بتاريخ 21 ايار / مايو 2000 صدر بلاغ من قيادة المقاومة الاسلامية الى الوحدة الميدانية يعلن الجهوزية التامة في الميدان لكل وحدات المقاومة الاسلامية: وحدة الاستطلاع والرصد، وحدة الهندسة، وحدة الاسناد الناري ووحدات المشاة، للبدء بخطوة التحرير الأولى نحو بلدة القنطرة.
مع هذا البلاغ العسكري اقتحم المجاهدون الشريط الحدودي المحتل وخلفهم حشود المشتاقين لأرضهم وبلداتهم، في القنطرة ودير سريان والقصير والطيبة، وليكتمل التحرير في غضون أربعة أيام من البحر حتى جبل الشيخ، وتبقى العين والبندقية والسلاح باتجاه ما تبقى من أرض محتلة في مزارع شبعا وغيرها.
كان المجاهدون يتقدّمون بخطوات حذرة، يقتحمون المواقع ويقبضون على العملاء، ومن ثم يبلغون الاهالي بإمكانية دخولهم الى بلداتهم.
وحكاية أيام التحرير بدأت بعد عدة عمليات جهادية شنتها المقاومة الاسلامية على الفوج الـ70 التابع لميليشيا العملاء في المنطقة الممتدة من علمان الشومرية الى منطقة عيترون، فحصل احباط كبير لدى اللحديين وانهيار عند الجنود الاسرائيليين، ما أدى الى فرار عدد كبير من العملاء واستسلامهم الى المقاومة الاسلامية (خلال أسبوع استسلم ما يقارب خميس لحدياً من هذا الفوج) وهو ما انعكس على عديده الذي لم يعد كافياً لتغطية المواقع، ما دفعهم الى اخلاء عدد كبير منها، لا سيما مواقع القنطرة، الصلعة ومشعرون، اضافة الى إحجامهم عن التحرك بسهولة، ما أتاح فرصة للمقاومة لتتحرك اكثر فأكثر.
فالمنفذ الذي انطلقت منه المقاومة للقيام بعملية التحرير هو اخلاء موقعي "الصلعة" و"المحيسبات" اللذين كانا يسيطران على بلدة القنطرة. كان لدى المقاومة فكرة، وهي ان تنفذ الى هذه البلدة في خطوة تجريبية تمهيداً للقيام بتحرير واسع لكامل المنطقة المحتلة، وهذه التجربة حاول المجاهدون فيها توأمة العمل العسكري والشعبي بفعل ميداني واحد، بأن تقوم المقاومة بداية باستطلاع المنطقة وتسهيلها أمنياً لدخول الناس.
وبالفعل احتشد عدد كبير من أهالي القنطرة ودير سريان والقصير عند بوابة التحرير في بلدة الغندورية، الا ان قوات الطوارئ عارضت في البداية، باعتبار ان هذه المنطقة محظورة، وأن الصهاينة لا يسمحون لأحد بالدخول اليها، وإن دخل فسيتعرض لإطلاق نار، لكن المجاهدين قاموا باستطلاع المنطقة بشكل دقيق قبل أيام من التحرير، وتبين لهم أنها آمنة، فأكدوا للأهالي ذلك، فضلاً عن أن وجود المجاهدين أمامهم وبينهم كان عامل اطمئنان كبير لهم، فاندفع الاهالي الى خلع البوابة برغم قوات الطوارئ، ودخلوا البلدة تحت حماية رجال المقاومة.
جرى الدخول الى بلدة القنطرة بشكل طبيعي ومفاجئ للعدو، فحاولت المقاومة جس نبض العدو اذا توسّعت في تحركاتها، لكن كان هناك حذر من قيام العدو بالقصف على المدنيين، وبالفعل حصل قصف على جوار بلدة القنطرة، الا ان هذا القصف لم يربك الاهالي المحتشدين الذين توغلوا اكثر في البلدة، فعمد عندها العدو الى قصف خراج البلدة ليخلق جوّاً من الرعب والخوف عند المدنيين، لكن هذا الجو لم يؤثر، بل على العكس، فقد أوجد حماسة لدى الاهالي في التقدم أكثر فأكثر. وبالتأكيد كانت المقاومة تدير اندفاع الاهالي حتى لا يتعرض أحد لأي خطر، من خلال مؤازرة مجاهديها لهم.
من القنطرة انطلق المجاهدون الى بلدتي دير سريان والقصير، وهناك عارضت قوات الطوارئ مجدداً تقدم الأهالي، فما كان الا ان عملوا مجدداً على خلع البوابة لدخول البلدتين، وهناك توافد الى البلدة وفد من اهالي بلدة الطيبة الذين أبدوا استعدادهم ورغبتهم في التعاون مع المجاهدين لدخول بلدة الطيبة والقبض على العناصر اللحدية. في البداية توغلت مجموعة من رجال المقاومة الى البلدة وعملت على القبض على عدد من العملاء الذين قد يعيقون الاهالي من الوصول الى البلدة، وبعد إلقاء القبض على هؤلاء العملاء أتيح المجال أمام المدنيين لدخول البلدة وهم مطمئنون.
وبوصولهم الى ساحة البلدة حيث كان الاهالي مجتمعين، كان هناك عناصر لحديون ما زالوا في موقع الطيبة، فحاولوا إخافة الناس باللجوء الى القصف المدفعي وإطلاق رشقات نارية، غير ان الاهالي لم يبتعدوا، بل حاولوا الاقتراب من الموقع اللحدي.. في هذه الاثناء كان رجال المقاومة جاهزين للرد اذا ما تعرّض هذا الموقع للمدنيين. وأمام هذا الوضع طلب رجال المقاومة من المدنيين الاقتراب قليلاً من موقع الطيبة، فما كان من عناصره الا ان فروا، وبالتالي أصبح الموقع تحت قبضة المقاومة.
الطائرات المروحية الصهيونية قامت بقصف جوار الموقع لإبعاد المدنيين، كما قام العدو بالتمشيط برشاشاته الثقيلة بشكل كثيف حول الموقع ليمنع المدنيين من دخوله، واستمرت هذه الحالة حتى فجر يوم الاثنين.