فندق الكارلتون: حكاية تاريخ هدمتها المجموعات التكفيرية
حسين مرتضى
انجازات عسكرية متتالية للجيش السوري في حلب، خصوصا بعد سيطرته على منطقة البريج الإستراتيجية شمال المحافظة، والتي جعلت فك الحصار عن سجن حلب المحاصر قاب قوسين او ادنى، والتقدم اكثر بهدف إعادة السيطرة على المنطقة المحيطة بمبنى مستشفى الكندي الذي تعرض للتدمير بشكل شبه كامل حيث قام مسلحون بتفجير سيارتين فيه تحملان الاف الاطنان من المتفجرات، والتصدي للمجموعات المسلحة في المدينة الصناعية في الشيخ نجار، وعلى جبهة الزهراء قرب مبنى المخابرات الجوية ومحور الرمواسة والعامرية والشيخ سعيد.
في هذه الاثناء كان الضغط العسكري مستمرا على المجموعات المسلحة في منطقة حلب القديمة، حيث قطع الجيش السوري جميع طرق الامداد للمسلحين فيها، كل ذلك دفع المجموعات ذاتها الى تفجير أنفاق تحت مبنى فندق الكارلتون وسوق السويقة التاريخيين داخل مدينة حلب القديمة ما أدى إلى انهيار مبنى الفندق ومبانيَ اخرى خلفه بالكامل، وبعيد التفجير، شنّ عشرات المسلحين هجوماً على نقاط الحراسة في المنطقة، ولكن سرعان ما باء الهجوم بفشل المسلحين بالسيطرة على تلك المراكز، فيما فرض الجيش السوري طوقاً امنياً محكماً حول مكان التفجير، مانعاً أي محاولة تسلل من النجاح.
فندق الكارلتون
فندق الكارلتون الاثري يقع في مواجهة مدخل قلعة حلب، بني بعدما جمع ثمنه من تبرعات أهل حلب في العام 1883، على زمن السلطان العثماني عبد الحميد، حيث شيد على أنقاض قصر العدل الذي هدمه الزلزال الذي ضرب حلب في العام 1822، ومن ثم اصبح أول مستشفى عام في المدينة، وحمل حينها اسم مستشفى الغرباء الحميدي، والذي سمي فيما بعد المشفى الوطني، وتحول فيما بعد الى مدرسة ممرضات، لتقوم الدولة السورية بترميمه وتحويله الى فندق في بوابة المدينة القديمة.
سوريا
ذلك الفندق الاثري تحول الى كومة ركام وتراب، بعد ان كان جزءا من تراث حضاري انساني داخل مدينة حلب القديمة، والذي تعرض للتخريب والنهب بشكل كبير، باسواقه التاريخية ومبانيه التراثية، حيث يبقى الجامع الكبير في حلب شاهدا على ما فعلته المجموعات المسلحة بالتراث الحضاري والانساني، للاثار في سورية، بعد أن اصابه دمار كبير لا يمكن اصلاحه، ففي تشرين الثاني 2012 احترق قسم كبير من صحنه الداخلي، ودُمرت الكثير من أجزائه أيضا. كذلك انهارت مأذنة الجامع في نيسان 2013. ولكن لحسن الحظ فقد تم إنقاذ المنبر وإخفاؤه في مكان آمن، وكذلك تم بناء حائط إسمنتي حول الساعة وقبر النبي زكريا (ع) الذي حاولت المخابرات التركية بالتعاون مع المجموعات المسلحة سرقة رفاته ونقله الى تركية، ومن أهم المعالم الآثارية في مدينة حلب، التي تعرضت للدمار كلياً أو جزئياً القلعة الشهيرة، حيث اقتصر الدمار على مدخلها وبابها، الذي يعود للعهد الأيوبي. حين فجره المسلحون في محاولة منهم لاقتحامها، كما دمروا أيضاً البازار"سوق المدينة الأثري" الذي يعود تاريخ تأسيسه للعهد الهلنستي. ليس هذا فحسب بل لحق الدمار أيضاً دار الجوازات التي تعود لنهاية القرن التاسع عشر وعددا من المساجد والجوامع يصل إلى 35 وعلى سبيل المثال تضررت مأذنة جامع المهمندار، التي تعد فريدة من نوعها وتعود للقرن 13 وتظهر التأثر بفن العمارة في سمرقند، يضاف إلى ذلك الدمار الذي لحق ما يقارب من 50 % من البيوت القديمة التي يبلغ عددها حوالي 6000 ويعود تاريخ بنائها إلى القرنين 14 ـ 18. وهذا يعتبر كارثة حقيقية، كون قائمة الخسائر التراثيه والأثرية مخيفة وطويلة، حيث تحتضن سوريا، اكثر من الفي موقع اثري، ومواقع اخرى قيد التنقيب. فما خربته المجموعات المسلحة في سورية تعدى الانسان، من الشهداء والجرحى والمخطوفين، الذين سقطوا على يد المسلحين، وصولا إلى المباني الحكومية والخدمية والمشافي والمدارس والجامعات ودور العبادة، الى الاثار السورية.
تكفيريو سوريا وحرب الآثار
والجدير ذكره أن المجموعات المسلحة لم تكتف بتفكيك معامل حلب ونقلها الى تركيا، بل قامت ايضا بتشكيل فرق تنقيب خاصة عن الاثار، بعدما حصلت على اجهزة متطورة للكشف عن المعادن من دول اوروبية، وبمساعدة فرق بحثية اوروبية، غاية هذه الفرق هو الكشف عن الاثار وبيعها، لتمويل عملياتها القتالية في سورية، وحتى وصل الامر أن بعض القطع الاثرية المسروقة من حلب القديمة ومتحف حمص، وجدت تباع في اسواق الاردن وتركيا ولبنان. ولا يخفى على احد هدف المجموعات المسلحة التي استطاعت ان تدخل اكثر من موقع اثري في مختلف مناطق سورية، الذي كان واضحاً منذ البداية، حيث ذكرت عدة وسائل اعلام ان بعض الاثار السورية، شوهدت في بعض المتاحف في الكيان الاسرائيلي، وقالت تلك الوسائل ان الاثار السورية وصلت عبر وسطاء اردنيين، وهذا اخطر ما في الامر، حيث يسعى كيان الاحتلال الاسرائيلي في محاولة تزوير كبيرة للتاريخ، لإثبات وجود تاريخي لهم في منطقتنا ونكران ذلك على الشعوب الأصلية بما يتطابق مع زيف الروايات الدينية التوراتية وأسس الصهيونية. هذه السرقات وهذا التزوير بدأ من فلسطين خلال فترتي الاحتلال التركي والاستعمار البريطاني، واستمر ليمرّ بالعراق إبان الغزو الأمريكي، ليصل الى سورية بعد الهجمة العالمية الموجّهة ضدها. ويجب الوقوف مطولاً امام محاولات الكيان الاسرائيلي لتهويد الذاكرة، وتدمير أي تراث او حضارة انسانية في هذه المنطقة.
إن الحرب المفروضة على سورية، جعلت اقدم ارض على مستوى التاريخ تستباح من قبل مجموعات مسلحة متطرفة، مرتبطة فكرياً بدول الخليج والولايات المتحدة الامريكية، وتتلقى الدعم المالي واللوجستي من الكيان الاسرائيلي وبريطانيا وباقي الدول، لا يمكن ان تراعي التراث الثقافي والانساني، حتى إنها تغتال الوجود الانساني ذاته في هذه المنطقة، ولا تؤمن أن الانسان اغلى ما في هذا الوجود وأكثره قيمة، فما بالك بتدمير تراث وحضارة الاف السنين.