القدس – شذى عبد الرحمن
بالاعتداء على الصحفيين وتحطيم معداتهم، تبدأ قوات الاحتلال قمع الفعاليات والتظاهرات السلمية في مدينة القدس، فما نقلته كاميراتهم للمحاكم الإسرائيلية من أدلة برأت أعدادا كبيرة من الشبان المعتقلين وأدانت جنود الاحتلال، أظهر قوة الإعلام في مدينة القدس وخاصة في تغطية الاعتداء على المتظاهرين.
وشهد الربع الأول من عام 2014، تصعيدا ملحوظا من قبل قوات الاحتلال تجاه الصحفيين الفلسطينيين بشكل عام والصحفيين المقدسيين بشكل خاص حسب لجنة الحريات في نقابة الفلسطينيين، التي أعربت عن أملها بملاحقة الاحتلال على جرائمه بحق الصحفيين تزامنا مع انضمام فلسطين لخمس عشرة معاهدة ومنظمة دولية في الأمم المتحدة..
وقالت اللجنة، إن عشرات الانتهاكات بحق الصحفيين سجلت في العام الماضي، وجرى توثيقها ويمكن استخدامها لملاحقة الاحتلال في مختلف المحافل الدولية بالتعاون مع المؤسسات الصحفية العاملة في دول العالم.
وكانت قوات الاحتلال نفذت 1641 اعتداءً بحق الصحفيين، منذ اندلاع الانتفاضة بتاريخ 28 ايلول 2000 وحتى تاريخ 31 اذار 2014.
فقد أسنانه نتيجة اعتداءات الاحتلال
المصور الصحفي عطا عويسات (43 عاما ) استهدفه جنود الاحتلال بقنبلة صوت مباشرة في وجهه خلال الأحداث التي اندلعت في باحات المسجد الأقصى في الأول من آذار الماضي، ما أدى لتحطيم أسنانه وتكسير فكيه.
عويسات يتلقى علاجا مكثفا وبطيئا منذ إصابته، وقال: إن الأطباء أبلغوه أنه بحاجة لعام آخر حتى يستطيع استعادة وضعه الصحي السابق.
وكما بدأ عويسات عام 2013، أنهاه باعتداء آخر من قوات الاحتلال التي اعتدت عليه بالضرب المبرّح وتعمدت رشه بغاز الفلفل، ما أدى لفقدانه للبصر بشكل مؤقت. ويبين عويسات أن إصابته تشكل عائقا في حياته الاجتماعية والمهنية، فعلى الرغم أنه يعاني صعوبة بالأكل فهو أيضا يعاني صعوبة بالكلام وبنطق الحروف بشكل صحيح نتيجة لفقدانه أسنانه.
وقال عويسات "تعرضت لإصابات عديدة على مدار 23 عاما، إلا أن هذه الإصابة هي الأصعب "، مضيفا أن تكاليف العلاج أرهقته في ظل الظروف الحياتية الصعبة في مدينة القدس، حيث دفع أكثر من 60 ألف شيقل.
وأصبحت شرطة الاحتلال تتعمد الاعتداء المباشر على عويسات بشكل خاص إلى جانب الاعتداءات الجماعية التي تشنها على المصورين الصحفيين، ويؤكد عويسات أن شرطة المرور الإسرائيلية تلاحقه أيضا في كل مكان وتحرر له المخالفات التعسفية وتتعمد توقيفه وإخضاعه للتفتيش أمام أسرته.
الاحتلال يخاف الصحفيين المقدسيين
المصور الصحفي في الوكالة الألمانية ABA image سعيد القاق (27 عاما)، أوضح أن دراسات حديثة صدرت أكدت أن الصحفي المقدسي معرض للموت بنسبة 30% خلال تواجده بالحدث في حين أنه معرض للإصابة بنسبة 70%.
ولا يفرّق جنود الاحتلال بين المتظاهرين والصحفيين في الأحداث بمدينة القدس بشكل خاص، ويعتبرونهم محرضين وجزءا من الحدث. ويبين القاق أن الصحفي المقدسي نجح بتقديم صور كأدلة لتبرئة شبان مقدسيين في محاكم الاحتلال وإدانة جنود الاحتلال باعتداءاتهم.
وعن الاعتداءات التي تعرض لها وكان آخرها في المواجهات التي اندلعت في محيط المسجد الأقصى مؤخرا يقول، "وجدت نفسي محاصرا بين 10 جنود، وطلبت من أحدهم الإبتعاد وسمح لي بذلك"، مشيرا إلى أنه لم يكمل خطوته الثانية حتى انهال عليه الجنود بالضرب بالهراوات ما أدى لإصابته برضوض وكسور في جسده.
حرية الصحفي يجب أن تكون مكفولة
نقيب الصحفيين الفلسطينيين عبد الناصر النجار، وفي يوم الصحافة العالمي، بين أن 3000 صحفي وإعلامي من العاملين في الأراضي الفلسطينية على مدار السنوات الخمس الأخيرة، أصيبوا بالرصاص أو الاعتداء الجسدي أو بالغاز السام.
وأوضح أن رسالة الصحفيين الفلسطينيين للمؤسسات الدولية المعنية بالدفاع عن الحريات وحقوق الإنسان بأن تكون حرية وحركة الصحفي محمية ومكفولة، مؤكدا أن كل الصحفيين يتعرضون للمنع من حرية التنقل، أو الحرمان من السفر، أو الاحتجاز عن نقاط التفتيش والحواجز الإسرائيلية، أو من خلال مداهمة بيته، أو الاعتداء على سيارته، أو تكسير كاميرات تصويره، أو غيرها، ونعلي صوتنا لنقول كفى.
وشدد النجار على حق الصحفي الفلسطيني في العمل في جو صحي وسليم أسوة بغالبية زملائه في مختلف دول العالم، موضحا أن ممارسة المهنة في جو من الحرية تعزز الحيادية والموضوعية لدى الصحفي.
الاحتلال يراقب الصحفيين
في شهر شباط 2014، استدعت مخابرات الاحتلال المصور الصحفي أمير عبد ربه (24 عاما) للتحقيق، بعد أن وضع على حسابه على فيس بوك صورة لنير بركات ووصفه بـ "رئيس بلدية الاحتلال"، وهو ما كان دليلا على أن مخابرات الاحتلال تراقب صفحات المصورين الصحفيين والإعلاميين في مدينة القدس.
صحيفة "هآرتس" الإسرائيلية، تناولت الموضوع بإسهاب، وجاء في تقريرها "بعد أن كتب امير عبد ربه عبارة (رئيس بلدية الاحتلال) تم استدعاؤه في نفس الليلة للتحقيق معه في مركز تحقيق المسكوبية، واتهمه المحقق بالتحريض وتوجه له بالسؤال: انت تعيش في هذه المدينة فلماذا تستخدم كلمة احتلال؟".
وأضافت الصحيفة: "عبد ربه يسكن في ضاحية بيت حنينا وهي أحد أحياء القدس المحتلة، وبالنسبة له وبالنسبة لأكثر من ربع مليون فلسطيني يقيمون في المدينة، فإن نير بركات هو رئيس بلدية الاحتلال".
وكانت الصحيفة أشارت في افتتاحيتها إلى التمييز الذي يمارس ضد الفلسطينيين في تقديم الخدمات لهم من قبل بلدية الاحتلال، وقالت: "ان اسرائيل تنتزع من المقدسيين العديد من الحقوق للعيش في مدينتهم، وتقوم بطردهم من بيوتهم الى الضفة".
وأشارت إلى أن التحقيق مع عبد ربه بسبب ما كتب لا يعد أمراً شاذاً في القدس، فالمقدسيون يجمعون على أن شرطة الاحتلال تخضع حساباتهم على مواقع التواصل الإجتماعي للرقابة المشددة.
ويعتبر الصحفيون الفلسطينييون ما تشنه قوات الاحتلال عليهم من اعتداءات ثمنا للرسالة التي يسعون لإيصالها للعالم أجمع، عن انتهاكات الاحتلال على البشر والحجر في الأرض الفلسطينية المحتلة، لتراهم جنودا في خندق واحد ما إن تسقط راية أحدهم يلتقطها الآخر آخذين على أعتاقهم تسليط عدساتهم وأقلامهم على أكثر المناطق والقضايا تهميشا.