انشغلت الصحف اللبنانية الصادرة صباح اليوم، بالخطاب الذي القاه يوم أمس الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله في احتفال تكريم شهداء القنيطرة. وفيما ركزت بعض الصحف على أن الخطاب كسر كل "قواعد الاشتباك" مع العدو الصهيوني، اعتبرت صحف اخرى أنه وضع آلية عمل جديدة مفادها بأن الردع اصبح بـ "العقاب". الى ذلك، لم تفهم بعض الصحف من خطاب السيد نصر الله سوى أنه إثارة للمخاوف وقد يفتح الباب امام خرق القرار 1701 .
صحيفة "السفير"
بدايةً مع صحيفة "السفير" اليت كتبت أن "لبنان بلا رئيس للجمهورية لليوم الثاني والخمسين بعد المئتين على التوالي"، واضافت "لولا مرض الانقسام السياسي والمذهبي في الداخل اللبناني، ولولا الأزمة السورية المفتوحة على مصراعيها، لكانت عبارات السيد حسن نصرالله الموجهة إلى الإسرائيليين، أمس، قد جعلت بلداً صغيراً مثل لبنان ركيزة استنهاض ومزيد من الشعور بالثقة والكرامة عربياً، خصوصا في ظل انهماك الساحات بقضاياها «الصغيرة» وحروبها الأهلية «الكبيرة»!
ولولا تلك الرصاصات العشوائية والقذائف الصاروخية التي شوّهت مهرجان تكريم ثلة من الشهداء المقاومين، لكان «مهرجان النصر الثالث» قد دخل كل بيوت اللبنانيين، من خلال العبارات والهتافات والصور.. وخصوصا تلك الدموع التي ذرفها السيد نصرالله، للمرة الأولى على المنبر، منذ تاريخ تبوئه سدة الأمانة العامة وقيادة المقاومة قبل ثلاثة وعشرين عاماً.
كان مزاج المشاركين في مهرجان «مجمع سيد الشهداء» في الضاحية الجنوبية لبيروت، يشي باحتفالية تشبه مهرجان التحرير في بنت جبيل في العام 2000 ومهرجان الانتصار في ملعب الراية في أيلول 2006. العناصر المشتركة بين الأناشيد والمسرح والصور وشعار «على طريق القدس» وهتافات الجمهور المتكررة «أبو هادي» والتصفيق الذي لم يهدأ، بيّنت كلها أن مهرجان تكريم شهداء القنيطرة، صار مهرجان انتصار وليس مجلس عزاء.
وحسناً فعل السيد نصرالله بأن عاد إلى خطاب التأسيس والى بيانات المقاومة الأولى في بداية الثمانينيات، عندما ختم خطابه بالعبارة الشهيرة: «بندقية المقاومة هي الرد.. وقوافل الشهداء تصنع النصر».
استعاد بعض المشاركين لحظة اعتلاء نصرالله المنبر أمام مقر قيادة «الشورى» في حارة حريك في شتاء العام 1992، مخاطباً الإسرائيليين أنهم ارتكبوا أكبر حماقة في التاريخ بقرار تنفيذ جريمة اغتيال الأمين العام الشهيد عباس الموسوي وبعض أفراد عائلته.
ومن منبر شهداء القنيطرة، الذين سقطوا بطريقة الاغتيال نفسها، خاطب نصرالله في ذروة حضوره ومعنوياته وقوته الإسرائيليين قائلا انكم بفعلتكم الجبانة، جعلتم المقاومة تكسر كل المعادلات منذ الآن فصاعداً. نحن لسنا هواة حرب ولا نريدها، لكن إذا فُرضت علينا فنحن لها.
وإذا كان البعض قد فهم من هذه المعادلة الجديدة أنها «تهدد القرار 1701 وكل قواعد الاشتباك التي كرّستها حرب تموز 2006»، فإن التدقيق في مضمونها يشي برفع الصوت عاليا بأن «الدول» الحريصة على أمن إسرائيل أولاً، عليها أن تتحمل مسؤوليتها في منع ارتكاب حماقة جديدة كتلك التي ارتكبها رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو في القنيطرة.
وليس خافياً على أحد أن أسباب ذهاب «حزب الله» إلى ساحة القنيطرة، صارت موجبة له أكثر من أي وقت مضى بعد العملية الإسرائيلية الأخيرة، خصوصا أن المقاومة كانت قد استشعرت من وراء تسهيلات الجيش الإسرائيلي العلنية لـ «جبهة النصرة» للإمساك بنحو 80 في المئة من مواقع الجيش السوري على طول خط الجبهة الأمامي، محاولة مكشوفة للالتفاف على المقاومة عبر المثلث السوري - الفلسطيني - اللبناني، ومن هنا، كان قرار تكليف مجموعة من الكادرات في المقاومة، وبينهم المجموعة التي سقطت في عملية القنيطرة، بالتحضير لعمل نوعي كبير من أجل كسر المنطقة العازلة التي يحاول «جيش لحد السوري» (أحد أذرع «القاعدة») تثبيتها ميدانياً.
ولعل الإسرائيلي قد أدرك مبكراً أن هذه المجموعة المقاومة مع غيرها من المجموعات، إذا نجحت في مهمتها، ستجعل المقاومة للمرة الأولى على تماس مباشر معه في تلك الجبهة، فكان القرار الإسرائيلي بتوجيه الضربة (التدخل المباشر الأول من نوعه مع «النصرة» ضد «حزب الله»)، من دون أي احتساب دقيق لنتائجها وتداعياتها اللاحقة، وفي المقابل، تمكنت المقاومة من تحويل الخسارة بالدم إلى ربح استراتيجي في الصراع المفتوح مع إسرائيل «عدونا اليوم.. وغدا»، كما ردد السيد نصرالله في خطابه النوعي الذي كان يصعب تفكيكه أو تجزئته من أوله حتى آخره.
وبدا واضحاً أنه باستثناء الإشارة - التحية للجيش اللبناني، واعتبار شهادة جنوده في مواجهة الجماعات التكفيرية بمستوى شهادة المقاومين ضد إسرائيل و «أعوانها التكفيريين»، قرر السيد نصرالله التحرر من العبء اللبناني، لكي لا يحرج الآخرين في زمن الحوار المفتوح على مصراعيه، ولا يحرج نفسه أيضا بمفردات قد يستخدمها البعض ضد الحزب، مكتفياً بإشارة أن الحزب من قماشة لا تتلقى أي إملاء من أحد، سواء أكانت سوريا أو إيران، بل هو سيد نفسه وقراراته في السياسة والرئاسة.. والميدان..
ونال جمهور المقاومة ما يتجاوز تعطشه. رسالة «السيد» في ختام خطابه كانت واضحة: «من الآن فصاعداً، أي كادر من كوادر حزب الله المقاومين، أي شاب من شباب حزب الله يُقتل غيلة (اغتيالاً) سنحمّل المسؤولية للإسرائيلي وسنعتبر أن من حقنا أن نرد في أي مكان وأي زمان وبالطريقة التي نراها مناسبة».
صحيفة "النهار"
بدورها، رأت صحيفة "النهار" أنه "قد لا ترقى الكلمة التي ألقاها الامين العام لـ"حزب الله" السيد حسن نصرالله امس في الاحتفال الحاشد الذي أقامه الحزب إحياء لـ"شهداء القنيطرة" الى مستوى "خطاب النصر الالهي" الذي ألقاه غداة انتهاء حرب تموز 2006. لكن الاجواء التي واكبت هذه الكلمة الى بعض مضامين المواقف التي أعلنها نصرالله بدت الاقرب الى استعادة ذلك الخطاب ومناخاته.
ولعل العامل الشكلي والسياسي الذي أضفى على احتفال الحزب وكلمة أمينه العام مزيدا من الدلالات الاقليمية التي تجاوزت البعد الداخلي تمثل في الحضور والرعاية الايرانيين المباشرين للمناسبة مما عكس "تعبئة" معنوية وديبلوماسية ايرانية الى جانب الحزب كرسالة شديدة الوضوح في شأن "وحدة المحور الثلاثي" الذي يضم ايران والحزب والنظام السوري، علما ان السيد نصرالله تناول هذا البعد بحديثه عن "تمازج الدم" اللبناني والايراني على أرض سورية في عملية القنيطرة.
وفي المقابل، علمت "النهار" أن أطرافا في الحكومة تلقوا امس بعد خطاب السيد نصرالله إتصالات ديبلوماسية من الجانبين الاميركي والفرنسي للإستفسار عن موقف الحكومة من هذا الخطاب. وقالت مصادر وزارية ان الموقف المعتدل الذي اتخذه رئيس الوزراء تمام سلام في مجلس الوزراء اول من امس، كان يفترض مبادلته بالمثل فإذا بالخطاب يأخذ الامور الى مزيد من التصعيد، مما يشير الى ان التطمينات الى انتهاء المخاطر ليست سوى تطمينات مرحلية.
وأفادت مصادر معنية ان عددا من المرجعيات تلقى تحذيرا من جهات دولية في الساعات الاخيرة من مغبة جرّ لبنان الى مواجهات ستكون نتائجها كارثية ليس فقط على المستوى الامني، بل أيضا على الصعيد الاقتصادي. وفي هذا السياق قالت الجهات نفسها إن اليونان في أزمتها الاقتصادية لم تلق من يهتم بأمرها فكيف بلبنان الذي لم يجتز إستحقاق انتخاب رئيس جديد للجمهورية والذي يواجه أخطاراً أمنية في ظل أزمة أسعار نفط متدنية؟ وفي تقدير هذه الجهات ان الامين العام لـ"حزب الله" يستفيد من فترة إنتقالية في شباط المقبل تفصل عن آذار حيث هناك إستحقاق المفاوضات النووية بين واشنطن وطهران وإستحقاق الانتخابات الاسرائيلية وكلا الطرفين الايراني والاسرائيلي لا يريد تعكير صفو الإستحقاق الخاص به مما يسمح لنصرالله بإتخاذ مواقف متشددة.
واسترعى الانتباه في هذا السياق ان وزير العدل اللواء اشرف ريفي سارع مساء أمس الى الطلب من النيابة العامة التمييزية تكليف الاجهزة الامنية تحديد هوية مطلقي النار والقذائف الصاروخية في بيروت وبعض المناطق وملاحقتهم.
وصرّح ريفي لـ"النهار" بأنه "بعد مشهد إطلاق النار والقذائف الصاروخية في العاصمة بيروت وبعض المناطق شعرت كمواطن ان الآمال قد تبددت في الدولة والحوار والحكومة الأئتلافية والاجهزة الامنية والقضائية وكأن هناك صيفاً وشتاء على سطح واحد. إنه أمر أخجلني فعلاً".
صحيفة "الاخبار"
الى ذلك اوردت صحيفة "الاخبار" مجموعة من التقارير عن خطاب السيد نصر الله يوم أمس. وتحت عنوان "جديد المقاومة: الردع بالعقاب"، كتب ابراهيم الأمين أنه "بات ممكنا، اليوم، الحديث عن اليوم التالي في ملف الصراع مع اسرائيل. لم تكن عملية المقاومة النوعية في مزارع شبعا نقطة التحول. كان خطأ العدو في قياس واقع المقاومة، هو الاشارة العملية التي اتاحت لحزب الله ممارسة هوايته المفضلة في «تحويل التهديد الى فرصة». وهذا ما جعل رد المقاومة العسكري، وتفسيره السياسي والعملاني، يقفل صفحة ويفتح صفحة جديدة.
وختم الأمين بالقول إن المقاومة التي افتتحت مرحلة جديدة في الصراع، تحتاج إلى عون حقيقي من المحبين، وهو عون يقتضي الهدوء. وهي تحتاج الى قدر كبير من الحب والتضامن والثقة، ولا تحتاج ابدا الى من يضج من حولها ولو عن غير قصد. وعلينا التنبه، الى ان من لا يقدر او لا حاجة له في ميادين القتال، يقدر على القيام باعمال كثيرة، ابرزها، جعل الوعي ثابتا في العقل، ومنسحبا على سلوك يومي في الحياة، لا على اساس انفعال تفضحه لحظة المواجهة الحقيقية. ان فعل المقاومة كبير وكبير جدا، ولا يحتاج الى من ينفخ فيه، بل يحتاج الى من يحوّله فكرة لا يقدر على حجبها جهلة ولا طغاة!
هذا و كتب سامي كليب تحت عنوان "خيوط اللعبة | نصر الله يخرق قواعد الاشتباك... بحكمة"، أنه "يمكن أن نؤرخ أن 30 كانون الثاني 2015، هو نقطة تحول جديدة في خطاب حزب الله. ما قاله الأمين العام للحزب السيد حسن نصر الله أمس أمام صورة شهداء القنيطرة، وتحت شعار «على طريق القدس»، يعني ببساطة توحيد الجبهة من الجولان الى الجنوب اللبناني، ففلسطين. يعني كذلك التأسيس لاستراتيجية جديدة تنسف كل حدود الجغرافيا السابقة.
وأضاف "منذ أمس، انتهت رسمياً الاستراتيجية السابقة التي كانت تقضي بحصر القتال مع إسرائيل ضمن الحدود اللبنانية. هذا تطور نوعي في الخطاب والتخطيط، لعله تطور متفلّت من كل الضوابط السابقة". وختم بالقول "منذ أمس، صارت المنطقة أمام شكل جديد من الصراع. هذا هو بالضبط توازن الرعب. وبقدر ما قد يثير القلق عند إسرائيل وأطراف لبنانية تريد تجريد حزب الله من سلاحه وترفض تخطيه الحدود، بقدر ما قد يُشكل عامل استقرار، لأن إسرائيل تعرف أن نصر الله لا يمزح... فهل تتحداه؟".
صحيفة "الجمهورية"
هذا وقالت صحيفة "الجمهورية" إن "الرسالة الأساسية التي وجّهها الأمين العام لـ»حزب الله» السيّد حسن نصرالله إلى إسرائيل في إطلالته أمس هي أنّ أيّ اعتداء تقوم به على الحزب سيردّ عليه «أينما كان، وكيفما كان، وفي أيّ وقت كان»، معتبراً أنّ «قواعد الاشتباك السابقة انتهت»، وأنّه على طريقة «أعذِر من أنذر»، فإنّ أيّ عملية إسرائيلية سيُرَدّ عليها بالمِثل، الأمر الذي يؤشّر إلى احتمالين: الأوّل، طيُّ الصفحة التي بدأت في القنيطرة، وعودة الحزب وإسرائيل إلى توازن الرعب الذي حكمَ العلاقة بينهما لمرحلة طويلة، والاحتمالُ الثاني ردُّ إسرائيل على الرد والدخول في مواجهة أمنية مفتوحة يصعب التكهّن بمؤدّياتها ونتائجها.