المقاومة الإسلامية - لبنان

الموقع الرسمي


أخبار

خمس ملاحظات ازاء عملية الكنيس في القدس


حسان ابراهيم

تتجاوز عملية الكنيس في القدس نتائجها المادية المباشرة، وهي تتصل بأصل المواجهة الجارية منذ اشهر حول المدينة المقدسة والحرم القدسي الشريف. المعركة، وإن تراجعت مع تراجع "اسرائيل" عن مساعيها في الفترة الاخيرة للسيطرة على الحرم، الا انها لم تنته بعد، وما زالت تداعيات المحاولة الصهيونية للاضرار بالحرم قائمة، وتنعكس عمليات ينفذها الفلسطينيون بين الحين والاخر، وبهذه الصورة او تلك. السيطرة على الحرم لا تشبه اي محاولة اضرار اخرى بالفلسطينيين، وردود الفعل الدفاعية ازائها، لا تشبه ايضا، اي ردود اخرى.

يوجد في دلالات العملية اكثر من ملاحظة، تستأهل الوقوف عندها لأهميتها.

اولا: اخطأ رئيس الحكومة الصهيونية، بنيامين نتنياهو،  ووزراؤه، في قراءة الوضع وتقويمه. فرغم تردي الوضع العربي وانشغاله عن فلسطين، ورغم ابتعاد السلطة الفلسطينية عن المقاومة وتدفيع "الاسرائيلي" الثمن على أفعاله العدائية، الا ان للقدس مكانة في نفوس الفلسطينيين، لا يمكن انهائها او قمعها مهما كانت العوامل الضاغطة، وهي تتجاوز في حضورها وتأثيرها اي عوامل ضغط، قريبة كانت او بعيدة.



وقد أخطأ نتنياهو واليمين الصهيوني لدى ظنهم بأن التردي العربي يمكن البناء عليه باتجاه محاولة السيطرة على الحرم القدسي، او تقسيمه في اقل تقدير ممكن كما حصل في الحرم الابراهيمي في الخليل قبل سنوات. هذه المحاولة فشلت، بل وجرى الاعلان عن الفشل والاقرار به "اسرائيليا"، وعلى لسان رئيس الحكومة الصهيونية نفسه، نتنياهو، اذ قال ان ""اسرائيل" لا تنوي تغيير الوضع القائم في الحرم". الا ان التراجع لم يأت من فراغ، وجاء بعد حراك فلسطيني مشهود له، وبعد ان اثبت الفلسطينيون بأن الحرم ليس مكانا للتنازل عنه، مهما كانت العوامل الضاغطة والتردي العربي، ومهما كانت الهجمة الصهيونية شرسة وضاغطة ايضاً".

لقد أدرك "الاسرائيلي"، وإن بعد فوات الاوان، ان السيطرة على الحرم تحديدا، تختلف في تداعياتها عن أي محاولة اخرى للاضرار بالفلسطينيين، مهما كبرت او صغرت. للحرم قدسيته الخاصة التي تلزم الفلسطينيين، حتى من دون تخطيط مسبق وحتى من دون قيادة فوقية، للتحرك دفاعا عن "اولى القبلتين وثالث الحرمين".. واذا كانت ردود الفعل الفلسطينية على محاولات "اسرائيل" بما يتعلق قضايا ومسائل اخرى تنتهي بمجرد تراجع "اسرائيل"، الا ان محاولة الاستيلاء على الحرم لا تقف الردود عليها بمجرد التراجع، وهي تستمر الى ان يجري التأكيد في الوعي الجمعي الفلسطيني، بان العدو لن يقدم على المحاولة من جديد.

ثانيا: هذه المرة لا يوجد لدى تل أبيب عنوان وجهة للرد عليها، علما أنّ عملية الكنيس هي رد فعل وليس عملا ابتدائيا، وتأتي في سياق ردود الفعل على محاولة السيطرة على الحرم القدسي، فغزة بعد عملية "الجرف الصامد" ونتائجها، وخروج "الاسرائيليين" منها بفشل وعدم قدرة على هزيمة الفلسطينيين، باتت خارج اطار الرد "الاسرائيلي"، وعلى الأقل للاشهر المقبلة. كما ان الضفة الغربية، التي تسعى تل أبيب الى ابقائها هادئة، لا يمكن ان تكون عنوانا للرد، والا دفع "الاسرائيلي" سكانها نحو الانتفاضة الثالثة دفعا، الامر الذي لا تريده  تل أبيب، وتسعى الى الحؤول دونه.

من هنا، أتت ردة الفعل "الاسرائيلية" مركزة تحديداً على عائلتي الشهيدين منفذي العملية، دون ان تنسحب الى سكان مدينة القدس او الضفة الغربية، وما صدر عن وزير الحرب، موشيه يعلون، من انه" لن يفتح بعض الطرق الرئيسية المغلقة في الضفة الغربية عقابا وردا على العملية"، فهو تأكيد على انّ وجهة رد الفعل مفقودة لدى تل أبيب، مما لم يبق أمامها الا خيار واحد، التلويح بفعل ما هو قائم وموجود: استمرار اغلاق طرق، هي في الاساس مغلقة منذ مدة طويلة.

في الوقت نفسه، لا يمكن لـ"اسرائيل" ان تواصل الضغط على الفلسطينيين، كرد فعل على العملية، لأنّ نفس الضغط سيواجه بعمليات شبيهة بعملية الكنيس. وفي الوقت نفسه ايضا، "اسرائيل" معنية بالرد وعدم السكوت، والا تشجع الفلسطينيون اكثر لمزيد من العمليات.. هي حلقة مفرغة دخلتها "اسرائيل"، ولا تدري كيفية الخروج منها.

ثالثا: كان بارزا، جدا، تعاطي الاعلام العبري مع عملية الكنيس. لا يوجد تحريض  ولا مطالبات بالرد على الفلسطينيين. وكأن اعلام "اسرائيل" وكتابه ادركوا قبل صاحب القرار في تل ابيب، ما يمكن تسميته بحدود القوة، وليس كل ما يطلب يمكن الحصول عليه.

بدا واضحا من التعاطي الاعلامي، ان الاسرائيليين يرون بان لا جدوى ولا مصلحة في ردود فعل تجر مزيد من العمليات، كما ان معظم الكتبة وجهوا اصابع الاتهام الى كل من حاول العمل على الاستيلاء على الحرم وجر ردود فعل فلسطينية عليه، بدءا برئيس الحكومة الذي وافق على المحاولة من خلال صمته الابتدائي، مرورا بالشخصيات اليمينية التي اقتحمت الحرم اكثر من مرة وأغضبت الفلسطينيين، وصولا الى تعاطي الشرطة والاجهزة الامنية مع الاحداث منذ ان بدأت.

رابعا: كما هي العادة المتبعة "اسرائيليا" في حالات مشابهة عندما تفقد "اسرائيل" عنوانا للرد على العمليات الفلسطينية، فإنها تحاول ايجاد عنوان ما تضع "اللوم" عليه، يسمح لها تبرير عدم الرد. هذه المرة كان العنوان هو السلطة الفلسطينية ورئيسها، محمود عباس، اذ وجهت اليه الانتقادات والحملة التي قادها نتنياهو ووزرائه ضده.

وهذه الحملة (ضد ابو مازن) هي في الواقع تعبير عن فقدان القدرة على الرد على العمليات، اكثر من كونها استغلالا للعمليات للتصويب حول الشريك لدفعه لمزيد من التنازلات وفرملة المساعي الدولية التي ينوي القيام بها ضد "اسرائيل"، أي انها تعبير عن قصور وعدم قدرة، اكثر من كونها استغلال لحدث لدفع الشريك للتنازل.

في هذا الاطار يحضر تصريح رئيس الامن العام الداخلي (الشاباك)، يورام كوهين، الذي عرّى تصريحات نتنياهو ووزرائه حول ابو مازن، وأكد على شراكة عباس لاسرائيل، وانه لا يسعى ولا يريد وليس في نيته، وبالمطلق، دعم "الارهاب" او التسبب بانتفاضة فلسطينية ثالثة.

كلام كوهين شجّع ايضا الاعلام العبري على مهاجمة نتنياهو، ووضع الاصبع على الجرح. اذ جاءت كل التحليلات تقريباً مركزة على هذه الناحية: ابو مازن شريك وليس عدو، والسبب الاساسي لما جرى تسميته بـ"انتفاضة العمليات الفردية"، هو الاجراءات والافعال "الاسرائيلية"، للسيطرة على الحرم.

خامساً: بناء على ما ورد، يبرز سؤال: هل فهمت "اسرائيل" ما يجب أن تفهمه، وان الحرم خط أحمر لا يمكن للفلسطينيين ان يسمحوا بتجاوزه؟ الجواب: نعم بالتأكيد. وفي الوقت نفسه يبرز سؤال آخر: هل هذا يعني ان تل ابيب لن تحاول من جديد السيطرة على الحرم؟ الجواب: لا بالتأكيد. اذ ستعمد الى استغلال اي حدث، محلي او اقليمي، لمعاودة المحاولة من جديد، ليس فقط باتجاه تقسيم الحرم على طريقة الحرم الابراهيمي في الخليل، بل وايضا السيطرة بالكامل عليه.

أثبتت التجارب أنّ" ما يحصن الحرم القدسي هم الفلسطينيون انفسهم واستعدادهم للتضحية في سبيلة، اما الاتكال على "همة" العرب المفقودة، والحرص من قبل السلطة التي لا ترى في المقاومة سبيلا لتحرير الارض، او "قلق" الامم المتحدة والادانات الغربية للاعتداءات الاسرائيلية، فكلها سراب بسراب، ولا تجد نفعا".
21-تشرين الثاني-2014

تعليقات الزوار

استبيان