يُتوقع أن يُصدِر القضاء السعودي، غداً الثلاثاء، حكمه بحق آية الله الشيخ نمر باقر النمر، في ظل احتقان شعبي ينذر بانفجار خطير في الشارع السعودي، إذا ما استجابت المحكمة الجزائية في الرياض لطلب النيابة العامة بتطبيق حد الحرابة على الشيخ النمر الذي يتمتع بشعبية كبيرة في المنطقة الشرقية، خصوصاً لدى فئات واسعة من الشباب الذي تسوده مشاعر الغضب تجاه تاريخ طويل من التمييز السياسي والقمع الأمني والتهميش الاجتماعي.
وكان بعض الصحف استبق جلسة المحاكمة غداً بتسريب معلومات مغلوطة لتوتير الاجواء، افادت بأن المحكمة الجزائية المتخصصة بالرياض حكمت على الشيخ النمر بالسجن 17 عاماً ومنعه من السفر مدة مماثلة وتغريمه مئة ألف ريال بتهمة التحريض على المشاركة في إثارة الشغب، ما اضطر محمد باقر النمر شقيق آية الله الشيخ النمر لنفي ما يتم تداوله عن صدور حكم القضاء السعودي بحق شقيقه عبر موقع التواصل الاجتماعي "تويتر"، مشيراً الى ان هذا الامر غير صحيح، ولافتاً الى أن موعد المحاكمة غداً وليس اليوم، ومشدداً على انه لا صحة لما نشرته الصحف رافضاً في الوقت ذاته غير البراءة بحق الشيخ النمر.
آية الله الشيخ نمر باقر النمر
وكانت المحكمة الجزائية في الرياض قررت خلال جلستها الحادية عشرة الاخيرة، في الأول من أيلول الحالي، إقفال باب المرافعات في قضية الشيخ النمر، بتهم وجهت اليه بخلفية سياسية، ابرزها "الخروج على ولي الامر" و"استخدام السلاح" في وجه القوى الامنية، وهي تهم قد تعرّض الشيخ النمر لعقوبة الإعدام، في حال تم تبنّيها من قبل المحكمة البدائية، التي يمكن نظرياً الاستئناف على أحكامها، ولكن وفق اصول تختلف عن تلك المعتمدة في معظم التشريعات الدولية.
وقالت مصادر قانونية متابعة لقضية النمر، في حديث إلى "السفير"، إن فريق الدفاع يتعامل مع سيناريوهات ثلاثة، اخطرها تبني المحكمة تهمة "الخروج على ولي الأمر"، ما يعني احتمال تطبيق حد الحرابة.
وكان المدعي العام قدم لائحة اتهم فيها الشيخ النمر بـ"خروجه على ولي الامر في هذه البلاد، ونقضه البيعة المنعقدة له في ذمته، وإثارة الفتنة الطائفية، والعمل على تفتيت الوحدة الوطنية، وتفريق اجتماع المسلمين، وانضمامه الى خلية ارهابية عملت على التحريض على ذلك، واثارة الشغب، وحمل الاسلحة، واطلاق النار على المواطنين ورجال الأمن والمنشآت الحكومية، وتخريب المرافق العامة والتعدي على الاملاك الخاصة، ما ادى الى مقتل عدد من المواطنين ورجال الامن واصابة آخرين".
واشارت المصادر القانونية، التي رفضت الكشف عن هويتها بالنظر إلى حساسية الموضوع، إلى ان "الخروج على الحاكم" يعتبر اخطر التهم الموجهة للشيخ النمر، خصوصاً ان انزال حد الحرابة يعني ان الحكم لن يكون قابلاً لأي عفو ملكي، في حال اصبح نافذاً.
واكدت المصادر ان ما قدّمته النيابة العامة لتأكيد هذه التهمة "متناقض في جملته"، موضحة أن الزعم باستخدام الشيخ نمر للسلاح تكذبه التقارير الطبية، وكذلك الواقعة بحد ذاتها، فلائحة الاتهام اشارت إلى ان اطلاق النار على الشيخ النمر كان اثناء فراره بسيارته، وفي حالة الفرار فإن الطلقات تصيب المرء من الخلف، في حين ان الرصاصات الاربعة التي اصيب بها الشيخ نمر اتت من الجهة الأمامية، بينها واحدة ما زالت مستقرة في اسفل قدمه.
أما الاحتمال الثاني، فهو الإدانة بتهمة القتل، وهي، بحسب المصادر القانونية، لم تثبت فيها أي وقائع محددة، سوى "كلام انشائي" ورد في لائحة الاتهام، ليبقى الاحتمال الثالث، وهو انزال عقوبة السجن، على خلفية ما ورد في بعض خطبه، وفي هذا نكون امام محاكمة رأي سياسية بامتياز.
وفي حديث إلى "السفير"، قال الناشط السياسي محمد النمر، وهو شقيق الشيخ النمر، إن "توقعاتنا منذ اليوم الأول لاعتقال الشيخ النمر في الثامن من تموز العام 2012، كانت ان المحاكمة ستكون مسيّسة، وهذا ما تأكد بالفعل خلال الجلسات".
وكمثال واضح لهذا التسييس، اشار النمر إلى ما حدث خلال الجلسة ما قبل الأخيرة، حيث "كان من المفترض ان يستدعي المدعي العام عناصر الفرقة التي ألقت القبض على الشيخ النمر، والتي ادعت زوراً عليه، بأنه واجههم بالسلاح، لكننا فوجئنا برفض هذا الطلب، حيث قال المدعي العام والقاضي إن ثمة مسوغات ترتئيها المحكمة بألا يحضر هؤلاء، بالرغم من ان أقوالهم تشكل عنصراً اساسياً في الدعوى، وهو ما يخالف القانون السعودي".
واضاف ان "ما قدّم في لائحة الاتهام يمثل فضيحة بكل ما للكمة من معنى"، معتبراً انه "كان يجدر بالنيابة العامة أن تتجنب هذه الفضيحة، بأن تكتفي بتوجيه الاتهام على اساس ما ورد في خطب الشيخ نمر من آراء، لم ينفها الشيخ، وإن كان واضحاً انها اجتزئت من سياقها".
وقال النمر إن "اتهام الشيخ بالتحريض على حمل السلاح، استناداً إلى المقاطع التسجيلية المجتزأة، مردود عليه بالتسجيلات ذاتها، وبباقي مواقفه التي كانت تدعو دوماً إلى التهدئة ونبذ العنف بأشكاله كافة. اما فيما يتعلق بتهمة التحريض على التظاهر، فإن كلام الشيخ كان عن إباحته كعمل مشروع للمطالبة بالحقوق، في مقابل حرمته عند علماء الوهابية". وفي هاتين المسألتين، اضاف محمد النمر، إن النقاش يبقى في حدود الرأي وليس الجرم المادي.
ورأى النمر ان أي حكم مشدد قد يجر المنطقة الى اعمال عنف لن يكون من الممكن السيطرة عليها. واوضح ان "هذا الكلام لا نقوله بعنوان التهديد، وانما بعنوان التحليل وقراءة واقع وتجارب سابقة في البلد وخارجه"، مذكراً بأن "مجرد اعتقال الشيخ نمر أدى إلى خروج تظاهرات قتل فيها كثيرون، فما بالك بصدور حكم بالإعدام، او ربما، لا قدر الله، تنفيذه".