بات تبادل الاتهامات بين الجماعات المسلحة السورية عقب سقوط أي موقع استراتيجي بيد الجيش العربي السوري وحلفائه أمراً طبيعياً، وهو يتكرر كل مرة بين الجهات نفسها. وتتراوح الاتهامات بين التخاذل وعدم تقديم الدعم والانسحاب المفاجىء، وهي الاتهامات المتبادلة بين جبهة "النصرة" و"الجيش الحر" و"الجبهة الاسلامية" بينما تقف "داعش" شامتة لتقول "لو ان مقاتليها في الميدان لما سقطت يبرود"!
وبات الامر أكثر من طبيعي بعد خسارة الجماعات المسلحة مدينة يبرود الاستراتيجية في القلمون أن يكون لها تداعياتها على الألوية والكتائب المسلحة في المنطقة وعلى المناطق الاخرى وهو ما برز سريعاً، إذ لم تكد تنقضي ساعات على اندحار المسلحين من يبرود حتى انطلقت مجموعة من المعارضيين إلى إطلاق حملة للمطالبة بإقالة رئيس "الائتلاف الوطني السوري" المعارض أحمد الجربا بسبب فشله في دعم جبهة يبرود، مطالبين بتسمية الجمعة المقبلة باسم "جمعة إقالة أحمد جربا". وأطلق معارضون، على مواقع التواصل الاجتماعي "تويتر" و"فايسبوك"، حملة للمطالبة بإقالة الجربا من رئاسة "الائتلاف"، معتبرين أن مدينة يبرود سقطت بيد النظام، وهو رئيس "الائتلاف"، وبالتالي المسؤول عن ذلك، وعليه تحمل المسؤولية والاستقالة من منصبه.
وكان لافتاً أن تداول النشطاء وثيقة تثبت أن الجربا لا يحمل أي شهادة جامعية، وأن شهادة الحقوق التي يدّعيها مزوّرة وغير صحيحة. والوثيقة صادرة بتاريخ 18 كانون الأول الماضي عن جامعة بيروت العربية وتخاطب الأمينة العامة المساعدة لجامعة الدول العربية السفيرة هيفاء أبو غزالة، وتؤكد أنه بعد التدقيق ومراجعة جدول الطلاب منذ العام 1980 تبيّن عدم وجود اسم لأحمد عوينان مدلول عاصي الجربا، بكل حالات الاسم واحتمالات تركيبه ثنائيا أو ثلاثيا أو رباعيا أو خماسيا. وأضافت الوثيقة أن جدول الشهادات يدل على أن صاحب الاسم لم يحصل على أي شهادة من جامعة بيروت العربية.
من جهة أخرى، أعلن "الجيش الحر"، بعد ساعات فقط على إعلان استعادة الجيش السوري السيطرة على يبرود، عن "إعادة تشكيل هيئة أركانه وتوحيد الجهود العسكرية للجيش الحر".
وأضاف البيان، الذي صدر في نهاية اجتماع ضم "وزير دفاع حكومة الائتلاف" أسعد مصطفى ومجموعة من ضباط "الجيش الحر" في اسطنبول، أنه "تم وضع مخطط لتشكيل غرفة عمليات مركزية واحدة، تقود كل العمليات العسكرية تخطيطاً وتنفيذاً وتقييماً بالتعاون مع كل الجبهات والوحدات العاملة على الأراضي السورية".
وتوالت ردود الفعل على لسان القادة الميدانيين للمجموعات المسلحة، فتفاقمت الاتهامات المتبادلة، وتحديداً بين كل من مؤيّدي "الجبهة الاسلامية" و"جبهة النصرة". وسأل المعارضون "أين زهران علّوش من يبرود؟ أين الائتلاف والأركان؟ أين جمال معروف؟ ماذا حصل في يبرود؟ من باع يبرود؟".
ونفى إسلام علوش الناطق الرسمي باسم "الجبهة الإسلامية" "سقوط يبرود كاملة بيد النظام وحزب الله". وأصرّ في تصريح إلى أحد المواقع المعارضة على أن "مجموعات من الثوار من جيش الإسلام وغيره ما زالت ترابط في مدينة يبرود حتى هذه اللحظة".
الخيانة والفساد والاثراء غير المشروع أمر لم يعد بالامكان انكارها، وقد اقر علوش بورود معلومات مؤكدة تفيد بأن" ضابطاً برتبة عسكرية مرموقة سلّم نفسه للنظام الأسدي وبرفقته 5 عناصر"وحاول التخفيف من وطأة ما حصل بالحديث عن تمييز بين "التخوين وعدم قدرة بعض الكتائب على الصمود تحت القصف العنيف جداً من النظام".
المتحدّث باسم "جبهة النصرة" في القلمون، عبدالله عزام الشامي، كان له الردّ الأسرع. فقال "يبرود لم تسقط، بل تم تسليمها" إلى النظام. وتساءل الشامي: "هل تم بيع يبرود؟".
وقال أحد القادة الميدانيين من "النصرة" رافضاً التعليق في "الاخبار" على موضوع الخيانة بين المقاتلين، واصفاً ما حصل "بمحاولات لزرع التفرقة بين المجاهدين". وقال إنّ "يبرود كانت معركة وليست كلّ الحرب، ولن نسمح لهذه الحرب النفسية التي يحاولون شنّها علينا بأن تفتّ من عزيمتنا. الحرب كرّ وفر".
ووَجَد مؤيّدو "الدولة الإسلامية في العراق والشام" مناسبة للشماتة بـ"الصحوات"، وتحديداً زهران علوش الذي سبق أن وصف "داعش" بـ"الفقاعة الافتراضية". وكان ردّ "الداعشيين" على مواقع التواصل: "لو كان جنود الدولة الاسلامية في الميدان لما سقطت يبرود يا خونة"!
ولم يكتف "نشطاء المعارضة" المسلحة بتبادل الاتهامات لا بل إن بعضهم سارع للحديث عن التداعيات على مناطق أخرى وبات
السؤال الاساسي الذي ينتظرون إجابة له ماذا بعد يبرود؟ هل سيتم إعادة تفعيل قطار المصالحة واتفاقات التسوية أو فتح جبهات عسكرية جديدة، سواء لرد الاعتبار أو لتغيير قواعد الصراع !
من الطبيعي أن تنرتب آثار على ما جرى في القلمون، وهو ما يشير إليه عضو "تنسيقية كفربطنا" المعارضة تيم الدمشقي في حديث لـ"السفير" إذ قال أن "قرار فتح أي جبهة في الغوطة الشرقية بات صعباً للغاية، مع الدعم الذي يتحول إلى ما يشبه القيد بالنسبة إلى كثير من كتائب الجيش الحر، ويحول دون أي عمل عسكري في المنطقة".
واشار المعارض السوري إسلام شاهين الى أنه "لو ارادت الكتائب المسلحة في المنطقة فتح مواجهة كبرى لفعلت خلال معارك يبرود بدل الدخول في ما يسميه اتفاقات ضمنية أو غير معلنة إي عدم مهاجمة موقع عسكري مقابل عدم تقدم القوات السورية أو قصف موقع آخر".
مشهد سقوط يبرود السريع والحديث عن استعدادات للسيطرة على آخر المعاقل في فليطة ورنكوس فرب الحدود مع لبنان سيزيد مشهد الانقسام بين الفصائل المسلحة، ويضيق الخناق على مناطق اخرى ،وفي ظل انعدام الثقة بين جماعات المعارضة المسلحة لا بد ان تنشط اتصالات التسوية في بعض المناطق لا سيما بريف دمشق ، وهو ما كشفت عنه مصادر ميدانية ومفادها " أن اتصالات بشأن التسوية قد عرضت على عدة مدن وبلدات محاصرة من دون الوصول إلى نتيجة نهائية.