أثارت عملية اختطاف الرهينة الفرنسي هرفي كوردال بيار البالغ من العمر 55 سنة قرب مدينة تيزي وزو بمنطقة القبائل الجزائرية، وإعدامه بسرعة فائقة من خلال نحره وقطع رأسه، الكثير من ردود الأفعال وفتحت المجال للكثير من التأويلات. فالمواطن الفرنسي، وبحسب شهادات مقربين منه، رجل مسالم ويعمل كدليل سياحي و لا علاقة له من قريب أو من بعيد بعالم السياسة.
ولعل ما يثير الريبة هو إعلان ما يسمى "تنظيم جند الخلافة في أرض الجزائر" مسؤوليته عن هذه الجريمة البشعة. فهذا التنظيم كان مجهولا تماما قبل ارتكاب هذه الجريمة ولم يتم تداول اسمه من قبل، ولم يذع صيته كتنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، وجماعة أنصار الشريعة وغيرها من الجماعات التكفيرية في بلاد المغرب.
ويرى كثير من المراقبين، أن هذا التنظيم هو عبارة عن فلول وبقايا جماعات تكفيرية مغاربية قررت الإنسلاخ عن تنظيماتها الأصلية وتشكيل جماعة شبيهة بتنظيم الدولة (داعش) في بلاد المشرق. ولعل ما يدعم هذا الرأي هو إعلان التنظيم أن عملية الإعدام هي رد على ما يتعرض له داعش في سورية والعراق، وكذلك الإعلان عن البيعة لأبي بكر البغدادي زعيم تنظيم داعش.
وقد سبق لعدد من التنظيمات التكفيرية الجزائرية أن أعلنت بيعتها لابن لادن وأسست تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي الذي يبدو أنه أفل ولم تعد شعاراته قادرة على استقطاب الشباب المغرر به من شتى الأقطار المغاربية. لذلك يتوقع كثير من الخبراء أن يعلن "تنظيم جند الخلافة في أرض الجزائر" قريبا عن تغيير تسميته ليدور رسميا في فلك داعش.
استخبارات أجنبية
في المقابل يرى آخرون بأن الجريمة المرتكبة بحق المواطن الفرنسي لا تعدو أن تكون سوى عمل استخباراتي من جهاز أجنبي هدفه الضغط على الحكومة الجزائرية لإجبارها على التعاون أكثر في الملف الليبي، وربما المشاركة في الحرب الدولية التي تشن على داعش في العراق وسورية. واعتبر آخرون أنها من صنع المخابرات الفرنسية وهدفها إنقاذ الرئيس الفرنسي مما يواجهه من أزمات داخلية، أثرت سلبا على شعبيته وعلى صورته أمام الرأي العام الفرنسي.
ولعل سرعة ارتكاب الجريمة تؤكد لدى البعض هذه الفرضية، فالخاطفون لم يمهلوا الحكومة الفرنسية الكثير وذهبوا فورا باتجاه قطع الرؤوس على طريقة داعش ما يعني أنهم راغبون منذ البداية في إعدام الرهينة. كما أن مطالب الخاطفين كانت تعجيزية وهم يدركون سلفا أنه ليس بإمكان الفرنسيين الإستجابة لها، و بالتالي و حتى على فرض أن الحكومة الفرنسية استجابت لمطالب الخاطفين فإن الرهينة كان سيعدم إما ضغطا على الجزائريين أو إعلانا عن ميلاد تنظيم داعش في بلاد المغرب.
وبقطع النظر عن الجهة التي تقف خلف هذه الجريمة النكراء، سواء أكانت جهة أجنبية أو غيرها، فإن ما هو أكيد أن بلاد المغرب قد دخلت في مرحلة جديدة من حربها الضروس على الإرهاب. فأفكار داعش و طرقه الإجرامية في القتل والتمثيل بالجثث وعدم احترام قدسية الموت و الذات البشرية يبدو أنها باتت تستهوي الشباب في البلدان المغاربية، بعد أن فقد تنظيم القاعدة "ألقه" ولم يعد قادرا على الإستقطاب.
ولا يبدو أن الجيش الجزائري، و بحسب كثير من الخبراء والمحللين، قادرا على التصدي لهؤلاء رغم ترسانته العسكرية الهائلة، لغياب استراتيجية حقيقية لديه في مكافحة الإرهاب. فالقضاء على هذه التنظيمات، بحسب خبراء، لا يتم بالأسلحة الثقيلة و لا بالطائرات المقاتلة من أحدث طراز والتي اشترى منها الجزائريون من الروس و الأمريكان كميات وافرة بحجة مكافحة الإرهاب، وإنما بجهاز استخبارات فاعل تسانده فرق خاصة خفيفة التسليح و لديها القدرة على الحركة باعتبارها غير مدججة بالآليات والعربات الثقيلة، و لديها الخبرة بحرب العصابات وتعقب آثار هذه الجماعات.