القدس المحتلة – شذى عبد الرحمن
لم تنم نبراس الشلودي (13 عاما) على سريرها وبين ألعابها كالعادة في منزلها الكائن في بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى، ولم تستيقظ لتتناول إفطارها وتحمل حقيبة كتبها وتغادر متوجهة إلى مدرستها، فالساعة الرابعة من فجر يوم الأربعاء دهمت قوات الاحتلال المنزل وأخلته من العائلة بالقوة، لتفجره أمام أعينهم، والبرد القارس يفتك بأجسادهم.
تفجير منزل الشلودي، ليس إلا جزءًا من العقاب الجماعي الذي تحاول سلطات الاحتلال فرضه على المقدسيين في المدينة لردعهم عن تنفيذ العمليات الاستشهادية، لتبدأ بمنزل الشهيد عبد الرحمن الشلودي الذي ارتقى شهيدا عن عمر يناهز الـ (21) عاما بعد تنفيذه عملية دعس لمجموعة مستوطنين في حي الشيخ جراح في المدينة، قُتل فيها مستوطنان وأصيب ستة آخرون.
نبراس الشلودي
ايناس الشلودي والدة الشهيد تروي كيف أن قوات معززة من جيش الاحتلال اقتحمت منزلهم وأخضعته للتفيش الدقيق، ثم أفرغت المبنى المكون من ثلاث طبقات وأخذتهم لخيمة تم نصبها بالحي، مشيرة إلى أن جنود الاحتلال وقفوا أمام الخيمة ومنعوهم من التحرك.
ولفتت إلى أنه فجأة سمعت هي وعائلتها صوت انفجار كبير هز بلدة سلوان، لتكتشف فيما بعد أنه تم تفجير منزلهم بقنبلة تفريغ الهواء، وهو ما أدى لإلحاق أضرار كبيرة في الشقق السكنية في المبنى وفي المنازل المجاورة. وقالت: لقد تعمدت قوات الاحتلال اقتحام الشقق السكنية في المبنى وإخضاعها للتفتيش والعبث في محتوياتها، وتمزيق صور الشهيد.
تفجير منزل الشلودي هدفه ردع المقدسيين عن مقاومة التهويد
سياسة هدم منازل منفذي العمليات بالقدس لم تقف عند عائلة الشلودي فقط، فقد أمر الاحتلال عائلة الشهيد معتز حجازي بهدم منزلهم خلال (48) ساعة، لتسارع العائلة بإفراغ المنزل، فيما تتوخى عائلة الجعابيص والعكاري الحذر من مداهمة منزليهما وهدمهما بأي وقت، خاصة أن قوات الاحتلال كانت قد اقتحمت المنزلين في السابق والتقطت لهما الصور وقامت بقياسهما.
وعلقت جدة الشهيد الشلوادي، "يريدون كسر عزيمتنا، والله لم يحركوا شعرة واحدة فينا ولن يردعنا ذلك عن شيء"، مضيفة، "هل ترون مدى جبنهم، لقد أفرغوا غضبهم بتحطيم حجارة المنزل، فهم ليسوا قادرين على مواجهتنا نحن".
مركز أبحاث الأراضي، وضع عملية هدم مسكن عائلة الشهيد عبد الرحمن الشلودي في سياق سياسة العقاب الجماعي التي تنتهجها قوات الاحتلال ضد الفلسطينيين بشكل عام والمقدسيين بشكل خاص بهدف معاقبة ذوي الشهيد بهدم مسكنهم واعتقال أقاربهم وتشتيت شملهم.
وأكد المركز أن هذه العقوبة تطبق فقط على الفلسطينيين، ولا تشمل المجرمين المستعمرين الذين قتلوا مؤخراً الشهيد يوسف الرموني من بلدة أبو ديس، وكقتلة الشهيد محمد ابو خضير من بلدة شعفاط الذين مارسوا أبشع جريمة بحق الطفولة والإنسانية. وهذا دليل على مدى عنصرية "دولة الاحتلال" القائمة على التمييز والاضطهاد ضد العرب.
ورأى مركز أبحاث الأراضي في عملية الهدم هذه وما سبقها من هدم مساكن عائلات القواسمي وأبو عيشة وعواد في محافظة الخليل، وعائلة وشحة في بلدة بير زيت بأنها مخالفة للقوانين والاتفاقيات الدولية، فاتفاقية جنيف الرابعة 1949: المــادة (33) تنص " لا يجوز معاقبة أي شخص محمي عن مخالفة لم يقترفها هو شخصيا، تحظر العقوبات الجماعية وبالمثل جميع تدابير التهديد أو الإرهاب"، كذلك المادة (53) من اتفاقية جنيف الرابعة تنص: يحظر على دولة الاحتلال أن تدمر أي ممتلكات خاصة ثابتة أو منقولة تتعلق بأفراد أو جماعات، أو بالدولة أو السلطات العامة، أو المنظمات الاجتماعية أو التعاونية، إلا إذا كانت العمليات الحربية تقتضي حتماً هذا التدمير.
حصار
قوات الاحتلال ومنذ عملية الشلودي فرضت حصارا على بلدتي العيساوية وسلوان، وأقامت الحواجز العسكرية على مدخلهما وفي أحيائهما، وأغلقت الطرق الرئيسة بها بالمكعبات الإسمنتية.
وشهدت أحياء المدينة مواجهات عنيف ردا على ممارسات الاحتلال، استخدم خلالها الاحتلال أساليب قمع جماعية تضمنت رش المنازل بالمياه العادمة وإلقاء وابل من قنابل الغاز المسيلة للدموع تجاه المباني السكنية، وشن حملات اعتقالات في صفوف المقدسيين.
فيما كشفت القناة العاشرة الاسرائيلية النقاب عن ست خطوات قرر الكابينيت الأمني الإسرائيلي اتخاذها ضد الفلسطينيين في القدس، تضمنت التالي: إقامة حواجز على مداخل الإحياء العربية في القدس، حملات تفتيش مخططة مسبقا للأحياء العربية، زيادة عدد رخص السلاح بيد اليهود في العاصمة المحتلة، استجلاب كتيبتين من جنود حرس الحدود للقدس، هدم منازل منفذي العمليات في القدس، وإعطاء أوامر بحراسة الأماكن العامة اليهودية في القدس.
مدير مركز القدس للحقوق الاجتماعية والاقتصادية زياد الحموري قال: إن الاحتلال يهدم المنازل في القدس تحت بندين، الأول البناء غير المرخص، والذي يتضمن هدم المنزل بذريعة عدم وجود رخص بناء التي لا يمنحها الاحتلال للمقدسيين. أما الثاني، فهو الهدم لدواع أمنية حيث يتم الهدم بذريعة اشتراك أحد أفراد العائلة في عملية ضد الاحتلال، مؤكدا أن كلا البندين يشكلان عقابا جماعيا للعائلة.
واعتبر أن قضية الشهيد الطفل محمد أبو خضير هي أكبر مثال على ذلك ، حيث من قتله لم يقتل ولم يهدم منزله ولم تؤخذ أي عقوبات ضد أهاليهم، بل تماطل محاكم الاحتلال في البت في قضيته وادعت في بعض الجلسات أنه يعاني من أمراض نفسية، لافتا إلى أن الشهداء الذين نفذوا العمليات تم إعدامهم مباشرة دون أن يعطوهم الحق في الدفاع عن أنفسهم، أو عرضهم على المحاكم.
الحموري أوضح أن سلطات الاحتلال تمارس العقاب الجماعي منذ احتلالها لفلسطين كوسيلة ارهاب الفلسطينيين وتهجيرهم عن أراضيهم، معتبرا أن ما يفرضه الاحتلال هي عقوبات قديمة يستمر في تكرارها، وهي عقوبات تجاوزها الشعب الفلسطيني سابقا وسيتجاوزها الآن، مشيرا إلى أنها لن تكون سببا لردعه عن مقاومة الاحتلال.