ضغوط وضغوط متبادلة .. على هذه الصورة رست العلاقة بين روسيا واوكرانيا عقب أزمة شبه جزيرة القرم .كلا الطرفين يحاول ترتيب اوراقه بما يخدم اهدافه. آخر الضغوط المتبادلة كان اليوم عندما وافق البرلمان الاوكراني على سلسلة تدريبات عسكرية مشتركة مع دول الحلف الاطلسي في اوكرانيا بين شهري ايار/مايو وتشرين الاول/اكتوبر المقبلين، وستشمل التدريبات العسكرية في اوكرانيا مياه البحر الاسود ما سيضع القوات الاميركية في تماس مباشر مع القوات الروسية المنتشرة في شبه جزيرة القرم.
وقد صوت على القرار 235 نائبا، فيما قال وزير الدفاع بالوكالة ميخايلو كوفال امام البرلمان ان "هذه فرصة جيدة لتطوير قواتنا المسلحة".
كما صوت البرلمان الاوكراني بالاجماع على نزع سلاح جميع المجموعات شبه العسكرية التي شاركت في الاحتجاجات المطالبة بالتقرب من اوروبا ولا تزال مسيطرة في وسط كييف، غداة تبادل اطلاق نار تسبب به احد عناصر حركة برافي سيكتور القومية في كييف.
وقال الرئيس الانتقالي اولكسندر تورتشينوف بعد التصويت ان "الشعب الاوكراني يطالب بالنظام"، مضيفا أن "هؤلاء الذين يحملون السلاح ـ باستثناء الشرطة والاجهزة الامنية والحرس الوطني ـ مخربون يعملون ضد الدولة".
بدورها ، موسكو لم تتأخر بالرد على هذه القرارات، واخذ الرد هذه المرة شكلاً اقتصادياً إذ أعلن رئيس غازبروم اليكسي ميلر ان مجموعة الغاز العملاقة الروسية اوقفت العمل بالتخفيض المعتمد في سعر الغاز الذي تبيعه لأوكرانيا ما يرفع السعر الى 385.5 دولارا لالف متر مكعب بزيادة باكثر من الثلث. وقال ميلر في بيان "طبقا للعقد الساري بشأن تسليم الغاز، فان سعره على اوكرانيا سيصل في الفصل الثاني الى 385.5 دولارا" مضيفا ان التخفيض الذي منحته المجموعة في كانون الاول/ديسمبر لم يعد ساريا.
واضاف انه "في الوقت ذاته سترتفع تعرفة مرور الغاز الروسي من الأراضي الاوكرانية بدءا من الفصل الثاني" بنسبة 10%، مشيرا الى ان "غازبروم ستدفع الزيادة في تعرفة النقل، وتكون بذلك التزمت بتعهداتها في العقد بالكامل".
وحذرت الحكومة الاوكرانية الاسبوع الماضي من انها مستعدة كي تدفع 387 دولارا مقابل كل الف متر مربع من الغاز كحد اقصى. الا ان السلطات الروسية اعلمتها بانها قادرة ايضا على توقيف العمل بتخفيض آخر بقيمة مئة دولار تم اعتماده في نيسان/ابريل 2010 من قبل الرئيس الروسي أنذاك ديمتري ميدفيديف في اطار اتفاق حول وجود اسطول البحر الاسود الروسي في القرم. ومن شأن ذلك ان يرفع السعر اكثر ليصل الى 480 دولارا للالف متر مربع، ليكون احد اعلى الاسعار المفروضة على الدول الاوروبية.
وكذلك، القت الازمة الاوكرانية وما حملته من توترات بين روسيا والدول الغربية الضوء على تبعية المانيا الكبيرة للغاز الروسي، دافعة برلين الى اعادة النظر بالكامل في سياستها المتعلقة بالطاقة. وبالنتيجة تجد المانيا نفسها بين الحاجة الى التركيز على الوارد المتجددة او البحث عن موارد طاقة اخرى.
ومن بين اهداف المانيا اليوم تأمين 80% من حاجتها من الطاقة بالاعتماد على مصادر متجددة مثل الرياح والطاقة الشمسية بحلول 2050، خاصة انها ملتزمة بوقف الاعتماد تدريجيا على الطاقة النووية وصولا الى التخلي عنها بالكامل خلال العقد المقبل. ومن المفترض ان يملأ الغاز الفراغ الذي ستخلفه الطاقة النووية في حاجات المانيا بانتظار اكتمال قدرتها على اعتماد الموارد المتجددة او البديلة.
وتستورد برلين، اكبر الاقتصادات الاوروبية، 35% من حاجاتها من الغاز من روسيا. وقد تكون المانيا مضطرة لاعادة النظر في سياستها للطاقة نتيجة الأزمة الاوكرانية وما اسفر عنها من عقوبات متبادلة بين روسيا والغرب. ويصر البعض، مثل حزب الخضر، على التوجه نحو الطاقة البديلة فيما يؤكد البعض الآخر على ضرورة ايجاد موارد أخرى من الغاز.
وتسعى برلين اليوم الى تعديل نظام الدعم للطاقة النظيفة، والتي تشكل اليوم حجر الزاوية في سياسة المانيا الجديدة للطاقة. ومن المنتظر ان توافق الحكومة في 9 نيسان/ابريل على مشروع قرار حول الطاقة يشكل احد الاهداف الاساسية لميركل في ولايتها الثالثة. وقال المتحدث باسم المستشارة الالمانية ستيفن سيبرت الثلاثاء "لا يمكننا توقع تخطي كل الخلافات في وجهات النظر".
وأجرى وزراء خارجية دول حلف الاطلسي الـ28 مشاورات في بروكسل حول استراتيجيتهم بشأن الازمة الاوكرانية كما سيبحثون بصورة خاصة مسألة تعزيز وجود الحلف الاطلسي في أوروبا الشرقية. كما يجتمع وزراء خارجية دول "مثلث فيمار" المؤلف من فرنسا وألمانيا وبولندا الثلاثاء قبل قمة بروكسل.
كما بحث مجلس الدوما مشروع قانون يهدف الى تسهيل اجراءات منح الجنسية الروسية الى السكان الناطقين بالروسية ولا سيما في أوكرانيا ومولدافيا (ترانسنيستريا) بعدما ضمت موسكو القرم. وفي المقابل يصوت الكونغرس الاميركي على خطة مساعدة لاوكرانيا تقترن بسلسلة عقوبات على روسيا.
وهذا الاقتراح الذي يعتبر أول اقرار عملي من البرلمانيين الاميركيين بالسلطات الانتقالية في كييف، ينص على تقديم ضمانة لقروض الى كييف بقيمة مليار دولار، وكذلك على تقديم 50 مليون دولار من المساعدات من أجل الديموقراطية والحوكمة والمجتمع المدني فضلا عن مئة مليون دولار على ثلاث سنوات من اجل التعاون الامني.