الضفة الغربية – شذى عبد الرحمن
بعد أن كانت إحدى جنان الرحمن على الأرض، أصبحت بيت إكسا اليوم جحيما ممتدا منذ عام 1948، فبعد أن تستقبلك أشجارها وتلقيك في أحضان منازلها العتيقة ترى ما يعيشه الإنسان فيها من حصار وألم.
محمد أحمد ذيب (38 عاما) أحد أهالي البلدة يروي معاناته فيقول: "أقيم أنا وأسرتي في منزل محاط ببوابتين عسكريتين، في منطقة عقبة زايد داخل القرية"، فبعد أن صادرت سلطات الاحتلال ألفين دونما في محيط منزل ذيب طوقتها ووضعت عليها بوابة عسكرية لتمنع الأهالي من الوصول إليها".
50 مترا فقط ما هي يبعد منزل ذيب عن مستوطنة رموت المقامة على أراضي البلدة المصادرة، ما يفرض طوقا آخر على العائلة يحرمها من الكهرباء والماء ويبيقها فريسة الخوف والتوتر، يعلق ذيب، "ما أن نصل البوابة الأولى التي تبعد عن المنزل 300 متر يأتي جنود الاحتلال ويحققوا معنا، أحيانا يسمحوا لنا بالدخول وأحيانا أخرى يطردوننا".
وتواجه عائلة ذيب صعوبات كثيرة تعرقل سير حياتها، فأطفالها يشعرون بالخوف والتوتر الدائم، كما عليهم الذهاب إلى المدرسة مشيا على الأقدام لأكثر من ساعة، ويوضح ذيب أن العائلة تنقل الماء من البئر، ولا يوجد لديها كهرباء.
عائلة ذيب أنشأت منزلاً وسط أرضها التي تبلغ مساحتها سبعة دونمات ومهددة بالمصادرة، وأحاطتها بالسياج وزرعتها من كل الأشجار والزهور للتأكيد على صمودها وثباتها في وجه مخططات العدو الصهيوني.
يتحدث رشاد ذيب أحد أفراد العائلة كيف أن عيون المستوطنين تحدق دائما بأرضهم طمعاً بمصادرتها، وأضاف "نشرت الصحف الإسرائيلية مخططا لإقامة فندق على أرضنا ولم يظهر البيت في الصورة المنشورة في الصحف، ما يبين نية الاحتلال لإزالة البيت ومصادرة الأرض".
وتمثل عائلة ذيب نموذجا لما تعانيه العائلات الأخرى في قرية بيت إكسا، التي تعايش النكبات منذ احتلالها عام 1948 بعد أن فجرت العصابات الصهيونية منازلها وطرد سكانها، لتكون أولى القرى التي وقعت تحت الاحتلال الإسرائيلي عام 1967 وفرض عليها حصارا حيث عزلت عن مدينة القدس، بعد إقامة جدار الفصل العنصري، كما عزلت عن مدينة رام الله بعد إقامة حاجز عسكري على مدخلها يمنع كل من هو خارج القرية من الدخول اليها.
رئيس مجلس قرية بيت إكسا عمر حمدان، يلفت إلى أن جنود الاحتلال المتمركزين على الحاجز يمنعون سائقي المركبات من دخول القرية بحجة أنهم ليسوا من سكانها"، مضيفا، أن الوضع العسكري المفروض على القرية لا يشجع التجار على الحضور إلى القرية والاستثمار فيها.
سلطات الاحتلال تتعمد إغلاق الحاجز ومنع المواطنين من دخول القرية تحت ذريعة انقطاع الكهرباء عن الحاجز، ويبين حمدان أن هذه ذريعة كاذبة، حيث إن جنود الاحتلال يملكون مولدا كهربائيا يستطيعون استخدامه، إلا أنهم يتعمدون عرقلة مرور أهالي القرية.
ويوضح حمدان أن تعداد أهالي القرية يبلغ خمسة آلاف نسمة، ألف منهم يسكنون في القرية، مشيرا إلى أن قرية بيت إكسا كانت من أكبر القرى حيث بلغ تعداد سكانها قبل النكبة 30 ألف نسمة، مؤكدا أن الاحتلال يهدف لتفريغ القرية.
وعن مصادرة أراضي القرية، يشير حمدان إلى أنه في عام 1963 تمت مصادرة 1500 دونم لمصلحة مستوطنة رموت التي أصبحت تمتد وتكبر يوميا حتى بلغت مساحتها أكثر من ألفي دونم.
وبعد خمسة أعوام من بناء المستوطنة، يوضح حمدان أنه تمت مصادرة 500 دونم من منطقة عين إسماعيل التي أقيم عليها مستوطنة هار شوموئيل، وفي عام 2009 صادرت سلطات الاحتلال ما تبقى من أراضي القرية بهدف بناء سكة حديدية ذهب ضحيتها أكثر من 300 شجرة رومانية تم خلعها من جذورها.
منطقة عين إسماعيل المزروعة بأكثر من ألف شجرة، أعلنها الاحتلال منطقة عسكرية مغلقة، ويمنع أصحاب الأراضي من الوصول إليها وجني ثمار أشجارها.
قرية بيت إكسا سجن كبير، يلخص المعاناة الفلسطينية وما تمر به من استهداف للحجر والشجر والإنسان على مرأى المجتمع الدولي، لتصبح القرية التي حررها صلاح الدين واعتبرها مستودع كساء للجيش الإسلامي تفتقر لأبسط المواد الغذائية والتموينية.