تتقاطع جميع المعلومات والمؤشرات الآتية من درعا جنوب سوريا عند حقيقة واحدة، هي أن الجنوب سيكون على موعد مع معارك دقيقة يخضوها الجيش السوري، كونها احدى اهم المعارك التي يسعى الجيش من خلالها لضبط منافذ حدودية مع الكيان الاسرائيلي والأردن، ما يجعل تلك المعارك مفصلية وذات اهمية استراتيجية خاصة.
مما لا شك فيه أنَّ الجيش السوري اكتشف مبكراً الإجراءات التي اتخذها كيان الاحتلال الإسرائيلي، والتحضيرات من خلال المساندة والتخطيط والدعم اللوجستي والتسهيل العملي للمجموعات المسلحة في جنوب سورية، وبالذات ما يسمى بالجبهة الاسلامية و جبهة النصرة وفصائل اخرى تتلقى دعمها من الولايات المتحدة ومن فرنسا وبريطانيا ومن دول إقليمية على رأسها الأردن والمملكة السعودية والإمارات.
إستنفار اسرائيلي
لم يخف على احد تحول الكيان الاسرائيلي لطرف حقيقي على الارض في جنوب سورية وبالذات بعد الاستنفار غير المعلن للفيلق الشمالي، ومعروف أن هذا الفيلق لا يستنفر إلا في حالة الحرب، فجيش الاحتلال يملك فيلقين، الاول شمالي يتعاطى مع جبهة سورية ولبنان، والثاني جنوبي يتعاطى مع قطاع غزة ومصر. احدى اهم كتائب هذا الفيلق كتيبة باشان " أي فرقة سهل حوران" المدربة على القتال في العمق السوري، ويقصد بالعمق السوري منطقة الجولان وسهل حوران والسويداء.
وبالتزامن مع بدء المناوشات العسكرية في غرب درعا وشرق القنيطرة نشر جيش الاحتلال منظومة القبة الفولاذية في الجولان المحتل، لاعتراض الطائرات السورية في العمق السوري اذا استدعى الامر كما كشف العقيد دورون جافيش قائد منظومة الدفاع الجوي في جيش الاحتلال، ولطمأنة المجموعات المسلحة، ان الكيان الاسرائيلي يتخذ خطوات جدية بخصوص منطقة القنيطرة ودرعا.
ما هو دور
على أن المعركة الحقيقية بدأت عندما هاجم المسلحون مناطق في ريف القنيطرة الشرقي انطلاقاً من قرى درعا الغربية، وبالذات من انخل وجاسم ونوى، وبأعداد كبيرة، في محاولة لوصل الريفين ببعضهما، وتشكيل طريق امداد قادم من الاردن الى القنيطرة ودرعا ومن ثم ريف دمشق الجنوبي وخاصة الكسوة وخان الشيح ودنون. المعلومات التي وردت إلى قيادة الجيش السوري تشير الى وجود غرفة عمليات كاملة في منطقة نوى، تتبع لجيش كيان الاحتلال الاسرائيلي، وهي التي أدارت عمليات تسهيل هجوم المجموعات المسلحة على مناطق التلال وبالذات تلّ الجابية وفي القنيطرة تلّ الاحمر، تلك التلال والمواقع التي كانت معدة بالأصل لصد أي هجوم من كيان الاحتلال الاسرائيلي، كونها مرتفعة وتشرف على مساحات واسعة من الجولان وريف دمشق الجنوبي.
بدأت مراحل التخطيط للعملية بأسلوب حرق المراحل، فكان الهدف الاستراتيجي عزل ريف درعا والقنيطرة عن حدود الجولان المحتل والحدود الأردنية، ايقاف الدعم اللوجستي من الكيان الاسرائيلي والحدود الاردنية، ومن ثم تقسيم المناطق لما يسمى بالجزر الامنية، والتي يسهل ضربها بمعزل عن محيطها، ومن ثم تطويق المجموعات المسلحة في ريف دمشق الجنوبي ومنع أي تمدد قادم من درعا، وجعل المعركة اشبه بعملية جراحية لاستئصال ورم حسبما شبه لنا مصدر عسكري، من حيث الدقة والسرعة والاتقان. استقر رأي القيادة ان انطلاق العملية يجب ان يبدأ من المناطق المحورية، في هذا المثلث الممتد من درعا والقنيطرة وريف دمشق الجنوبي الغربي، فكان لا بد من عملية عسكرية تستهدف البنية اللوجستية والإدارية للمجموعات المسلحة من خلال بلدة نوى.
هجوم مباغت
العملية العسكرية كانت مباغتة، حيث شن الجيش السوري هجوماً متزامناً على مناطق الريف الغربي لدرعا جنوب سوريا، وبعد السيطرة على تل الجموع وام حوران وتل الجابية، ليحكم بعدها سيطرته على الجهات الجنوبية الشرقية والغربية والشمالية لمدينة نوى، وأحدث اختراقا من الجهة الغربية، ولم تتوقف العملية عند هذا الحد بل حشد قواته على أطراف مدينة أنخل. وتستعد قوات أخرى لقطع طرق الإمداد عن مدينتي تسيل وجاسم. ليفصل ريف درعا عن حدود الجولان المحتل والتي تبعد حوالي 10 كيلومترات، وعند الحدود الاردنية ووادي الرفيد. الكثافة النارية التي استخدمها الجيش السوري، جعلت ليل نوى كنهارها، ما دفع غرفة العمليات التي تدار من قبل كيان الاحتلال الاسرائيلي إلى الانسحاب، بعدما شعر الاحتلال الاسرائيلي بتصميم الجيش السوري على الاستمرار في العملية، ومباشرة قام جيش الاحتلال الاسرائيلي بسحب جنوده نحو عمق القنيطرة، وتركت المجموعات المسلحة تواجه مصيرها في مواجهة الجيش السوري.
العملية العسكرية المستمرة في غرب درعا، والتي تشكل نقطة تحول هامة في الحرب على سورية، بالذات بعد استئصال اليد الطولى لكيان الاحتلال الاسرائيلي في تلك المنطقة وبالذات ما يسمى لواء الحرمين الشريفين، والذي يشرف عليه كيان الاحتلال الاسرائيلي عبر قائده النقيب الفار شريف صفوري، بعد ان قدم جيش الاحتلال الاسرائيلي التسليح والتدريب لعناصر هذه المجموعة، وحتى منظومة الاتصالات الاسرائيلية، التي اصبحت في متناول المجموعات المسلحة ومنها ما يسمى بلواء الحرمين، ويكسر حلم الكيان الاسرائيلي الذي سوق له كثيراً، وسماه بالجدار الطيب، وتشكيل جيش لحد جديد على الحدود مع الجولان السوري المحتل، بالذات بعد انتهاء دور ما يسمى أمير جبهة النصرة في المنطقة إياد الطوباسي، الذي تباهى قبل ايام من المعركة بعلاقته مع كيان الاحتلال الاسرائيلي.