لم تعد "تل أبيب" عاصمة الكيان الصهيوني تلك المدينة الآمنة، ولم يعد الاحتلال يجد نفعاً في مبدأ "نقل المعركة الى أرض العدو" والذي انتهجه طويلاً أساساً لعقيدته العسكرية، فها هي صواريخ فجر 5 الايرانية وأم 302 السورية تنهمر على المدن والمستوطنات الاسرائيلية منطلقة من غزة الصمود وناقلة رعب المعركة الى عمق "الجبهة الداخلية" التي لطالما تغنى القادة الصهاينة بكونها بمنأى عن الاستهداف، هذا الاستهداف الذي شكّل نقطة تحوّل في المواجهة بين المقاومة الفلسطينية والعدو الصهيوني.
من 10 كلم الى 100 كلم ..و من 2 كلغ الى 90 كلغم
لقد أعطى وصول صواريخ "فجر 5" الايرانية و "أم 302 " السورية الى غزة المقاومة الفلسطينية يداً طولى في استهداف المستوطنات، فمن حيفا(160 كلم عن غزة) والخضيرة (100 كلم عن غزة) شمالاً، الى القدس المحتلة و"غوش دان" شرقاً، وديمونا جنوباً وما بعد بعد، مدن ومستوطنات أضحت أهدافاً مشروعة وممكنة لصواريخ المقاومة الفلسطينية، حتى غدا ضرب "تل أبيب" بمثل سهولة استهداف "سديروت" القريبة من غزة منذ سنوات.
صواريخ "فجر 5" الايرانية
صواريخ "أم 302" السورية
وبالاضافة الى المدى الطويل الذي تتمتع به هذه الصواريخ، فانها تتميز بالقدرة التدميرية العالية عبر احتوائها رؤوساً متفجرة يتراوح وزنها بين 75 كلغ الى 90 كلغ من المواد شديدة الانفجار، لا يعد المدى والقدرة التدميرية الميزتين الوحيدتين لهذه الصواريخ، فهي تملك قدرة عالية على اصابة أهدافها بدقة ما يشكل تطوراً كبيراً ونقلة نوعية على صعيد قدرات فصائل المقاومة.
فشل استخباري.. بنك الاهداف انتهى والصواريخ لم تتوقف..
الا أن الاهم مما تقدم من ميزات تقنية لهذه الصواريخ، يبقى القدرة على ادخالها سالمة الى قطاع غزة واخفائها عن أعين أجهزة الاستخبارات المعادية سواء خلال شحنها الى القطاع او تخزينها داخل غزة وما تكتنفه هذه العملية من جهد أمني و لوجستي جبّار ومحاولات دؤوبة نجح معظمها بدليل ما نشهده اليوم في "الجرف الصمت" و ما شهدناه في "عمود السحاب"، و منها ما ادعت الاجهزة الامنية الاسرائيلية احباطه كحادثة السفينة "كلوس سي" التي ادعت "اسرائيل" "انها كانت متوجهة الى غزة و على متنها صواريخ سورية مرسلة من قبل ايران الى المقاومة في غزة."
اليوم، تقف الاجهزة الأمنية في "اسرائيل" مذهولة أمام أصل وجود هذه الصواريخ في غزة وعدم قدرتها على تحديد اماكنها لضربها، ما دفع بقادة سلاح الجو الى تحميل الاستخبارات العسكرية مسؤولية الفشل بتوفير المعلومات عن هذه الصواريخ في غزة، كما كشف محلل الشؤون السياسية في القناة الثانية بالتلفزيون الإسرائيلي، أودي سيغال، النقاب، نقلاً عن مصادر وصفها بالـ" عليمة جدا"ً في تل أبيب، عن وجود خلاف عميق بين سلاح الجو في جيش الاحتلال من ناحية، وبين شعبة الاستخبارات العسكرية في الجيش (أمان) وجهاز الأمن العام (الشاباك) من جهة أخرى.
وقالت المصادر عينها للتلفزيون الاسرائيلي إن "قائداً رفيع المستوى في سلاح الجو قال في جلسات مغلقة في اليومين الماضيين إن الأجهزة الاستخبارية في كيان الاحتلال لم تقم بجمع معلومات كافية عن البنية التحتية لحركات المقاومة في قطاع غزة، مشدداً على أن بنك الأهداف انتهى."
تقارير صهيونية تتحدث عن الصواريخ السورية والايرانية
استهداف الخضيرة دفع عدداً من التقارير العبرية لاعادة تحديث بياناتها حول الترسانة الصاروخية الموجودة في قطاع غزة، فكتب محلل الشؤون العسكري في مجلة "اسرائيل ديفينس"، المتخصصة بالشؤون العسكرية والامنية، يشير الى وجود ترسانة ضخمة من الصواريخ في القطاع، تتركز على صواريخ "غراد"، تصل مدياتها الى ما بين 20 و 40 كيلومتر، اضافة الى صواريخ مختلفة زودت ايران بها الفصائل الفلسطينية، ومنها "حماس"، وهي صواريخ "فجر 5 "، اضافة الى نسخة محلية منها اطلق الفلسطينيون عليها تسمية "ام 75"، وهذه الصواريخ بقطر 333 ميليمتر، ويبلغ مداها ما بين 70 و 75 كليومتر، وهي قادرة على الوصول الى منطقة "غوش دان" وسط الكيان، بما يشمل مدينة "تل ابيب".
من جهته، نقل المراسل العسكري لموقع "واللا" الاخباري العبري، عن مصادر عسكرية صهيونية، تأكيدها أن الصاروخ الذي انفجر ليلة اول امس في مدينة الخضيرة، هو صاروخ أم 302، تم انتاجه في سوريا، وكانت السفينة الايرانية "كلوز سي"، التي ضبطت في اذار الماضي، محملة بأعداد كبيرة منه.
وبحسب المراسل، فإن هذا الصاروخ خبرته جيداً المستوطنات الصهيونية، اذ ان حزب الله استخدمه على نطاق واسع في حرب لبنان الثانية عام 2006. وتشير المصادر العسكرية الصهيونية الى أن مدى هذا الصاروخ يصل الى 200 كيلومتر، وهو واحد من الصواريخ الاكثر تطوراً التي تهدد "اسرائيل".
واوضح رئيس مركز أبحاث الفضاء في معهد "فيشر" للدراسات الاستراتيجية تل عنبر، ان الصاروخ يحمل رأساً ثقيلاً يبلغ مداه مئات الكيلوغرامات. والجدير ذكره، بحسب عنبر، انه يتم انتاج هذا النوع من الصواريخ في سوريا، على اساس المعرفة الصينية، اذ ان الصين هي الدولة الوحيدة غير سوريا التي لديها صواريخ بهذا الحجم مع هذا القطر.
اذاً، لا يختلف اثنان على ان وصول الصواريخ الايرانية والسورية الى غزة بالاضافة الى قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية على وضعها بحالة الجهوزية العملانية واخفائها عن اعين "اسرائيل" وعملائها قد خلق تهديداً استراتيجياً لـ"اسرائيل" لما تتميز به هذه الصواريخ من قدرات وتطور تقني أضر بمنظومة الردع الاسرائيلية، كما فعلت المقاومة الاسلامية في لبنان في حرب 2006 عندما استخدمت نفس النوع من الصواريخ التي تتساقط اليوم على الخضيرة و"تل أبيب" و"غوش دان" وحققت نصراً الهياً تبدو غزة قاب قوسين أو أدنى من تحقيقه بفضل صمود مجاهديها ودعم دول ومنظمات مقاومة في المنطقة.