه.
وبناءً على ذلك، قام الأمير بندر بن سلطان بتسليم شيك بقيمة ثلاثة ملايين دولار للمخابرات الأمريكيّة، لتمويل عمليّة اغتيال السيد فضل الله هذه، لأنّ مثل هذه العمليات قد لا يسمح الكونغرس الأمريكي بصرف تكاليفها من ميزانيّة المخابرات"، حسب ما جاء في المذكّرات...
كل هذه التفاصيل كشفها الحاج رضوان بعد أقل من عام على التفجير، وكشف معها تفاصيل لأكثر من 22 تفجيراً حصلوا خلال الأعوام الأربعة التي سبقت العملية وهي:
ـ 1981 : تفجير سينما سلوى.
ـ 1982 : تفجير محلات مكتبي.
ـ 1982 : تفجير سوق الروشة.
ـ 1982 : تفجير الدار الاسلامية.
ـ 1982 : تفجير في الأوزاعي.
ـ 1982 : تفجير سينما سلوى مجدداً.
ـ 1982 : تفجير السفارة المصرية.
ـ 1982 : تفجير مطعم أبو النواس.
ـ 1982 : تفجير مكب للنفايات قرب مكتب لحركة امل في المصيطبة.
ـ 1983 : تفجير ABC .
ـ 1983 : تفجير مكتب منظمة التحرير الفلسطينية.
ـ 1983 : تفجير سوبر ماركت سميث.
ـ 1983 : تفجير في شارع التلفزيون.
ـ 1984 : نفجير في منطقة عائشة بكار.
ـ 1984 : تفجير محلات الشيخ موسى.
ـ 1984 : تفجير سيارة في أول شارع صبرا.
ـ 1985 : تفجير مبنى مهجور في محلة البيكاديلي.
ـ 1985 : تفجير بار كانون لايت في جان دارك.
ـ 1985 : تفجير بنك الرافدين.
ـ 1985 : تفجير أمام مسجد الإمام علي بن أبي طالب في الطريق الجديدة.
ـ 1985 : تفجير محطة الزهيري في وطى المصيطبة.
كل تلك العمليات والتفجيرات حصلت بدعم وتمويل وتخطيط وتدريب أميركي لهذه المجموعة، وهذا العمل كان على مستوى بث الرعب في صفوف الناس العاديين، أما في ملف الأحزاب والقيادادت والشخصيات فكانت المفاجآت بالأسماء والمراكز وهي على الشكل التالي:
في الضاحية الجنوبية في العام 1985 وبفارق أسبوع تم تفجير قاعدة الشهيد بلال فحص في الرويس، وبعد ذلك وضعت متفجرتان في منطقة حي ماضي إحداهما في سيارة مفخخة والثانية في طرد يحمل عبوة ناسفة.
في بيروت (الغربية) تفجير الجامعة العربية، ومحاولة اغتيال وليد بيك جنبلاط، وتفجير مركز الأبحاث الفلسطيني، تفجير فندق السمرلاند، تفجير جريدة السبيل، محاولة اغتيال سليم الحص و تفجير دار الطائفة الدرزية في عائشة بكار.
في طرابلس اغتيال الدكتور عصمت مراد، وتفجير مسجد الإمام علي(ع) في منطقة التل.
بعد كل ما جرى.. يمكن لمن سأل عن سبب الكراهية اكتشاف الجواب ببساطة.
أما الاستمرار في وصم المقاتل من أجل الحرية بالإرهابي، فهو محاولة لزرع البلبلة مجدداً عبر ملفات سقطت على اعتاب صخرة صمود اللبنانيين قبل أن تسقط أمام ضربات القضاء.
لن تتغير الصورة، لم يكن عماد مغنية إرهابياً ولن يكون... من قتل اللبنانيين ودمر بيوتهم وأرزاقهم وحاول قتل قادتهم وخلق الفتنة بينهم هو الإرهابي، نحن قومٌ كان شعارنا وسيبقى ذلك الذي أكده بالوقائع الشهيد القائد عماد مغنية: "أمريكا أم الإرهاب"..