الضفة المحتلة – شذى عبد الرحمن
"لا أتنازل عن ذرة تراب من بيت نبالا ؛ وستبقى خالدة في روحي حتى نعود لها يوماً ما" ؛ وعد وأمل بالعودة هو ما تحيا عليه نوال العرابي التي تسكن في مخيم الجلزون شرق رام الله منذ تهجيرها وعائلتها عن قريتها الواقعة إلى الشمال الشرقي من اللد المحتلة عام 1948.
66 عاماً مرت على وقوع النكبة، التي تسببت بتهجير أكثر من 750 ألف فلسطيني، وقتل نحو 133 ألفاً على أيدي العصابات الصهيوينة التي ارتكبت أبشع المجازر ، ودمرت ما يقارب 500 قرية، ليصبح الفلسطينيون من حينها لاجئين في 28 مخيماً في الضفة الغربية وقطاع غزة ، و32 مخيماً في لبنان والأردن وسوريا.
"العرابي"- التي نال منها مرض السرطان، وجعلها حبيسة السرير في منزلها البسيط الضيق في الجلزون، ولدت بعد النكبة في مخيم كوبر حيث عاشت 8 سنوات، لا تنسى لحظة منها،قائلة : "لقد كانت تنام معنا العقارب والأفاعي والقوارض، حتى جاءت الأنروا وبنت لكل عائلة غرفة بسيطة رأوها الناس قصرا، لما عانوه في الخيام ".
في عام 1952 اقتلعت الرياح الخيام، ونقل من فيها بالشاحنات الى جامع البيرة ومدارس رام الله، قبل أن يعود اللاجئون ويقيموا خيامهم من جديد، "كان الوضع الاقتصادي مترديا للغاية، وكان الناس فقيرين جدا، لم يكن بإمكاننا تناول غير وجبة طعام واحدة في اليوم يعدها لنا مطعم الأنروا في المخيم".
وتخطى اللاجئون الفلسطينيون الكثير من العقبات منذ 66 عاماً إلا أنهم لا ينسون ما حل عليهم من ألم، متمسكين في حلم العودة الذي يراودهم صغارا وكبارا، "أنا الآن أسكن في بيت حجري ولكني غير سعيدة ومستعدة أن أنصب خيمة فوق الشوك وتحت خرفيشة في بيت نبالا وأسكن هناك حتى أموت".
دموع وحزن وضعف وألم، هو كل ما كانت تراه نوال في عيون كل ما يحيط بها، "كنت أستيقظ على جدتي وهي تبكي طوال الليل وتقول،"هي يا بلادنا يا أم العنب الأسمر ليش اترحلنا وغيرنا توطن .. هي يا بلادنا يا أم العنب والتين إحنا اترحلنا وغيرنا المكين".
وتضيف،" لا أذكر أن أهلي كانوا يتحدثوا بشيء غير البلد، كانوا متعلقين فيها جدا وكانوا على أمل كبير بالعودة في أي لحظة، كنت أسمعهم يبكون ويدعون ألا يموتوا في المخيم ويقولون يا رب أموت في داري وأندفن في أرضي".
سنوات من الشقاء والفقر والعذاب عايشه اللاجئون، فتبين نوال أنها لا تذكر يوما أنها رأت أحدا يرتدي معطفا أو حذاء أو ملابس صوفية، وبعد خمسة عشر عاما من النكبة صار اللاجئون يشترون الملابس المستخدمة، أو يحصلون على بعض الملابس البسيطة من الأنروا.
"مات العديد من اللاجئين بسبب العقارب والأفاعي، وكان دود الاسكارس يغطي أجساد الأطفال والناس، وقيل لنا انه بسبب حليب وزعته الأنروا، وبسبب نوم الناس على الأرض وقال آخرون انه بسبب البرد، فحياتنا كانت سيئة للغاية".
طفلة كانت تنام خائفة في الخيمة ما أن تغفى عيونها حتى تطاردها الكوابيس المزعجة بسبب ما تراه بالنهار، " كنت أحلم بالأفاعي والعقارب وكنت أخاف من الجمل، وأحلم باستمرار أنه يدخل للخيمة ويقترب مني ليأكلني".
بيارات وأراض واسعة تمتد لعدة كيلومترات، سلبتها العصابات الصهيونية من عائلة نوال، "كنا نزورها كلما أتيح لنا ونقطف من ثمارها، ونجول بها، وكنت أعود وأنا أحمل كيسا من التراب وذات مرة أرسلت لعمتي في الأردن بعضا منه، أخذت تسكبه على شعرها وتأكله وهي تبكي وتصرخ".
اللاجئ الفلسطيني لن يبقى وضعه على هذا المنوال في المخيمات داخل فلسطين وخارجها كما تقول نوال، "لو في ذكرى المليون للنكبة سنعود لوطننا ورجعتنا قريبة جدا، نحن لم نبع أرضنا، وأنا مستحيل أن أتخلى عن ذرة تراب من الوطن".
ما تزال نوال تحتفظ بمفتاح بوابة بيت نبالا، كما تحتفظ آلاف العائلات بمفاتيح منازلها في قراها المهجرة، على أمل بالعودة الى القرية، ليسقط بذلك ما يؤمن به بأن "الكبار يموتون والأطفال ينسون".