خيّمت التجاذبات السياسية والتوترات الأمنية على الأوضاع في شرق أوكرانيا، بالتوازي مع مساعي رديفة روسية ـ أوروبية ـ أممية لتحريك "مياه الأزمة الراكدة" ترجمت بإتصال هاتفي بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين والمستشارة الألمانية أنغيلا ميركل، واللقاء المرتقب لبوتين بالأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الثلاثاء في الصين لبحث حلول للقضية الأوكرانية.
ومع اتساع الهوة بين المكونات الأوكرانية، طلبت مقاطعة "لوغانسك" بالحصول على إعتراف دولي باستقلالها، في وقت أقرّت الداخلية الأوكرانية بإستحالة اجراء الانتخابات الرئاسية في عدد من مدن البلاد.
وفي التفاصيل، أمر الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بسحب القوات الروسية التي تقوم بمناورات على الحدود الاوكرانية، مطالباً كييف بسحب قواتها من شرق البلاد "فوراً"، وفقاً لما أعلنه الكرملين.
وذكرت وكالة "انترفاكس" الروسية أن بوتين أمر جميع القوات الروسية المشاركة في "مناورات الربيع" في ثلاثة مناطق حدودية مع أوكرانيا، هي "روستوف وبيلغورود وبريانسك"، بالعودة إلى قواعدها.
ولم يتضح بعد ماإذا كان الأمر يعني تخفيض عدد الجنود الروس بالقرب من الحدود مع أوكرانيا، حيث قال حلف شمال الأطلسي سابقاً إن روسيا حشدت نحو 40 ألف جندي هناك. لكن حلف "الناتو" عاد وأكد أنه "لا مؤشرات حتى الساعة على عودة القوات الروسية المنتشرة قرب الحدود الأوكرانية إلى قواعدها".
من جهته أكد وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ضرورة "إعادة النظر في العلاقات الروسية مع الاتحاد الأوروبي و"الناتو" بسبب أزمة أوكرانيا".
وحذر لافروف من أن العملية العسكرية التي تجريها سلطات كييف في شرق البلاد باتت تتحول الى حملة إرهاب للسكان، ولا تساعد في توفير الظروف اللازمة لبدء حوار وطني.
وقال في مؤتمر صحفي مع نظيره السلوفاكي ميروسلاف لايتشاك إن مواقف موسكو وبراتيسلافا متطابقة حول ضرورة وضع حد لأعمال العنف في أوكرانيا وبدء حوار شامل داخل أوكرانيا تشارك فيه جميع الأقاليم، وذلك من أجل التوصل الى مصالحة وطنية وتوفير ظروف لإجراء إصلاح دستوري حقيقي يأخذ بالحسبان مصالح جميع المكونات الإثنية والسياسية.
وشدد الوزير الروسي على ضرورة تطبيق "خريطة الطريق" التي أعدتها سويسرا بصفتها الرئيس الحالي لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا. وأردف قائلا: "لا تساعد العملية القمعية واستخدام الجيش ضد السكان في توفير الظروف لبدء حوار وطني حقيقي في أوكرانيا من أجل الاتفاق بشأن المصالحة الوطنية وإصلاح دستوري يقبله الجميع (...) ولذلك نصرّ على أن تكون الخطوة الأولى غير المشروطة هي إيقاف ما يطلق عليه "عملية مكافحة الإرهاب" التي باتت تتحول الى حملة لإرهاب مواطني أوكرانيا بسبب معتقداتهم السياسية".
في غضون ذلك، أجرى الرئيس الروسي اتصالا هاتفيا بالمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل تباحثا خلاله بشأن النزاع فى أوكرانيا، وذلك بحسب ما أعلن الكرملين. مشيراً إلى أن "الاتصال تطرق إلى الانتخابات الرئاسية المزمعة الأحد المقبل فى أوكرانيا."
كما أعلن المتحدث باسم الكرملين ديمتري بيسكوف أن الرئيس الروسي يزمع البحث خلال اجتماع مع الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون يوم الثلاثاء جملة من القضايا العالمية من بينها الأوضاع في أوكرانيا.
وعلى صعيد تطورات الأوضاع الميدانية، أكدت مصادر في قوات "الدفاع الشعبي" في مدينة "كراماتورسك" بمقاطعة "دونيتسك" شمال شرق البلاد لقناة "روسيا اليوم"، تواصل المواجهات المسلحة في المدينة في أعقاب هجوم للقوات الأوكرانية على عدد من حواجز معارضيها في إحدى ضواحي المدينة. دون أن تفيد عن وقوع إصابات. كما نجحت "قوات الدفاع الشعبي" في مدينة "سلافيانسك" المجاورة في صدّ هجمات شنتها القوات الأوكرانية على حواجز تابعة لها.
هذا ودمّر هجوم بقذائف الهاون انبوباً كبيراً لنقل الغاز يقع على مشارف مدينة "سلوفيانسك"، ما أدى لاشتعال النيران فيه. ونقلت وسائل إعلام أن قرية "أندريفيكا" الواقعة على أطراف "سلوفيانيسك" تعرضت لقصف بقذائف الهاون، ما أدى إلى تدمير أنبوب الغاز الذي يمر عبر حقول وأراضي السكان المحليين، واشتعال النيران فيه، دون وقوع خسائر في صفوف المدنيين.
وعلى وقع المعارك، أقرت وزارة الداخلية الأوكرانية إستحالة إجراء الانتخابات الرئاسية في عدد من مناطق "دونيتسك" و"لوغانسك" بسبب نشاط من أسمتهم بـ"المتمردين" من أنصار روسيا. وقال وزير الداخلية أرسين آفاكوف خلال مؤتمر صحفي: "إننا ندرك بوضوح، ولا نخدع أحدا، أنه لم يعد ممكنا إجراء الانتخابات بشكل عادي على مساحة ضخمة من مقاطعتي دونيتسك ولوغانسك".
إلا أن آفاكوف أكد أن الانتخابات ستجري بـ"أي حال من الأحوال، حتى وإن تمت مقاطعتها في عدد من المناطق"، لافتا في الوقت نفسه الى أن بعض مناطق المقاطعتين ستشهد مع ذلك انتخابات.
وبدوره شدد المحافظ الشعبي لمحافظة "دونيتسك" بافيل غوباريوف على "استحالة" إجراء الانتخابات الرئاسية الأوكرانية في منطقة "دونباس" (المنطقة الصناعية في جنوب شرق أوكرانيا)، مشددا على أن سكان المنطقة مستعدون "للدفاع عن سيادتهم".
وقال غوباريوف الذي احتجزه الأمن الأوكراني لأسابيع قبل أن يُفرج عنه في إطار صفقة تبادل للأسرى، قال إن "الانتخابات الرئاسية المقررة في 25 مايو/أيار غير شرعية. وطبعا، لن نعترف بها". وتابع أن "إجراء هذه الانتخابات في أراضي جمهوريتينا المستقلتين غير شرعي وأظن أنه لن تكون هناك أية محاولة من هذا القبيل".
واعتبر غوباريوف أن إجراء أية مفاوضات مع الحكومة الأوكرانية الحالية مستحيل، وأوضح أن "هؤلاء الناس يواصلون اليوم عمليتهم الإرهابية ضد شعبهم... كانت هناك عدة محاولات للتوصل الى اتفاقيات، لكن تم إحباطها جميعا".
وفي موازاة ذلك، أرسلت الجمعية الجمهورية (البرلمان) لـ"جمهورية لوغانسك الشعبية" غير المعترف بها غربياً، طلبا إلى الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون للاعتراف باستقلالها وسيادتها كدولة. وجاء في نص الرسالة: "نعتبر أنه استناداً إلى الأعراف الدولية فإن طلب شعب جمهورية لوغانسك الشعبية الموجه إلى المجتمع الدولي للنظر في مسألة الاعتراف بها حق طبيعي"، مشيرة إلى أن "الجمهورية الشعبية" تنوي بناء علاقاتها مع الدول الأخرى على أساس المساواة والسلام وحسن الجوار وغيرها من المبادئ السياسية والاقتصادية والثقافية للتعاون.
إلى ذلك، أعلنت وزارة الدفاع الأوكرانية عن توقيف صحفيين روسيين في ضواحي مدينة كراماتورسك جنوب شرق البلاد. وطالبت منظمة الأمن والتعاون في أوروبا وزير الداخلية الأوكراني المعين من قبل البرلمان أرسين أفاكوف بإطلاق سراح الصحفيين الروسيين العاملين في قناة LifeNews. وقالت المنظمة في بيان إن منظمة الأمن والتعاون في أوروبا تطالب بإطلاق سراح الصحفيين وإجراء تحقيق دقيق بالحادث".
وفي ردّ سريع، ألقت "قوات الدفاع الشعبي" في مدينة "سلافيانسك" شرق البلاد القبض على عدد من أسمتهم بـ"المرتزقة" بينهم اثنان من عناصر "الاستخبارات المركزية الأمريكية" (سي آي ايه).
في هذا الوقت أعلنت مصادر دبلوماسية وعسكرية روسية أن طراد "فيلا جالف" الأمريكي الحامل للصواريخ سيدخل مياه البحر الأسود يوم الجمعة القادم.
ونقلت وكالة أنباء "إيتار ـ تاس" الروسية عن المصادر قولها إن الطراد الأميركي سيعبر باتجاه البحر الأسود لتنفيذ مهمات القوات البحرية الأمريكية في شرق حوض البحرالأسود، بحسب المعلومات المتوفرة.
وذكرت بعض وسائل الإعلام الروسية أن الولايات المتحدة تريد من خلال إرسال هذا الطراد إلى البحر الأسود دعم خطوات السلطات الأوكرانية الجديدة.