اعتبر كثير من المراقبين أن العمليات الإرهابية الأخيرة التي شهدتها تونس، والتي استهدفت من خلالها عناصر تكفيرية منزل وزير الداخلية بمدينة القصرين الحدودية، هي صفعة للأجهزة الأمنية في الخضراء التي تباهت في وقت سابق بقدرتها على إصابة الإرهاب في مقتل. فهذه العملية التي راح ضحيتها أربعة عناصر من قوى الأمن أتت بعد فترة هدوء نسبي وسلسلة من العمليات الناجحة للأجهزة الأمنية وعناصر الجيش الوطني قامت من خلالها بتفكيك عدد من الخلايا الإرهابية وملاحقة المسلحين من التكفيريين وأسر وقتل الكثير منهم.
ولعل السؤال الذي يطرح نفسه بإلحاح، كيف تمكنت هذه العناصر التكفيرية من التسلل إلى مدينة القصرين الحدودية وهي المحاصرة في جبل الشعانبي منذ مدة وتتلقى ضربات مدافع وطائرات الجيش التونسي وخاصة أن منطقة الشعانبي الجبلية التابعة لولاية القصرين هي منطقة عمليات عسكرية مغلقة؟ وهل تمكنت هذه العناصر من اختراق ما داخل الأجهزة الأمنية باعتبار أن البعض قد تحدث عن علم هذه الجماعات بقدوم وزير الداخلية إلى بيته بالقصرين آتيا من العاصمة؟
ضعف
مما لا شك فيه أن الأجهزة الأمنية التونسية لم تعد بالقوة التي كانت عليها زمن حكم بن علي خاصة بعد أن تم حل جهاز أمن الدولة بعد الثورة في إطار إصلاح المنظومة الأمنية. فهذا الجهاز كان يقدم خدمات جليلة للدولة ولا يقوم فقط بمراقبة السياسيين وتحركاتهم مثلما كان متعارفا عليه، حيث كان يراقب ويتنصت على التونسيين والأجانب في الداخل والخارج في إطار أمن وقائي يسعى إلى استباق الفعل الإجرامي ووأده في المهد عوض معالجة نتائجه.
كما أن قيام وزير الداخلية الأسبق فرحات الراجحي بإقالة سبعة عشر قياديا أمنيا بعد الثورة وبتحريض من بعض الحقوقيين، ساهم في تراجع أداء المؤسسة الأمنية بحسب كثير من المحللين نظرا لأن هؤلاء القادة هم من خيرة ما أنجبت هذه المؤسسة وهو ما أهلهم ليتبوأوا مناصب قيادية. فتونس كانت باستمرار وخلال عهود الاستبداد في مأمن من هذه الاختراقات وعجز ما يسمى تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي عن التسلل إليها وبقي يرابط على تخومها في دول الجوار.
وبعد اعتلاء حركة النهضة سدة الحكم إثر انتخابات 23 أكتوبر 2011 حصل تراخ ملحوظ في ملاحقة هذه الجماعات. فالناطق الرسمي باسم وزير الداخلية علي العريض في ذلك الوقت وحين تم لفت انتباهه إلى وجود عناصر إرهابية في جبل الشعانبي رد بأن الأمر يتعلق بشباب يمارس الرياضة في تلك الربوع. كما أن راشد الغنوشي زعيم الحركة تحدث في وقت سابق حديثا مثيرا مفاده أن هؤلاء التكفيريين هم "أبناؤنا" و"يبشرون بثقافة جديدة" وأنهم "يذكرونه بشبابه" واعتبر أن حزب نداء تونس الذي يرأسه الباجي قائد السبسي أخطر على تونس من التكفيريين.
كما تم التراخي في عهد حكومة حمادي الجبالي وحين كان العريض وزيرا للداخلية في القبض على "أبي عياض" زعيم تنظيم أنصار الشريعة. حيث حوصر بمسجد الفتح بالعاصمة ثم جاءت تعليمات تدعو الأمنيين إلى فك الحصار وترك سبيله ليتمكن من الفرار إلى ليبيا. ونعتت وسائل الإعلام التونسية التي حذرت من هذا الخطر بـ"إعلام العار" من قبل أنصار حركة النهضة الذين اعتبر أغلبهم أن التكفيريين ليسوا سوى فزاعة لتخويف التونسيين من الإسلاميين.
دعوات
لذلك فإن العديد من الأصوات تعالت للمطالبة بإرجاع جهاز أمن الدولة وإعادة القيادات الأمنية المقالة إلى مواقعها وتطهير المؤسسة الأمنية من الموالين لجهات سياسية وحزبية. كما عادت الدعوات مجددا لتفعيل قانون الإرهاب الذي سن في عهد بن علي والذي ثار جدل بشأنه يتعلق بالانتهاكات الصارخة ـ التي يتضمنها ـ لحقوق الإنسان.
كما يطالب البعض بتأمين الحدود أكثر مع ليبيا أسوة بالجزائر التي دعم جيشها من تواجده على طول الحدود مع جارته الجنوبية الشرقية التي تشهد حربا أهلية مدمرة عجز فرقاء البلد عن تجنبها. ويطالب آخرون أيضا بضرورة الوساطة في الشأن الليبي ومساعدة الليبيين في حل مشاكلهم نظرا للارتباط الوثيق بين أمن البلدين.