القدس المحتلة - شذى عبد الرحمن
"بأي حق أطفأتم نور عيني؟" يسأل تيسير صندوقة (31 عاما) من قرية شعفاط شمالي القدس، فبعد اليوم لن يستطيع رؤية طفليه يكبران أمامه، كما لن يستطيع رؤية ألوان الحياة، فرصاصة غادرة أطلقها أحد جنود الاحتلال بشكل مباشر على تيسير حرمته نعمة البصر للأبد.
فأثناء تشييع جثمان الشهيد محمد خضير (17 عاما) الذي اختطفه مستوطنون وعذبوه وأحرقوه قبل أن يقتلوه، استهدفت قوات الاحتلال مشيعين بوابل من الرصاص المعدني المغلف بالمطاط وقنابل الغاز المسيلة للدموع ما أدى لإصابة العشرات من بينهم تيسير الذي علق "أنا نصف كفيف لا أرى إلا بعين واحدة وها قد قدم الغدر ليأخذ مني نور عيني وليحرمني رؤية اطفالي وأصحابي ويحرمني التنقل بحرية".
تيسير صندوقة
تيسير الذي اختصر حديثه لموقع "العهد الاخباري"، بسبب تدهور حالته النفسية، يعلق شقيقه عمار بالقول "تيسير فقد نور حياته فهذا بغاية الصعوبة على إنسان كان يحيا بهذه النعمة، وهو أيضا في غاية الحزن والقهر لعدم تمكنه من رؤية أطفاله مرة أخرى يكبروى، وألحقت بها أضرارًا كبيرة لا يمكن علاجها".
تيسير هو المعيل الوحيد لأسرته يعمل في الكهرباء ليربي طفليه آدم (6 أعوام) وأمير (عام ونصف) فضلاً عن مساعدته لزوجته في إكمال دراستها الجامعية. يقول عمّار: إن جنود الاحتلال أطلقوا الرصاص على شقيقه أثناء خروجه من صلاة الجمعة وتوجهه للمشاركة في تشييع أبو خضير"، مؤكدًا أنه "لم يكن يشارك في المواجهات المندلعة".
إصابة تيسير صندوقة خلال المواجهات
يشار إلى أن تيسير أصيب بشكل مباشر في عينه برصاص من النوع المعدني المغلف بالمطاط، نقل على إثرها إلى مشفى المقاصد ثم تم تحويله إلى مشفى العيون وبسبب ضعف الإمكانيات في المشفيين تم نقله إلى مشفى هداسا عين كارم.
شقيق المصاب عمار يشير إلى أنه خلال نقل تيسير من مشفى إلى آخر تألم كثيراً، ولا سيما أن هذه العملية استغرقت ثلاث ساعات وبمركبة خاصة لعدم توافر سيارة إسعاف.
ويوضح عمار أن شقيقه خضع لعملية لأكثر من ست ساعات، إلّا أن نتائجها ضعيفة جدًا، ولا أمل أن يستعيد النظر بها، مبينًا أن الطبيبة المشرفة على العملية مهدت للعائلة وأخبرتها أنها تستطيع السفر إلى الخارج وزراعة كاميرا في عينه ليتمكن من الرؤية.
هبّة شعبية في القدس
منذ أن استقبلت مدينة القدس خبر استشهاد الفتى محمد أبو خضير، الذي عذب وأحرق ثم قتل، وكافة أحياء المدينة إضافة لعدد من مدن وبلدات الداخل الفلسطيني المحتل عام 1948 تشهد مواجهات هي الأعنف من نوعها منذ هدوء الانتفاضة الثانية، وهو ما طرح تساؤلاً: هل تشهد الأراضي الفلسطينية انتفاضة ثالثة؟
أكثر من 500 مواطن أصيبوا بالرصاص المعدني المغلف بالمطاط وبشظايا قنابل الصوت وبحالات اختناق نتيجة قمع الاحتلال الهبة الشعبية التي اشتدت في مدينة القدس، كما وشنت حملة اعتقالات طالت حتى اليوم 50 طفلا وشابا مقدسيا وذلك بتهمة المشاركة بالمواجهات التي شهدتها المدينة.
المواجهات التي اندلعت مؤخرا اثر استشهاد أبو خضير، حركت الشارع الفلسطيني ردا على حالة الانهزام والتنسيق الأمني المستمر للسلطة الفلسطينية مع الاحتلال، عضو المجلس التشريعي يحيى موسى قال " لا نستطيع أن نقول إنها انتفاضة ثالثة، لأن واقع الضفة واقع معقد وصعب وخاصة أنها تعاني من حصار وحكم ثنائي، ولن تتحقق الانتفاضة الثالثة إلا بالثورة على السلطة".
وشدد موسى على أن التنسيق الأمني بين السلطة الفلسطينية والاحتلال هو أكبر عائق أمام انتفاضة ثالثة، مشيرا إلى أنه يوجد محاولات كثيرة للقضاء على منابع المقاومة وأهمها حركة حماس ما هي إلا محاولات عبثية فاشلة ومستحيلة.
وأكد موسى أن الشعب الفلسطيني يمتلك القدرة على التغيير والضغط على السلطة إلا أن الظروف الصعبة والمعقدة التي يمر فيها الشعب الفلسطيني تحول دون ذلك، وقال، "شرائح واسعة من الشعب الفلسطيني مرتبطة بوظائف داخل السلطة الفلسطينية، وهو الأمر الذي تم توظيفه لتجفيف منابع الانتفاضة".
المقاومة الشعبية تسعى لإطلاق شرارة الانتفاضة
عمليات هدم المنازل والمنشآت والاعتقالات والاعتداءات والاقتحامات المستمرة في كل القرى الفلسطينية، وما ترتكبه أذرع الاحتلال من اعتداءات مستمرة بحق دور العبادة الإسلامية والمسيحية ومنع الوصول إليها، ظروف ومقومات تعد بيئة خصبة لاندلاع انتفاضة ثالثة.
الناشط في المقاومة الشعبية صلاح خواجا قال "إن الشعب الفلسطيني ينفجر، إلا أن القيادة الفلسطينية تفتقر للإرادة حقيقة وقرار جاد لتصعيد المقاومة الشعبية، على الرغم أنه الخيار الرئيس لنقل المقاومة الشعبية إلى مرحلة متقدمة، وفتح مواجهة في كافة أنحاء الضفة".
قوى المقاومة الشعبية أكدت وفي ذكرى فتوى لاهاي على أنها ستطلق سلسلة من الفعاليات ضد جدار الفصل العنصري وإغلاق الشوارع الالتفافية بوجه المستوطنين إضافة لأشكال أخرى من الانتفاضة الأولى، وعلق الخواجا "ما يثبت حقيقة التغيير في فلسطين هو الانتفاضة، نحن دخلناها، ولكننا بحاجة لحركة منظمة لها قيادة شعبية".
وأوضح أنه سيكون قرار بيد الفلسطينيين شعبيا لممارسة الضغط ومواجهة الاحتلال والاستيطان والمداهمات المستمرة من خلال أشكال إبداعية خلاقة.
بعد حملة من الاعتداءات والاقتحامات والاعتقالات التي نفذتها قوات الاحتلال في الأيام الأخيرة على مدينة القدس ومدن الضفة، أعلنت سلطات الاحتلال الحرب على قطاع غزة ردا على صواريخ المقاومة، فهل ستشهد فلسطين انتفاضة ثالثة ومقاومة شعبية واسعة؟ وهل ستغير السلطة الفلسطينية من سياستها وتأمر بوقف عمليات التنسيق الأمني وترفع يديها عن خلايا المقاومة في الضفة؟ هذا ما ستبيّنه الأيام القليلة القادمة.